قراءات سياسية » «وثيقة حماس»: نقبل بحدود 67 وعاصمة فلسطين القدس

عملت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على وثيقة سياسية لأكثر من أربعة أعوام، تُبيّن الوثيقة و«تعكس تطور الحركة وتراكم الخبرة السياسية فيها»، أصدرت الوثيقة بتاريخ الأول من مايو (أيّار) 2017، أُعلن عن تجهيزها سابقًا وتم إشهارها في ذلك اليوم من الدوحة وغزة بخطابٍ لرئيس الحركة خالد مشعل. كانت الوثيقة تحت عنوان «وثيقة المبادئ والسياسات العامة». لم تكن هذه الوثيقة الأولى فقد سبقها «ميثاق الحركة» عام 1988. ما جديد الوثيقة الذي يجعل مشعل وقيادات الحركة فرحين بها إلى هذا الحد؟ سنرى ذلك في هذا التقرير.

سياق إعداد الوثيقة

في بداية مؤتمر إعلان الوثيقة قام مشعل بشرح السياق الذي تولّدت عنه الوثيقة. تم البدء بالعمل على الوثيقة منذ بداية الدورة الجديدة لقيادة حماس، أي منذ أربع سنين في 2013، غذّى الوثيقة أعضاء حماس في داخل فلسطين وخارجها وعملوا على تعديلها وعرضها على من يمكن أن يساهم في الوثيقة. يُكرر مشعل أن الوثيقة حاملة لفكر الحركة وتراكم خبرتها السياسية، وهي للشعب الفلسطيني وأبناء حماس وقواعدها، تعبيرًا عن انفتاح العقل السياسي لحماس وتجدده، وقد ساعد في تعديل الوثيقة وضبطها أساتذة في القانون الدولي لتكون الوثيقة موافقةً له في مفرداتها وخطابها.

ما مُبرر هذه الوثيقة؟ تراكم الخبرة، والتغيّر في مواقف حماس بعد تغيّرات في الموقف والسياق الفلسطيني على مستوى الإقليم والعالم.

ما الجديد؟

تكرر الوثيقة كثيرًا من رؤى وأفكار «حماس» السابقة، ولكنها تطرحُ جديدًا لم يكن مُعلنًا عنه بهذا الوضوح في خطابات القيادات سابقًا ولا في الميثاق السابق، جديد الوثيقة هو القبول بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67، «مستقلةً كاملة السيادة وعاصمتها القدس، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها». لم تنشر حماس في نصٍّ رسميٍّ سابق لها قبولًا بدولة فلسطينية على حدود عام 67، ودائمًا ما كانت تؤكد على إقامة دولة فلسطينية على كامل أرض فلسطين. ربما كان هذا التحوّل محاولة لكي تُطرح حماس كحلٍّ في الجدل الدائم حول القضية إذ باتت كافة المبادرات والحلول المطروحة تتحدث عن حدود 67 فقط ولا شيء غيرها، وتختم هذه المادة (برقم 20) من الوثيقة بإقرار بأن دولة على هذه الحدود هي «صيغة توافقية وطنية مشتركة».

عام 1999، في برنامج «شاهد على العصر»، ذكرَ مؤسس الحركة «الشيخ أحمد ياسين» أنّ الحركة تقبل بـ«هدنة» مع الاحتلال الإسرائيلي على حدود 67 وفقًا لنفس الشروط المذكورة في الوثيقة الجديدة. إذًا ما الجديد في الموافقة على هذه الحدود؟ يبدو أنه لا جديد سوى أن هذه الموافقة صارت مُعلنة رسميًا ومُحتكمًا إليها بشكل أساسي في داخل الحركة وفي نشاطها السياسي والعسكري.

علّق أحد الصحفيين في المؤتمر الصحفي بأن هذه الوثيقة خطوة على الطريق نحو تنازلات أوسع وأكبر، وَ«ما الفرق بين فتح وحماس» إذا سارت الأمور بهذا الشكل؟ جاء رد مشعل واضحًا من خلال مواد الوثيقة، فقال وفقًا للمادة 27 إن «الدولة الفلسطينية الحقيقية هي ثمرة التحرير»، ولا وجود لحلٍ نهائيٍّ آخر سوى إقامة دولة فلسطينية على «كل التراب الوطني الفلسطيني».

إذًا كيف يمكن أن نقول دولةً على حدود 67 وفي الوقت ذاته سعيًا لتحرير الأرض الفلسطينية كاملة؟ تُظهر بعض المواد في الوثيقة نوعًا من التضارب فيما بينها، ولكن قراءة الوثيقة كاملةً مفتاحٌ لحل هذا التضارب.

المفاهيم الرئيسية

قال مشعل إنه وقبل كل شيء، هنالك مفتاحان لفهم هذه الوثيقة كما يجب:

1- حماس حركة تتجدد نظريًا وعمليًا، وهذا مظهر طبيعي لتتجدد «في المقاومة والنضال والفكر والسياسة».

2- حماس تقدم بهذه الوثيقة نموذجًا في التطوّر والانفتاح والتعامل مع الواقع، دون الإخلال بثوابت المشروع.

يذكّر مشعل بالتفريق بين الثوابت المحصورة والجامدة وبين المتغيّرات التي تعطيك مساحةً واسعة للعمل، «من الصعب أن تتطوّر وتتبدّل مع الحفاظ على أصل وأصالة مشروعك».

فما الثوابت الرئيسية؟

تحرير كامل الأرض: من الثوابت الرئيسية في وثيقة حماس السعي لتحرير كامل الأرض الفلسطينية، «من نهرها إلى بحرها» دون التفريط بأيّ شبرٍ منها مع رفضٍ تامٍ لمعاهدات السلام النهائية واتفاقية أوسلو.
حق العودة: حقٌ أساسي لكل فلسطيني في الوثيقة، و«كل مَن ولد مِن أبٍ عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ، داخل فلسطين أو خارجها، هو فلسطيني»، وترفض الوثيقة رفضًا تامًا أي تصفية لقضية اللاجئين وأي توطين لهم ينزع عنهم حقهم في الأرض الفلسطينية.
وحدة الشعب الفلسطيني: فالفلسطينيون في الخارج والداخل، من اللاجئين والنازحين ومن أبناء عرب 48، هم جميعًا أبناء شعب فلسطيني واحد.
حق المقاومة: تؤكد الوثيقة حق المقاومة للشعب الفلسطيني، وترفض المساس بها أو بسلاحها، وترى أن كافة أشكال المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني أشكالٌ مشروعة وفي قلبها المقاومة المسلّحة.
عدالة القضية: تؤكد الوثيقة على عدالة «القضية» الفلسطينية ومركزيتها للعرب والمسلمين، ثم تؤكد على عالميّتها فهي قضية إنسانية تهمّ كل أحرار العالم، وحماس تؤكد رفضها لأي ظلم أو احتلال أو تمييز قد يقع على شعب من شعوب العالم.

في ضوء هذه الثوابت تُقرأ الوثيقة، وتُرى معظم التفاصيل الأخرى أقل ثباتًا منها وخاضعةً لها في النهاية.

التجدد في الوثيقة

بمقارنة بسيطة بين وثيقة 2017 وميثاق 1988، يظهر الفارق الكبير الذي طرأ على بنية عقل حماس وتفكيره، فقد تغيّرت لغة الخطاب كثيرًا وتحوّلت من النطاق العربي الضيّق إلى نطاق عالمي أوسع، ومن نطاق إسلامي صرف إلى نطاق إنساني يتعرّض لشرائح أكبر من الناس حول العالم، فالوثيقة تُنادي «أحرار العالم» وتدعوهم إلى دعم القضيّة الفلسطينية في الساحة الدولية، فهذه مهمّة «إنسانية وحضارية»، و«كيان الاحتلال» في الوثيقة هو خطرٌ على الإنسانيّة جمعاء.

تُقدم الوثيقة لغة جديدة لحماس، فهي تتحدث عن «مفاهيم إسلامية» بلغة مُحرّرة من النَفَس والمصطلح الإسلامي، تتحدث عن وجوب رفع الظلم ووجوب تحرير الأرض المغتصبة، ولكن هذه المرة دون وجود آيات من القرآن أو أحاديث نبويّة، وتخلو تمامًا من أي وعظ ديني كما في ميثاق 1988.

تضمنت تصريحات مشعل في المؤتمر «تبشيرًا» بوثائق أخرى، ولكن الأهم من ذلك، ما قاله عن صدور «أدبيات» فكرية وسياسية جديدة للحركة في المستقبل، لقد أكّد مشعل على أن حماس تتبع مدرسة الإخوان المسلمين فكريًا فقط، مع انفصالٍ في التنظيم، فهل إصدار أدبيات جديدة قد يعني خروجًا عن إطار مدرسة الإخوان الفكري أو تعديلًا عليه؟

على مستوى آخر، تعدُّ حماس هذه الوثيقة انعكاسًا لتغيّر في آلية إدارتها للصراع وتأكيدًا على التفكير الاستراتيجي، وهي الآن تلعبُ في الصراع حاملة ثلاث صفات: «1- عقلٌ مُنفتح على الإقليم والعالم، 2- فكرٌ إسلامي معتدل، 3- عدوٌّ واضح». تعقيبًا على هذا التغيّر في فهم وإدارة الصراع، سأل الصحفي المصري أحمد منصور: هل قد يعني هذا جلوسًا على الطاولة للتفاوض المباشر مع الإسرائيليين؟ وقد جاء الرد بنفس طابع الوثيقة: المفاوضات وسيلة وأداة، فهي متغيّر في فلسفة حماس وليست ثابتًا، السياسة الحالية عدم التفاوض المباشر لأن التفاوض يفتقر لموازين القوى المُؤيدة وظروف نجاحه الآن ليست في خدمة مصالح الشعب الفلسطيني. الوثيقة مليئة بالتأكيد على الوقوف في صف المصالح الفلسطينيّة على الدوام باعتبارها مُوجهًا لتحرّك حماس.

يصف مشعل هذا بالـ«براغماتية المنضبطة»، تطلب مصالحك ضمن مبادئ ثابتة، مع أوراق قوّة، فإسرائيل «لا تُدرك إلا لغة القوّة». ستُدرّس الوثيقة لأعضاء حماس، وستكون مرجعًا لنقد وتقويم ومحاسبة طريقة سير العمل في الحركة ولها السيادة عليها لأنها صدرت عن تحرير جماعي داخل حماس، فهل سنرى جديدها على أرض الواقع؟

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية