قراءات إعلامية » الأطفال اللاجؤون .. العبور مقابل الجنس

لا تعني النجاة من الغرق في عرض البحر، أن الوصول إلى تلك الدولة الأوربية – أو غيرها – قد حقق النجاة، ولا حتى التواجد في المخيمات التي تقوم عليها الحكومات الأوروبية؛ فهناك أمور قد تجعل الخروج من الخيمة ليلًا لقضاء الحاجة أمرًا مرعبًا.

هذه الظروف تتفاقم عندما تكون خاصة بالأطفال المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا إلى تلك الدول دون عائلاتهم، فقد تتابعت التقارير التي تكشف عن حجم الاستغلال الجنسي الذي يتعرضون له كإستراتيجية للبقاء، آخر هذه التقارير تحدث عن 15 يورو كمقابل مادي لهذا الاستغلال، كشف أيضًا عن أن جريمة بيع أجسادهم تتم في وضح النهار، بغية البقاء على قيد الحياة أو لتوفير المال للمهربين للانتقال من دولة إلى أخرى.

سعر الاستغلال الجنسي للطفل: 15 يورو

«أطفال مهاجرون يضطرون لبيع أجسادهم للدفع للمهربين»، دق التقرير – الذي حمل العنوان السابق ونشرته صحفية «الغارديان» البريطانية قبل أيام – ناقوس الخطر الشديد في قضية الاستغلال الجنسي للأطفال المهاجرين واللاجئين إلى الدول الأوربية.

مراسلة الصحفية في اليونان كشفت عن اضطرار عدد كبير من الأطفال المهاجرين لممارسة الجنس، بغية توفير المال ثم دفعه للمهربين مقابل نقلهم إلى بريطانيا أو إحدى دول شمال أوروبا، يستغل هؤلاء، وهم في الغالب يحملون الجنسية الأفغانية بجانب السوريين والعراقيين والإيرانيين، من قبل زبائن في سن 35 عامًا فما فوق.

ويرتكز تقرير الصحيفة البريطانية على معلومات حصل عليها مركز الصحة وحقوق الإنسان التابع لجامعة هارفارد، هذه المعلومات تكشف عن تفشي الظاهرة بين الأطفال المهاجرين في اليونان خلال الأشهر الماضية، وفي التفاصيل يظهر أن الأطفال الذي قدموا إلى اليونان – كمحطة أولى – وخلال رحلة السعي للوصول إلى شمال أوروبا يعجزون عن توفير المال لانتقال إلى شمال أوروبا عبر عمليات التهريب.

تقول الصحافية «ديان تايلور»: «لا يمكننا أن نكتفي بالصمت في الوقت الذي يُستغل فيه الأطفال جنسيًا في واضحة النهار»، وتتابع: «إن مهمتنا – كبشر – أن نواجه هذا الأمر المستعجل، ونتحمل مسؤولية الفعل على كل المستويات، ووقف هذه الانتهاكات المخزية للكرامة وحقوق الإنسان»، وحسب معلومات مركز الصحة وحقوق الإنسان بالجامعة، فإن: «متوسط المقابل المادي للاستغلال الجنسي للطفل يبلغ 15 يورو».

وقد سبق هذا التقرير آخر خاص بالأطفال المهاجرين في اليونان أيضًا التي تضم 62 ألفًا من طالبي اللجوء، أعده موقع «الإندبندنت» البريطاني، ونقل الموقع شهادة قال فيها أحد الأطفال استغل جنسيًا للبقاء على قيد الحياة: «أنا لا أفعل ذلك لأنني أحب الجنس، ولكن ليس لدي المال، ولا أي خيار»، وحذر التقرير من: «الوباء المتزايد للاستغلال الجنسي للأطفال المهاجرين الواصلين إلى اليونان، وما يتعرضون له من إساءة المعاملة للبقاء على قيد الحياة وجمع نقود لدفعها للمهربين في سبيل السفر من اليونان إلى المملكة المتحدة، وأجزاء أخرى من شمال أوروبا».

يقول الطبيب النفسي في عيادة أطباء بلا حدود في أثينا «إليني كوتسوني»، إنّ «الأطفال اللاجئين غير المصحوبين في اليونان الذين يكافحون للوصول إلى بريطانيا ومناطق أخرى في شمال أوروبا، يتعرضون للاستغلال الجنسي، إذ يضطرون إلى بيع أجسادهم من أجل تأمين أموال لدفعها للمهربين لمساعدتهم على مواصلة رحلتهم».

انتشار «وباء» الاستغلال الجنسي في الدول الأوربية

لم يكن الأمر خاص بالأطفال اللاجئين الذين وصلوا إلى اليونان، ففي مارس (آذار) الماضي، أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن «معاناة الأطفال والنساء اللاجئين والمهاجرين من العنف الجنسي، والاستغلال، وسوء المعاملة والاعتقال، تستمر على طول طريق الهجرة وسط البحر الأبيض المتوسط من شمال إفريقيا إلى إيطاليا».

 وذكر تقرير المنظمة أن ثلاثة أرباع الأطفال اللاجئين والمهاجرين الذين تم مقابلتهم ضمن دراسة خاصة «تعرضوا للعنف أو المضايقة، أو الاعتداء على أيدي البالغين في مرحلةٍ ما على مدار رحلتهم»، ويكشف التقرير  الذي حمل عنوان «رحلة مميتة للأطفال: طريق الهجرة وسط البحر الأبيض المتوسط»، أن «ما يقرب من نصف النساء والأطفال في المقابلات تعرضوا للاعتداء الجنسي خلال الهجرة، في كثير من الأحيان عدة مرات وفي مواقع متعددة»، يمكنا الوقوف أكثر  في إيطاليا، حيث أن ربع عدد طالبي اللجوء فيها هم من الأطفال، حسب بيانات الحكومة الإيطالية.

ففي تقرير  آخر، تكشف مؤسسة «تومسون رويترز» العالمية عن حجم الاستغلال الجنسي الذي يتعرض له أطفال قادمين من دول شمال إفريقيا من ضمنها مصر، وتؤكد المؤسسة أن «الأطفال المهاجرين الذين فروا من الصعوبات الاقتصادية والاضطراب السياسي في بلادهم، يواجهون استغلالًا جنسيًا ويُجبرون على العمل، دون تصريح مقابل أجر ضئيل في إيطاليا»، وينقل عن طفل مصري في السادسة عشر من العمر قوله: «بدأت أغازل رجال مثليين عند حاجتي للمال أو السجائر … أصدقائي اعتادوا على التعامل مع المثليين مقابل 100 دولار في المرة الواحدة».

وبينما يقول الطبيب بمستشفى سان جاليكانو بروما «ألدو موروني» أن 50% من القاصرين الأفارقة ضحايا للاستغلال الجنسي، يؤكد الاستشاري بهيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية نائل الشافعي على أن «تجارة الاستغلال الجنسي لآلاف الأطفال المصريين الذكور المهاجرين لإيطاليا، الذين تتراوح أعمارهم بين 8 أعوام و17 عاما، تلقى رواجًا كبيرًا في إيطاليا»، بل يشير الشافعي إلى أن ما يقارب التسعين محضرًا استغلال جنسي يتم تسجيلها يوميًا في إيطاليا.

وفي فرنسا، أيضًا ترتكب جريمة الاستغلال الجنسي بحق الأطفال، إذ تعرض أطفال مخيمي (كالي ودنكيرك) إلى الاستغلال الجنسي، لتوفير المال للهروب إلى بريطانيا، وتؤكد دراسة أعدتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن «الأطفال في يتعرضون للاستغلال الجنسي، ويجبرون من قبل المهربين على ارتكاب الجرائم، مقابل إدخالهم إلى بريطانيا».

بنية إجرامية منظمة تستفيد من اللاجئين

واحدة من أبرز النكسات في قضية الأطفال المهاجرين واللاجئين، هو ما حدث قبل عام عندما أعلنت وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) عن فقدان نحو عشرة آلاف طفل مهاجر في الدول الأوربية، وهو ما أثير عن دوافع اختفائهم هو وقوع العديد منهم في أيدي مهربي البشر لاستغلالهم لأغراض جنسية أو جنائية.

 اختفى هذا العدد خلال عامين فقط، وفقد في إيطاليا وحدها نحو خمسة آلاف طفل، وقد تحدثت شرطة (يوروبول) عن ما هو أخطر من مجرد الاختفاء وقالت أن القلق تنامي من قيام عصابات منظمة لتهريب اللاجئين إلى أوروبا وعصابات للاتجار بالبشر، باستغلال هؤلاء الأطفال جنسيًا، وقد كشفت عن أدلة تمتلكها وتؤكد على أن بعض أولئك الأطفال والشباب تعرضوا خلال هربهم لاعتداءات جنسية، يقول رئيس أركان شرطة (يوروبول) «بريان دونالد» إن «بنية إجرامية تشكلت وتستفيد من تدفق اللاجئين، إذ إن مهربين يميلون في الغالب إلى استغلال اللاجئين جنسيًا ولاستعبادهم»، مضيفًا أنهم: «عثروا على أدلة تشير إلى تعرض بعض الأطفال اللاجئين الذين لا ترافقهم عائلاتهم للاستغلال الجنسي، وقد تم اعتقال أعداد كبيرة من المتورطين في استغلال اللاجئين، خاصة مع تطور المنظومة الإجرامية المرتبطة بملف الهجرة لأوروبا».

يفقدون الحماية الرسمية

تظهر الإحصاءات أن واحدًا من كل ثلاثة طلاب لجوء إلى الدولة الأوربية هو في سن الطفولة، أي يشكل الأطفال المهاجرين واللاجئين نحو 30% طالبي اللجوء إلى أوروبا على مدار العامين الماضيين، منهم 70% فروا من الصراع في سوريا، وأفغانستان، والعراق، وشكل عدد الأطفال الذي وصلوا وحدهم دون ذويهم ما يقارب ربع مجموع طالبي اللجوء ممن تقل أعمارهم عن 18 عامًا.

وبالرغم من أن قضية هجرة الأطفال المهاجرين واللاجئين دون عائلاتهم إحدى أكبر أزمات قضية اللاجئين إلى أوروبا، إلا أن الدول الأوربية تتحمل مسئولية ما نال من هؤلاء من اعتداءات، على الأقل لكون أنظمتها سمحت بحدوث استغلال جنسي لهؤلاء في مراكز الاحتجاز والمخيمات، بل افتقد هؤلاء الأطفال اللاجئين الحماية حتى في المخيمات التي تقوم عليها الحكومة ومن المفترض أن توفر لهم الحماية، وقد حدث أن تعرض أطفال بعضهم في السابعة من عمره لاعتداءات جنسية في مخيمات أوروبية رسمية للاجئين، وفقًا للأوبزرفر، وقد حمل تقرير صادر عن مجلس أوروبا لشؤون الهجرة، هذه الدول مسئولية ما يحدث للأطفال، وأكد أن «المعاملة الفجة التي تنتهجها الدول الأوروبية تجاه الأطفال اللاجئين، ستزيد من خطر تطرفهم واندفاعهم نحو ارتكاب الجرائم».

لذلك هذه الدول مطالبة بوضع تدابير لحماية هؤلاء الأطفال، كوضع حد لاحتجازهم في المراكز الحكومية، والعمل على تقديم مجموعة من البدائل العملية التي تضمن حماية لهم، وثم منحهم وضع قانوني، وتخصيص موارد البشرية ومالية من قبل المنظمات الدولية لمساعدتهم، تقول المديرة الإقليمية لـ«يونيسيف» والمنسقة الخاصة لأزمة اللاجئين والمهاجرين في أوروبا، «أفشان خان»: «إننا بحاجة إلى مسارات آمنة وقانونية، وضمانات لحماية الأطفال المهاجرين للحفاظ على سلامتهم والإبقاء على مرتكبي هذه الجرائم بعيدًا»، وتتابع: «ينبغي ألا يضطر الأطفال لوضع حياتهم في أيدي المهربين بهذه البساطة بسبب عدم وجود بدائل أخرى. نحن بحاجة إلى معالجة دوافع الهجرة على مستوى العالم، والعمل معاً نحو نظام قوي للمرور الآمن والقانوني للأطفال، سواء كانوا لاجئين أو مهاجرين«.

وقد بدأت بعض التحركات لمواجهة هذا الأمر تظهر على السطح، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرًا عن إجراءات إضافية لتحسين حماية الأطفال المهاجرين المعرضين للإساءة والاستغلال مع تدفقهم على أوروبا بأعداد قياسية، كما أن «يونيسيف» تقوم على برنامج يهدف إلى حماية الأطفال اللاجئين والمهاجرين، خاصة غير المصحوبين بذويهم، من الاستغلال والعنف.

 

ميرفت عوف / www.sasapost.com

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية