مقالات » الولايات المتحدة وآخر لعبة شطرنج سياسية في إيران

كيف حلل البيت الابيض الانتخابات الرئاسية الأخيرة
سيد محمد كاظم سجادبور ـ تحليل Iran Review
الجمعة 5 يوليو/ تموز، 2013


يمكن اعتبارالانتخابات الرئاسية الحادية عشرة التي أجريت في 14 يونيو / حزيران 2013 في إيران نقطة تحول في مسار العلاقات الداخلية والخارجية الايرانية. فبعد الانتخابات، حدثت تغيرات كبرى في الأوساط السياسية الإيرانية الداخلية والخارجية. إذ يؤكد المحللون صراحة، الآن، على أن الإدارة الإيرانية الجديدة سوف تحدد اتجاهاً جديداً لنهج السياسات الخارجية للبلاد. هناك أيضا تكهنات على نطاق واسع حول التركيبة الجديدة للمسؤولين الإيرانيين الذين سوف يكونوا قريباً في موضع المسؤولية في أجهزة السياسة الخارجية للبلاد. وقد رحب بالانتخابات الرئاسية الإيرانية وبنتيجتها النهائية القاصي والداني في جميع أنحاء العالم باستثاء وحيد هي اسرائيل. في هذه الأثناء، كان رد الفعل الذي أبدته الولايات المتحدة، ليس فقط على المستوى الرسمي، ولكن أيضاً من قبل اللاعبين السياسيين الأقل مستوى في الولايات المتحدة، لافتاً جداً. وبما أن النظام السياسي للولايات المتحدة هو نظام معقد ومتعدد الطبقات، فإنه ينغي أخذ مختلف جوانب وزوايا العلاقات السياسية في هذا البلد بعين الاعتبار من أجل الإجابة على هذا السؤال المهم: 'كيف يمكن تحليل رد فعل الولايات المتحدة على نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران عام 2013 ؟' للإجابة على هذا السؤال وتقييم ردود الفعل المختلفة التي ظهرت إزاء انتخابات الرئاسة الايرانية من قبل الأوساط السياسية الأمريكية، ينبغي الاستفادة من ثلاثة أطر عامة. هذه الأطر تشمل ما يلي:

ـ إطار تحليلي، وهذا يعني كيفية تحليل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الولايات المتحدة؛
ـ إطار استراتيجي، وتحديداً، ما الأثر الذي سوف تتركه الانتخابات الرئاسية في إيران على العلاقات الاستراتيجية بين إيران والولايات المتحدة، وأخيراً،
ـ إطار سياسي؛ ما يعني كيف يمكن تقييم أثر الانتخابات السالفة الذكر على الديناميكية السياسية في علاقات إيران مع الولايات المتحدة. هذا الإطار يسلط الضوء فعلاً على رد الفعل الممكن الذي ستظهره  الولايات المتحدة إزاء نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران.

الإطار التحليلي
تحولت مسألة الانتخابات في إيران إلى موضوع ساخن للنقاش بالنسبة لمؤسسات ومعاهد الأبحاث الأميركية العديدة والكثيرة منذ فترة طويلة، حتى قبل اجراء الانتخابات. مع ذلك، فقد كان نهج وأداء معظم تلك المؤسسات والمعاهد بارداً إزاء الانتخابات الرئاسية في إيران. هذا يعني أنه، في البداية، ادعت الهيئات البحثية الأميركية أن الانتخابات في إيران قد تم تصميمها لدرجة أنه حتى الشخص الذي سوف يخرج منتصراً قد تم تحديده من الأساس. وقد حلل العديد من المحللين العاملين مع مراكز البحوث المختلفة انتخابات الرئاسة الإيرانية مع ما يتماشى على طول الخط مع الآراء الأميركية. مع ذلك، لقد كانت النتيجة الفعلية للانتخابات الرئاسية في الجمهورية الاسلامية ، صدمة تحليلية، وهذا مما لا شك فيه ، لأولئك الذين يعتقدون أن ليس هناك 'انتخابات' في إيران، وانما هناك 'اختيار'. وقد شمل أنصار هذه الطريقة في التفكيرالعديد من الخبراء الأمريكيين الذين قدموا وجهات نظرهم حول التطورات السياسية في إيران. وفيما عدا استثناءات قليلة، لم يكن أي من المحللين الأميركيين قادراً على الخروج بتحليل دقيق للانتخابات في إيران بما أنهم لم يتمكنوا أصلاً من التكهن بالنتيجة في نهاية المطاف. في الواقع، إن الصدمة التحليلية المذكورة قد أثبتت بوضوح عدم كفاءة الآليات التحليلية المستخدمة من قبل العديد من الباحثين الأميركيين عندما يتعلق الأمر بإيران. وليست هذه هي المرة الأولى التي تفاجئ فيها إيران المؤسسات التحليلية الأميركية. إن عنصر المفاجأة يعني أن الجهود التحليلية الخاصة بها لم ترق إلى مستوى التكهن بالخطوط الرئيسة التي تتحرك على أساسها السياسة في إيران.

بالطبع، تجدر الإشارة إلى أن العديد من هذه الجهود التحليلية مبني على وجهات النظر والمصالح السياسية والأيديولوجية، وهذا واضح. بعبارة أخرى، تستند جمع المقالات التحليلية التي يراها المرء في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الإيرانية إلى مصالح جماعات خاصة في الولايات المتحدة تواصل العمل على تحقيق أهداف سياسية محددة. مع ذلك، فقد تسببت نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران والصدمة التحليلية الناتجة عنها بظهور نوع آخر من التحليل في الولايات المتحدة. نتيجة لذلك، وفي فترة قصيرة من الزمن، كانت جماعات مصالح معينة، وخاصة تلك التي تعزز مصالح إسرائيل في الولايات المتحدة، تحاول الخروج بإطار محدد للانتخابات الإيرانية والرئيس المنتخب وقد استخدمت هذه الجماعات، ولا تزال، جهود 'تأطير' خاصة للقيام بذلك. ونتيجة لذلك، وبعد انتخاب الدكتور حسن روحاني الرئيس الإيراني الجديد، كان المحللون الأميركيون يزعمون في العديد من تقاريرهم التحليلية بأن الرئيس في إيران، لا يلعب أي دور مهم. وفي الوقت نفسه، كان هؤلاء يحاولون تقويض شخصية الرئيس الإيراني من خلال المنشورات التي تخرج من المعاهد البحثية المختلفة. مع ذلك، هم يتجاهلون أن جهود التأطير هذه تعاني من مجموعة من العيوب التحليلية. فوفقاً للدستور الإيراني، يتم تعيين الإطار الرئيس للسياسات العامة في إيران من قبل المرشد الأعلى [آية الله سيد علي خامنئي]. مع ذلك، ووفقاً للقوانين العادية وكذلك العادات السياسية، يلعب الرئيس يلعب دوراً حاسماً في كل القضايا المتصلة بالسياسة الخارجية الإيرانية. إنه ممثل رمزي للجمهورية الإسلامية في العلاقات الدولية، يلعب دوراً تنفيذياً هاماً في إدارة مختلف الهيئات المسؤولة عن السياسة الخارجية الإيرانية، ويلعب دوراً أيضاً في تصميم وتقديم استراتيجيات السياسة الخارجية الإيرانية في الإطار العام للمؤسسة الإسلامية. مع ذلك، كان هناك تحليلات  في وقت لاحق لمحللين أميركيين حاولوا فيها، وبانتظام، التقليل من شأن دور الرئيس الإيراني. لذا، وبالإجمال، تعتبر دينامية السياسية الإيرانية الداخلية، فضلاً عن البنى السياسية المعاصرة، والمؤسسات، والثقافة الإيرانية العناصر الرئيسة التي تجاهلها، وإلى حد كبير، الإطار التحليلي المستخدم في الولايات المتحدة نتيجة لفشل المحللين بتعليق أهمية على هذه العوامل. مع ذلك ، إن هذا الإطار التحليلي، له علاقة وثيقة بلا شك بنهج الولايات المتحدة الاستراتيجي إزاء إيران، وبالتالي، ينبغي أخذه بعناية في الاعتبار.
 
الإطار الاستراتيجي
لم تؤد الانتخابات في إيران إلى تغيير كبير في عقلية الاستراتيجيين الأمريكيين، وكان جهدهم الجماعي من أجل تقديم إيران كتهديد دائم لمصالح الولايات المتحدة العنصر الأكثر ثباتاً في استراتيجية واشنطن تجاه إيران. بالطبع، وبالإضافة إلى كونهم مجمعين حول ما يسمى تهديد ايران ونهجهم المثير للقلق إزاءإيران، هناك اختلافات بين الاستراتيجيين الأمريكيين فيما يتعلق بنوعية التهديد الإيراني ، ودرجة وإلحاح هذا التهديد، فضلا عن الطريقة الأفضل للتعامل مع ما يتصورونه تهديداً إيرانياً. لهذا السبب، لا يمكن لأحد الادعاء بأن الانتخابات الأخيرة في إيران لم يكن لها أي تأثير على عقلية الاستراتيجيين في الولايات المتحدة. إن نتيجة الانتخابات الأخيرة ستواجه أولئك الاستراتيجيين الأمريكيين الذين أصروا على الحاح التهديد الإيراني ذي التحديات الخطيرة. ونتيجة لذلك، فإن التصدعات الخطيرة لا بد وأن تظهر في آرائهم المثيرة للحرب والجهد الذي يبذلونه لعسكرة نهج الولايات المتحدة تجاه إيران وجعله متطرفاً. بالطبع، هذا لا يعني أنهم سيظلون صامتين. فإطارهم الاستراتيجي، الذي له جذوره في وجهة نظر ثابتة تعتبر إيران تهديداً دائماً للولايات المتحدة متصل بوضوح وبشكل وثيق بالاطار الرئيس لسياسات الولايات المتحدة. هذا هو السبب الذي يحتم علينا أن نولي اهتماما خاصا ومتزامناً لمجمل اللاعبين السياسيين في الولايات المتحدة ولنتائج الانتخابات في إيران.

الإطار السياسي
على الرغم من أن الولايات المتحدة  تتبع على ما يبدو سياسة رسمية بشأن إيران وحيث أن  تلك السياسة صاغتها وزارة الخارجية أو البيت الأبيض، فإن في داخلها ،بحد ذاتها ، مجموعة من اللاعبين، وهذا بدوره يفترض ضروباً مختلفة من الأشكال الفردية والمؤسساتية، والتنظيمية. ليس هناك شك في أنه عندما يتعلق الأمر بإيران فإن هناك اختلافات وحتى صراعات بين الهيئات التنفيذية والتشريعية الأمريكية. بالطبع، هناك علاقات استراتيجية قوية بينهما في نفس الوقت. لقد كانت جماعات المصالح الخاصة الداعمة لاسرائيل داخل الكونغرس الأميركي تبذل قصارى جهدها لتصعيد العقوبات ضد إيران على امتداد جميع مراحل الانتخابات الإيرانية. وكان قد تم اتباع نفس المسار من قبل هذه الجماعات بعد الانتخابات كذلك. أما الهدف الرئيس منها فهو تقييد يديْ الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) لدرجة لا يكون قادراً فيها على الانخراط بأي شكل من أشكال التفاعل مع إيران في أعقاب التطورات السياسية في البلاد الناتجة عن الانتخابات الأخيرة. في نفس الوقت، هناك واقع لا يمكن إنكاره وهو أن المد ، في الوقت الحالي، يجري ضد مجموعات المصالح هذه، وبأن تلك الجماعات التي لم تدخر جهدا لتغذية المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران قد تم تهميشها. لا ينبغي أن يؤخذ تهميش هذه الجماعات المتطرفة داخل المجتمع الأمريكي بخفة.

ففي ظل هذه الظروف بدأت بعض الأوساط السياسية في الولايات المتحدة بالتحدث عن إمكانية التفاعل المباشر مع إيران. وعلى الرغم من أن هذه الأوساط قد أخذت في الاعتبار أيضاً العديد من الظروف والشروط لمثل هذا التفاعل، فإن مجرد الحديث عن إمكانية التفاعل يعتبر إنجازاً ملحوظاً. الآن، دعونا نلقي نظرة على لعبة شد الحبل بين القوى السياسية في إيران التي تؤمن بالمواجهة مع الولايات المتحدة وتلك التي تؤيد التفاعل. إذ يبدو بأنه بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان الجو العام يتغير تدريجياً لصالح أنصار التفاعل. الأمر الكبير واللافت هنا هو التسرع الواضح وسخط العديد من الجماعات الإسرائيلية والجماعات السياسية الإسرائيلية وخاصة اليمينية. إن أدنى احتمال حتى لإمكانية الحد من التوتر بين الولايات المتحدة وايران يثير قلقاً بالغاً بين هذه المجموعة من القوى السياسية. نتيجة لذلك، هم يحاولون استخدام كل الوسائل المتاحة لهم، بما في ذلك مختلف وسائل البروباغندا، والخطاب السياسي والتهديدات اللفظية من أجل استعادة الوضع إلى حالته السابقة.
ماذا ستكون النتيجة النهائية، ونتائج تلك المناوشات السياسية؟ هذه المسألة لا تقتصر ببساطة على قرار هؤلاء اللاعبين ونوعية السلوك السياسي داخل الولايات المتحدة. هناك أيضا قوى إقليمية تلعب دوراً كبيراً في هذا الصدد. فعندما يتعلق الأمر بدول الجوار المباشر لإيران، وخاصة العالم العربي، هناك إمكانية لانفتاح وانفراج في العلاقات بين الدول العربية وإيران وإلى توسع ملحوظ في مساحة التفاعل. رغم أنه في بعض الحالات (وخاصة فيما يتعلق بالوضع في سوريا حيث اللاعبين الإقليميين والولايات المتحدة على خلاف وطرفيْ نقيض مع إيران) قد تصبح هذه المساحة معقدة بشكل خاص وتضيق إمكانية التفاعل. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن القوى السياسية التي تشكل الطيف المتنوع لسياسة الولايات المتحدة ليست هي القوى الوحيدة التي يمكن أن تحدد النتيجة النهائية في  لعبة الشطرنج السياسية هذه. فإحدى أهم العوامل وأكثرها فعالية في هذا الشطرنج السياسي هو نوع الإجراءات التي سوف تتخذها إيران كلاعب سياسي. ويبدو أنه من خلال السعي المستمر لأهداف محددة لسياستها الخارجية، إنما من خلال تنظيم مختلف ومحدَّث، سوف تكون إيران قادرة على أن يكون لها تأثير كبير في هذه اللعبة. بطبيعة الحال، إن هذا الأمر يعتمد على تنظيم خطاب السياسة الخارجية الإيرانية والسلوك، بشكل عام، خاصة فيما يتعلق بقضايا أكثر تعقيداً في العلاقات الدولية.

(*) سيد محمد كاظم سجادبور هو السفير السابق ونائب الممثل الدائم لجمهورية إيران الإسلامية لدى الأمم المتحدة في جنيف. قبل تسلمه هذا المنصب، شغل منصب مدير معهد الدراسات السياسية والدولية، فرع البحوث في وزارة الخارجية الايرانية. نال سيد سجادبور الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة جورج واشنطن، وكان زميل في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد. وقد قام بالتدريس في كلية العلاقات الدولية في جامعة طهران، وكذلك في جامعة آزاد وجامعة الدفاع القومي الايراني.

(*) ترجمة: إيمان سويد، خاص مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية