أوراق إستراتيجية » تمكين المقاومة الديمقراطية في سوريا

بسمة قضماني ـ فيليكس لوغراند / بيروت ـ باريس / أيلول/ سبتمبر 2013
(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية.
ملخص تنفيذي

rsglebsymilitia_448
عندما بدأت الانتفاضة السلمية في سوريا في ربيع عام 2011 تحولت إلى مقاومة مسلحة بعد بضعة أشهر في مواجهة القمع الوحشي من قبل نظام الأسد . ومنذ ذلك الحين ، أصبح النشطاء الذين حملوا السلاح يعتمدون على الدعم في المال والسلاح ليكونوا قادرين على الاستمرار. هناك قلة عدا نظام الأسد ممن يشككون بهذه الرواية. مع ذلك كثيرا ما يتم التغاضي عما يترتب على هذا الاعتماد . ومنذ ذلك الحين شكلت مصادر التمويل للمتمردين والقيود المتعلقة بها مشهد التمرد المسلح ، وليس العكس . ما لدينا في سوريا ليس ثورة إسلامية وإنما انتفاضة شعبية تلقت تمويلاً من مصادر اسلامية في المقام الأول . إن الاعتراف بهذا أمر ضروري وله آثار بعيدة المدى لتحديد سياسة فعالة في الصراع السوري .
بينما تستعد الولايات المتحدة ، فرنسا ، والقوى الإقليمية في الشرق الأوسط لما يبدو أنه توجيه ضربة عسكرية لا مفر منها للنظام السوري التابع لبشار الأسد ، تطرح أسئلة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى : كيفية العمل مع المعارضة المسلحة ؟ من هي القوى الموثوق بها ؟ ما هي قدراتها ؟ أي مجموعة من المجموعات يمكن أن تكون جزءاً من خطة لاستبدال الأسد ، وكيف يمكن احتواء المتطرفين ؟
تبحث هذه الورقة في الظروف والأحوال التي شكلت المعارضة السورية المسلحة وتجري مسحاً للمجموعات التي لا تزال ملتزمة بنظام سياسي ديمقراطي ومجتمع تعددي في سوريا .
وتصف الورقة الميوعة  البالغة داخل المقاومة المسلحة التي تعكس ، أساسا، التنوع ، إلا أنها في أغلب الأحيان غير مستقرة ، وبالتالي ، مصدر تمويل لا يمكن الاعتماد عليه للمتمردين. وتقترح الورقة سبلاً لتمكين الجماعات المؤيدة للديمقراطية باعتبارها أفضل وسيلة للوصول إلى الهدف المزدوج المتمثل بإنهاء دكتاتورية الأسد وتحقيق نتيجة ديمقراطية في سوريا ، وتؤكد أن ليس للهدف الأول فرصة للنجاح إذا لم يتم اتباع الثاني في وقت واحد .
لقد كانت هناك دوامة من الهزيمة الذاتية والذاتية التعزيز على مدى العامين الماضيين . فالتردد بتوفير نوع من الدعم المناسب في الوقت المناسب لم ينتج عنه تدنٍ في مستوى المال والسلاح الذي يصل إلى المتمردين فحسب وإنما سمح  لمصادر خاطئة أن تصبح المزود الرئيس للمال والسلاح . فمع كل زيادة في الدعم المقدم في مقابل الولاء لأجندة إسلامية ما، تزداد المخاوف لدى عدد أكبر من السوريين بشأن نتائج الصراع، وقد عمقت إيران تورطها إلى جانب نظام الأسد لمواجهة ما تعتبره تصميماً سعودياً كبيراً لتثبيت هيمنة السنة بشعار الوهابية على المنطقة بأكملها.
ظلت وحدة الصف في مواجهة النظام لفترة طويلة القانون الغالب لدى المقاومة المسلحة . لكن وبينما سعت الجماعات المتطرفة للسيطرة في مناطق معينة ، تؤدي الجهود المبذولة من قبل الجماعات السورية لاستعادة السيطرة على المقاومة وإعادة العمل بأهدافها الأصلية إلى حدوث نزاع ثلاثي الأضلاع  بحكم الواقع ويشمل النظام ، الجماعات الجهادية المتطرفة ، والمعارضة الديمقراطية .
هذه الديناميات على أرض الواقع لها آثار كبيرة على السياسة :
لقد آن الأوان لأن توضح الحكومات الغربية لحلفائها الإقليميين أن دعم بعض الجماعات ذات الأجندة غير الديمقراطية أمر مخيف للكثير من السوريين ويؤخر سقوط الأسد .
إذا كان المال و السلاح  يحددان اتجاه الصراع ، فإنه ينبغي استخدام ميوعة الجماعات المسلحة كفرصة لتشكيل الوضع على الأرض . ينبغي للقوى الغربية والإقليمية  اختيار قادة الجماعات الديمقراطية وتمكينهم لتصحيح هذا التوازن لصالحها داخل الجيش السوري الحر. فإذا ما كانت الجماعات المؤيدة للديمقراطية مجهزة بشكل صحيح ، فسيكون لديها القدرة على قيادة حركة لتغيير ميزان القوى في ساحة المعركة لصالحها وطمأنة جزء كبير من السوريين ممن يقفون على الحياد .
إن الإغاثة الأساسية للمقاتلين أمر هام ، كأهمية شراء الأسلحة تماماً. ينبغي لاستراتيجية فعالة تسمح  للجماعات المؤيدة للديمقراطية باستعادة زمام المبادرة أن تجمع بين الدعم المدني والعسكري ، وكذلك استجلاب دعم مستقر وموثوق باعتباره السبيل الوحيد أمام قادة الجماعات المؤيدة للديمقراطية للإبقاء على ولاء مقاتليهم وضمان وجود قيادة فعالة . في هذه الحالة فقط سيكون من الممكن تحديد المجموعات التي يمكن الوثوق بها وتزويدها بأسلحة متطورة .
لا يمكن التوقع من القيادة العسكرية العليا أن تغير من تلقاء نفسها توازن القوى على الأرض لصالح الجماعات الديمقراطية. لقد واصلت الجهات المانحة تحديد الفئات المفضلة الخاصة لديها حتى بعد إنشاء القيادة العسكرية العليا. إن القيادة العسكرية العليا قناة موثوق بها ولكن يجب على الجهات المانحة تعيين المستفيدين من الدعم بالتنسيق معها.
ينبغي مساعدة المجلس العسكري الأعلى في جهوده لرسم خطة أمنية عملياتية لحماية جميع المواقع الحيوية والمناطق في جميع أنحاء البلاد . وسيكون رئيسه في منصب وموقع يخوله السعي للحصول على التزام من القادة الإقليميين والمحليين لتنفيذ الخطة ، وبالتالي السماح للقيادة العسكرية العليا بالتدقيق  بالمجموعات في هذه العملية.
هناك مجموعات صغيرة متعددة الطوائف تقاتل النظام في مناطق حيث لا يزال يتمتع بالدعم وعادة ما يكون ذلك بتعريض أنفسهم لخطر جسيم. إن توفير الدعم العسكري المحدود لهذه الجماعات من شأنه أن يؤدي إلى قطع شوط طويل في إضعاف عائلة الأسد ، بل من شأنه أن يشكل تحدياً خطيراً للنظام الذي  سوف يتردد بالرد على هذه الجماعات بتفجيرات ضخمة بنفس الطريقة التي يقوم بها في المناطق التي تكون فيها المقاومة هي المهيمنة ؛ انه استباق لظهور خط ترسيم الحدود تمهيداً للتقسيم ؛ أخيراً ، إنه اصلاح للعلاقات بين مختلف الطوائف في البلاد بعدما عمل النظام على تحريكهم ضد بعضهم البعض .

1. مقدمة
إن إحدى الممارسات الأكثر تحدياً في النزاع السوري اليوم هي تحديد كل المجموعات التي تقاتل على الأرض والتي تسمي نفسها قوى ثورية . أما في السياقات السلمية ، فإن عملية تحديد المجموعات التي ينبغي إدراجها في العملية السياسية عادة ما تنطوي على التدقيق في التزامهم بالتقيد بقواعد الديمقراطية المحددة في إطار دستوري .
في كل الأحوال، إن المعايير تختلف في سياق نزاع مسلح كالنزاع في سوريا . وحيث ان النظام مصمم على تدمير النسيج الاجتماعي للبلد ويهدد سلامة الدولة السورية ، يصبح هدف انهاء حكم عائلة الأسد جزءاً لا يتجزأ من هدف إنقاذ الدولة والمجتمع على حد سواء . ويتطلب هذا الأمر نهجاً يواصل العمل على كلا الهدفين في نفس الوقت . فإذا ماذا كان السؤال حول الإطاحة بالأسد مشتركاً ومتوافقاً عليه بالاجماع في أوساط الجماعات المسلحة ونشطاء الانتفاضة ، فإن كيفية ذلك يصبح هو السؤال الحقيقي . وإذا ما كان بروز الجماعات الإسلامية المتطرفة أمرا مخيفا للكثير من السوريين وللعديد من البلدان ( على جانبي السياج ) ، فمن الواضح عندها أنه من الخطأ السماح بهيمنة الجماعات الإسلامية في النزاع من أجل تحقيق الهدف الرئيس وهو إزالة الأسد . لقد مرت فترة طويلة جدا حتى الآن ، والنزاع حول كيفية إزالته يؤخر تحقيق النتيجة المرجوة .
على مدى الأشهر الـ 18 الماضية ،  تم إنتاج العشرات من الدراسات الاستقصائية والتقارير والمقالات من قبل ضباط الجيش والمخابرات ، منظمات حقوق الإنسان ، الباحثين والصحفيين والتي تركز بشكل حصري تقريباً على الجماعات الاسلامية ( الاخوان المسلمين ، السلفيين والجهاديين من مختلف الشعارات و الأصول ) . وفي حين أن نمو هذه الجماعات مقلق فعلاً وأمر يستحق التحليل الجاد ، فإن حجم الكتابة عنها يترك لدى المراقبين انطباعاً بأن جميع المقاتلين على الارض إسلاميين ، ما يعني أن الجماعات الديمقراطية غير موجودة وأن إزالة الأسد ستؤدي حتما إلى سيطرة القوى الإسلامية على سوريا.
إن نظام الأسد نفسه يستثمر بكثافة في الشبكات الإعلامية لتشويه صورة خصومه . فالجمهور المستهدف لديه ، أولا وقبل كل شيء، هم النخب السياسية والرأي العام في البلدان الغربية. وقد شارك النظام في حملات التشهير ضد شخصيات سياسية ، ولجأ، منذ أن تطورت المواجهة تطورت إلى مواجهة عسكرية بشكل رئيس ، إلى استراتيجية متعددة الأوجه تتعلق بتسلل مجموعات معينة والتلاعب بها واصفاً كل منها بأنها مجموعة جهادية.
يقدم هذا التقرير رواية بديلة وأكثر دقة. فبناء على تحقيق ميداني شامل داخل سوريا، يجري التقرير رسماً تفصيلياً للجماعات التي ظلت ملتزمة بالمطالب الأصلية للانتفاضة من أجل سوريا حرة وديمقراطية وتعددية. ويصف العوامل التي شكلت التحرك على الأرض ، والظروف التي تعمل فيها الجماعات المسلحة والمرونة الموجودة لدى تلك المجموعات الوطنية الديمقراطية التي، وبرغم كل الصعاب، حافظت على التزامها بسوريا ليبرالية. ويدعو التقرير إلى اتباع نهج مختلف من خلال الاقرار بمكمن نقاط الضغط والعمل من طرفين مختلفين: من المانحين، الذين يحصلون على المال والسلاح، ومن المتلقين، أي الشخصيات السياسية والعسكرية الموجودة على الأرض والتي تلهم جماعات المقاومة وتقدم لها التوجيه والإرشاد.
يبدو من الضروري وجود نهج نشط وتدخلي إذا ما كان يراد لدعم الثورة أن ينجح ويسفر عن أفضل النتائج من أجل سوريا تعددية.
هذا لا يعني أن الجماعات الديمقراطية منعزلة وبحاجة لأن تكون مختارة بعناية  من وسط محيط من السوريين الإسلاميين. فالثورة السورية لم تتحول إلى إسلامية ولكن يتم تمويل معظمها من مصادر ذات  ميول إسلامية، ما يترك الجماعات الثورية ذات النزعة الديمقراطية تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة  كالأيتام بما يتعلق بمصادر الدعم.
إن مصطلحيْ "ديمقراطي" أو "مؤيد للديمقراطية " ، المستخدمين هنا لوصف الجماعات المختلفة، لا يستندان إلى اعتبارات أيديولوجية وإنما إلى اعتبار ما هو المطلوب للحفاظ على سوريا تعددية وموحدة ، كما سيتم شرحه أدناه.
إذا ما توفر للجماعات المؤيدة للديمقراطية نوعاً من الدعم الصحيح ، فإن هذا سوف يحفز الدعم الذي يتمتعون به داخل المجتمع السوري و يكشفه ، مما يمكنهم من النمو بسرعة . ويمكنهم عندها إعادة توصيل الكفاح المسلح مع البيئة الاجتماعية المتنوعة في سوريا و يؤدي إلى "إعادة سوْرنة " الثورة . إن الغرض من هذا التقرير تقديم الخارطة التشغيلية لمجموعات موثوقة لديها القدرة على أن تصبح منصات اطلاق لاستراتيجية نشطة. وتهدف جهودنا لتحديد الجماعات المؤيدة للديمقراطية في هذا التقرير ، وبشكل رئيس، تخليص النضال من شوائب الأجندات المتعددة التي تسربت الى سوريا على مدى العامين الماضيين .
 لا يدعو التقرير  إلى  تقسيم صفوف المقاومة ، لا سيما وأن العدو لا زال سالماً متكاملا: نظام الأسد . مع ذلك ، يدعو التقرير إلى تطبيق معايير انتقائية للغاية في التدقيق بالجماعات على الأرض بغية تمكينها وتغيير التوازن بين القوى المناهضة للنظام لصالحها . إن المجموعات المبينة في هذا التقرير والمدرجة في الملحق هي تلك التي أظهرت التزاماً ثابتاً بالمبادئ الديمقراطية على مدى العامين الماضيين ، حتى في ظل الظروف الصعبة . هناك، بالتأكيد، بعض الجماعات المفقودة من القائمة والتي يتعين تحديدها . لذلك ينبغي اعتبار التقرير عملاً يسعى إلى التقدم وسيتم تحديثه على أساس منتظم .
نحن لا نجادل في الحاجة إلى تعزيز الهيئات الرسمية التي تمثل المعارضة السياسية والعسكرية، الائتلاف الوطني للثورية السورية وقوى المعارضة (أو الائتلاف الوطني المعارض) والمجلس العسكري الأعلى. هناك حاجة ماسة جداً لهذه الهيئات وقد عانت الثورة من نقاط الضعف والانقسامات داخل المعارضة فترة كافية. إذ ينبغي دعم كل منهما ( المعارضة السياسية والعسكرية) وتشجيعهما على تطوير القدرات المؤسسية والتنفيذية. لكن من غير الواقعي أن نتوقع من هذه الهيئات الجديدة تطوير العلاقات مع مجموعات على الأرض أو إنشاء نظام تنظيمي بين عشية وضحاها. وغالباً ما يستهان بهذا التحدي.
إن القسم الأول من التقرير يوضح المعايير المستخدمة لاختيار الجماعات الديمقراطية. أما القسمان التاليان فيصفان السياق الذي شكل حركة المعارضة على الأرض على مدى العامين الماضيين والخطوط العريضة لأدوار وأنشطة الأنصار الخارجيين  وأعضاء المعارضة.
يجري القسمان التاليان تحليلاً لأهداف وهيكلية الجماعات المختلفة التي تعمل على دعم وحدة سوريا ودعم نظام سياسي تعددي. ويستند التحليل بذلك على تحقيق شامل جرى داخل سوريا على مدى العامين الماضيين، بما في ذلك مناقشات مطولة مع قادة المعارضة السياسيين والعسكريين. وهناك جدول للمجموعات التي تم تحديدها وسماتها الأساسية قد تم تضمينه في الملحق. إن أسماء الوحدات وأعداد المقاتلين تتقلب، مما يعكس الميوعة البالغة للوضع العسكري. ويحلل التقرير القيود التي تسبب هذه الميوعة، يقدم سردا ملموساً عن أنماط التعاون في ميدان المعركة ويحلل أسباب التوتر بين الجماعات.
يشير القسم الأخير إلى الاتجاهات بشأن وضع استراتيجية فعالة للحد من جانب الحرب البديلة ( وكلاء الحرب)، والعمل باتجاه " إعادة سورنة " الثورة وطمأنة السوريين المترددين المذعورين الذين يخشون من النظام ومن عدم الاستقرار، على حد سواء.
ينبغي إضافة ملاحظة حول اختيار الكلمات في هذا التقرير. إن مصطلحات مثل "الثورة"، "الصراع"، "المتمردين"، "مقاوم مقاتل"، " الديمقراطية" ، " الليبرالية" و " العلمانية " هي مصطلحات مشحونة بالاتهامات . فبالنسبة للسوريين، فإن سرد الصراع أمر مهم للغاية مع استمرار النظام باستثمار الكثير من الجهد والأموال في نفي الجرائم والفظائع التي ترتكبها قواته. هدفنا ليس الدخول في هذا الجدل وإنما توضيح الأمور لصناع القرار الذين يسعون إلى بناء استراتيجية لتحقيق نتائج ديمقراطية.

2. من هي الجماعات المؤيدة للديمقراطية ؟
لم يتم اختيار المجموعات المحددة في هذا التقرير على أسس أيديولوجية وإنما اعتمد بدلاً من ذلك على اعتبار عملي واحد: هل هي مكرسة للحفاظ على سلامة سوريا كدولة - أمة يمكن  فيها لكل المواطنين أن يشعروا بأنهم يريدون الانتماء إليها  أم لا . وفي اختيار المجموعات المدرجة في الملحق لهذا التقرير، اقتصرنا في اختيارنا للجماعات، وبشدة ، على تلك التي أظهرت التزاماً واضحاً بالقيم الأصلية الليبرالية غير الطائفية التي حركت الانتفاضة الشعبية السلمية في ربيع عام 2011 .
باستخدامنا مصطلح "مؤيد للديمقراطية " ، فإننا نعني بذلك تلك الجماعات التي تقاتل من أجل اقامة دولة سورية لجميع مواطنيها الحاليين ، نعني أولئك الذين يتبنون أجندة وطنية تتعلق بالتعددية ، المواطنة المتساوية ، و الدعوة إلى سيادة القانون المدني الواحد للجميع. بالإضافة إلى التزام هذه الجماعات بالمبادئ ، نقوم أيضاً برصد الاعتبارات المتصلة بأعمالها منذ بداية الانتفاضة في المجال المدني ، بما في ذلك تقديم المساعدات إلى السكان على أساس غير تمييزي وإدارة الشؤون المدنية ( المجالس المحلية ، المناهج الدراسية والتعليم، و المحاكم المدنية ) بطرق تحفظ الطابع المدني للمؤسسات العامة وتحافظ على التنوع ضمن المجتمع . إن تنظيم المقاومة المسلحة على أسس غير طائفية و المعاملة التي يلقاها المحتجزون هي أيضاً المعايير الرئيسية .
أخيرا ، والأهم، رغبة الفصائل بالالتزام بقرارات السلطة السياسية المدنية وأن تكون جزءاً من خطة أمنية شاملة لتحقيق الاستقرار في البلاد ، كما يسعى لذلك المجلس العسكري الأعلى . إن المجموعات التي هي بهذه الصفات هي التي ستبني سوريا على الأرجح وهي التي يمكنها أن تحكم نفسها بنفسها وتدافع عن نفسها ، و تحافظ عليها . وهذه ليس لديها القدرة للقيام بذلك من دون تقديم مساعدة ما من الخارج، لكن يمكن أن تكون أكثر استعداداً للتعاون مع حكومات دول الجوار و القوى الدولية لتحقيق الأمن مجدداً في المنطقة. هذه المجموعات هي صوت قسم كبير (يمكن القول الأغلبية ) من السوريين الصامتين الذين يقفون على الحياد .
كان يمكن تبرير ضم مجموعات أخرى توصف بأنها معتدلة أو إسلامية عادية ، والتي يجب أن تمييزها بوضوح عن الجماعات المتطرفة و الجهادية . أنها تعكس الإسلام المعتدل ، الذي يحب السوريون تسميته بالإسلام الاجتماعي، الإسلام السائد تقليديا في أوساط الطائفة السنية في سوريا ، وبالتالي فهو جزء من النسيج الاجتماعي للبلد . ومن المعروف أن بعض هذه المجموعات قريبة من جماعة الإخوان المسلمين السورية . وتلتزم القيادة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بأجندة ديمقراطية وتعددية لمرحلة سوريا ما بعد الأسد . جاء ذلك بوضوح في البرنامج السياسي لجماعة الإخوان المسلمين المنشور في عام 2004 والذي أعيد تأكيده في وثيقة نشرت عام 2012 . وقد أشار العديد من الزعماء الدينيين المحافظين أيضاً إلى التزامهم النظام السياسي الذي يحمي حقوق جميع الأقليات . إن السوريين من كل الطوائف والخلفيات الأيديولوجية لا يشككون في حق هذه الشخصيات بأن تكون جزءاً من عملية التحول السياسي و أن تلعب دوراً في النظام السياسي في المستقبل.
في كل الأحوال، لقد اخترنا استبعادها من تقريرنا لسببين رئيسيين . الأول ، أنهم تلقوا ( ولا زالوا ) دعماً هائلاً من الأسلحة والأموال من مصادر حرمت جماعات غير إسلامية من نفس النوع من الدعم. هذا الأمر كان له أثر (حتى ولو عن غير قصد ) بشعور عدد أكبر من السوريين بالخوف  بدلاً  من كسب المؤيدين للثورة . ثانياً، سعت استراتيجية نظام الأسد إلى تمزيق النسيج الاجتماعي ودعوة حلفائها الإقليميين لتحويل الانتفاضة الشعبية إلى صراع طائفي وذلك بتأليب الشيعة ضد السنة - بما في ذلك تشكيل ميليشيا طائفية بحتة ، من الشيعة العراقيين ، اللبنانيين، والإيرانيين . في هذا السياق ، يعمل الدعم المتزايد لجماعات اسلامية سنية لصالح النظام . إن وجود استراتيجية فعالة لمواجهة هذه الخطط يستلزم بذل جهود هادفة لتمكين الجماعات التي تلتزم بوضوح بسوريا ديمقراطية موحدة .
تشكل الجماعات الجهادية المتطرفة مشكلة من نوع مختلف . إذ يعتبرهم معظم السوريين غرباء عن النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد .  إنهم يعربدون ويقفلون على الحياة المدنية ، مطالبين بإنشاء دولة دينية إسلامية أكثر مما يأتون على ذكر إسقاط الأسد . وقد دعاهم كبار ضباط الجيش في الجيش السوري الحر والزعماء الدينيين المسلمين ،في مناسبات عديدة ، إلى مغادرة البلاد .
 كان الحفاظ على الوحدة في صفوف المعارضة  يعتبر، وبالإجماع،  شرطا للنجاح، وذلك لأسباب وجيهة  لا تزال ذات صلة في معظم الأحيان. مع ذلك غالباً ما كانت  آلية الوحدة بأي ثمن بمثابة غطاء للجماعات الجهادية المتطرفة لشق طريقهم إلى سوريا والترويج لأجندتهم من دون مواجهة مقاومة شديدة من جانب أعضاء المعارضة الآخرين. وكما هو مبين أدناه، ينبغي ألا يُنظر إلى مكافحة الجماعات الجهادية المتطرفة باعتبارها علامة على مزيد من الانقسام وإنما  كمحاولة لتطهير صفوف المقاومة من العناصر التي تشوهها.

3.السياق الذي شكل الحركة على الأرض
تجسد الوضع على الأرض في سوريا ، وإلى حد كبير، بالوحشية البالغة من قبل نظام الأسد ،هذا من ناحية، و من ناحية أخرى، من خلال الشلل الذي أصاب المجتمع الدولي (كما يتضح من عدم وجود قرار من مجلس الامن الدولي يدين القمع).
تصنيع التطرف
لجأ النظام إلى الاستخدام غير المتناسب للقوة منذ الأيام الأولى للانتفاضة كجزء مما كان يعتقده استراتيجية الردع الناجح على مدى العقود الأربعة السابقة. شعار الأسد الأب كان " ترهيب - تسد".
لم يكن لدى ابنه بشار والعائلة وصفة أفضل للحفاظ على سيطرتهم على البلاد وحماية حكمهم. فالعدو المثالي في هذه الاستراتيجية (الذي سرعان ما سيصبح أفضل حليف موضوعي) هو التطرف. أما الشخصيات المعتدلة والعلمانية المعارضة فتصبح أكثر خطورة. وقد تم استهدافهم، في الواقع، الواحد تلو الآخر من قبل الشبيحة والميليشيات الموالية للأسد.
ومن ضمن الضحايا جراح اغتيل في عيادته الطبية،  وتم تعذيب أحد رجال الاقتصاد البارزين وأحد مخططي  المجالس المحلية حتى الموت في السجن، إضافة إلى محامين مسيحيين من منظمة حقوق الإنسان يدافعون عن السجناء وزعيم سياسي علوي بارز ، هم من بين عدد آخر من الضحايا.
لم يُترك أمام النشطاء الذين بدأوا الانتفاضة السلمية في عام 2011 سوى خيارين: إما وقف الانتفاضة تماماً ( حيث أن الاحتجاج السلمي أصبح مستحيلاً) أو حمل السلاح. وكان الإقبال على حمل السلاح غير متكافئ بين المجموعات المختلفة. لقد كان كثيرون منهم ممزقين وسعوا بشدة ويأس إلى تكتيكات جديدة للحفاظ على الحركة السلمية. لكن ما أن شهد نشطاء قتل إخوتهم، وأطفالهم أو جيرانهم، أو تعرضوا للتعذيب في السجن، حتى أصبح الحافز للقتال لا يقاوم. وبدأت عملية التطرف. فالمجازر الدورية ( كتلك التي حصلت في الحولة في مايو/ أيار 2012، الحفة في حزيران 2012، داريا في آب 2012، الخ)، وبعضها ارتكب بينما كانت بعثة مراقبة الأمم المتحدة (UNSMIS) لا تزال على الأرض في سوريا، أدت إلى إرسال شبان جدد للانضمام الى القتال.
في نهاية المطاف أصبحت كل مجموعة، حتى تلك الأكثر نفوراً من عسكرة الصراع، متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في المقاومة العسكرية.


شعار موال للنظام مكتوب على أحد جدران قرية في إدلب؛ " الأسد أو إحراق البلد"
" الله فقط معنا"
هناك مجموعة من العوامل أحدثت ما يسميه الناشطون على الأرض  " جواً إلهياً ". فعندما انتقل النظام إلى استخدام أقسى أشكال العنف - بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق أصغر من الهجوم على غوطة دمشق في أغسطس/ آب 2013 – لم يعد التمسك بالنضال مسألة "من هو على استعداد للقتال " وإنما، وعلى نحو متزايد، " من هو الذي على استعداد للموت ". لقد  أصبح الجهاد الصرخة الأكثر تأثيراً.
لقد كان عدم وجود أسلحة متطورة حاسماً في إعطاء الجماعات الجهادية دوراً بارزاً في المواجهة العسكرية مع النظام . ففي غياب وجود أسلحة فعالة لمواجهة تقدم مدفعية النظام و سلاحه الجوي ، أصبحت التفجيرات و الهجمات الانتحارية ضد أهداف استراتيجية مثل المباني الأمنية والقواعد العسكرية ،السبيل الوحيد لايذاء العدو وتحقيق بعض النجاحات في الحرب غير المتكافئة . ويتفوق الجهاديون في هذا النوع من التكتيكات و يمكن أن تصبح سلاحاً في حد ذاته. وكانت الجماعات الجهادية مصممة على استخدام هذه الميزة في ساحة المعركة لكسب مساحة وفرض قوانينها على المناطق التي أصبحوا يسيطرون عليها.
لقد كان للرد الدولي غير الملائم وواقع عدم تدخل أي قوة لحماية السكان المدنيين من الذبح عواقب مدمرة . إذ لم يكن التدخل على النمط الليبي ( الذي كان أمل كثير من السوريين ) غير وارد فحسب، وإنما لم يكن من الممكن أيضاً التوصل إلى اتفاق، بالحد الأدنى،  بين أعضاء مجلس الأمن الدولي لإدانة جرائم النظام أو ضمان تأمين توجيه الإغاثة الإنسانية إلى السكان المدنيين . وبعد أكثر من سنتين في الصراع ، تتيح الموانع الإقليمية والدولية ، والمصالح الاستراتيجية والمنافسات مواصلة السلوك الإجرامي والإفلات من العقاب ، ما يجعل السوريين مسكونين بشعور مرير بسبب التخلي عنهم .

لعنة الجغرافيا السياسية
برزت سوريا على أنها المحور الأكثر حساسية في المعادلة الإقليمية المعقدة. وتركزت جهود النظام على جعل القضية الطائفية عنصراً رئيساً من عناصر استراتيجيتها. وبدا أن النهج هو كالتالي: "إذا لم تتمكن من العمل وفق سياسة فرق تسد، فقسِّم لمنع أي شخص آخر من الحكم، ووسع رقعة سفك الدماء في كل مكان، مصدِّراً مخاطر  ومستورداً أخرى جديدة".
اتحدت هذه العوامل لتهيئة الظروف لحرب بالوكالة. أصبحت كل مجموعة تشارك في المعركة تعتمد على الدعم المالي والعسكري الخارجي، وبالتالي عرضة للتلاعب بها. واعتمد النظام بشكل متزايد على دعم حلفائه أما من جانب المعارضة ، فقد كان المال والسلاح متوفراً لأولئك الذين وافقوا على قسم الولاء للراعي، وتكاثر الرعاة بسرعة.
في الشرق الأوسط ، يعتبر التمويل، بغالبيته الساحقة ، من مصادر إسلامية و يجلب معه أجندة المحافظين . وتوزع الأموال من خلال قنوات معقدة ، يتم التحكم في بعضها من قبل الحكومات، ولكن الكثير منها يدار من خلال الأعمال التجارية الخاصة والشبكات الدينية . وقد تم إنشاء هذه الشبكات لأول مرة في أواخر السبعينات و أوائل الثمانينات لدعم المقاومة الإسلامية في أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي، و أعيد تفعيلها أثناء النزاعات في البلقان ، الجزائر ، اليمن و العراق على مدى العقود الثلاثة الماضية. وفي حين أن بعض هذه الأموال يتم توجيهها بمباركة من حكومات دول الخليج ، مما يجعلها مسؤولة بشكل مباشر عن أسلمة المقاومة ،  فإنه غالباً ما يتم التبرع لهذه الشبكات ، وبسخاء ، من قبل مصادر خاصة وتكون في بعض الحالات قوية جداً فلا تستطيع الحكومات مواجهتها، حتى ولو اختارت ذلك  .
أصبح المقاتلون السوريون هم المستفيدون من هذه المساعدات ، واكتسب قادة الجماعات العسكرية النفوذ والسلطة على المقاتلين وذلك بفضل قدرتهم على تأمين المال والسلاح . بالتالي خلق النظام الحافز له  (مستجلباً رعاته للمحاربة إلى جانبه ) ، ووفرت الشبكات الدينية المحافظة الوسائل و الأدوات للمقاومة ، ومعها جاءت الأجندات السياسية المتعددة.

دور المعارضة السياسية
في حين أن الأجندات ومصادر التمويل المتعددة هي المسؤولة ، وإلى حد كبير، عن انشقاق المعارضة المسلحة، فإن المعارضة السياسية تتحمل أيضاً جزءاً من المسؤولية لعدم وجود تعاون أوسع بين الجماعات المناهضة للنظام . إن عدم وجود أي خبرة في العمل والتخطيط معاً ،  ناهيك عن عدم وجود قيادة للمواجهة العسكرية ،  انعدام الثقة ، المنافسة الحزبية والطموحات الشخصية ، وأخيراً و ليس آخراً، استعداد الشخصيات الموجودة في مناصب رئيسة للقيام بخدمة المصالح الإقليمية التابعة لجهات فاعلة مؤثرة ، كانت كلها عوامل اجتمعت معاً واتحدت لتجعل من التنسيق الثابت بين القيادة السياسية المعارضة و الجماعات المسلحة على الأرض رغبة لم تتحقق أبدا . إذ لم ينجح المجلس الوطني السوري الذي تأسس في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ولا الائتلاف الوطني المعارض الذي أنشئ بعد ذلك بعام بالعمل كمظلة سياسية وطنية للمعارضة المسلحة . بدلاً من ذلك ، طورت الفصائل السياسية المختلفة صلاتها مع مجموعات مختلفة على الأرض . هنا مجدداً، ظل كثيرون في أوساط المعسكر الليبرالي الديمقراطي داخل المعارضة مترددين بعض الوقت بالاعتراف بأن الكفاح المسلح أمر لا مفر منه، في حين أسرعت القوى الاسلامية بالبدء بتنظيم تدفق الأسلحة، عندما انشق أوائل الضباط من الجيش السوري ، وذلك سعياً للسيطرة عليها من خلال التمويل. أما المقاتلين، من المدنيين والضباط العسكريين، الذين كانوا ينفرون من عملية أسلمة الثورة فقد كاوا تواقين إلى التوجيه السياسي والدعم من الشخصيات السياسية التي أخفقت بالتعامل معهم.
بما أن المقاومة أصبحت مسلحة، فقد كانت مصادر التمويل والقيود المرتبطة بها تعمل على تشكيل المشهد، وليس العكس. لم تصبح الثورة السورية إسلامية ، لكنها بحاجة ماسة للدعم وقد تلقت، وإلى حد كبير، الأموال والأسلحة من مصادر اسلامية، بعضها تسيطر عليها مصادر يمكن التعرف عليها وغيرها  تتحكم بها شبكات غامضة تربط أكثر الشراكات والحلفاء غرابة مع بعضهم. إن تعقب هذه المصادر أمر  معقد ومرتبط بالسياسة الداخلية لدول الخليج، وبالألعاب المتعددة التي لعبتها إيران والعراق والنظام السوري في العقود الأخيرة. هذه مسألة هامة تستحق إجراء تحقيق شامل ، الأمر الذي يقع خارج نطاق هذا التقرير. مع ذلك، فإن آثارها على سوريا تصب في صميم موضوعنا.
ما أن حملت مجموعة من الناشطين السلاح، حتى كان عليها  تأمين الذخيرة بأي ثمن وكان مطلوباً من زعيمها إطعام  مقاتليه على الأقل. وبقدر ما قد يبدو هذا تافهاً، فإنه صميم المشكلة. فخلال الأيام الأولى من الانتفاضة المسلحة، قالت شخصيات المعارضة ممازحة بأن "الجيش السوري الحر للبيع". كما أن الجماعات المسلحة تختار لألويتها الأسماء التي يرجح بأنها ترضي  الممولين. وكثيرا ما يذكر كيف أن بعض الحكومات والشبكات الخاصة تشير لمجموعة ما  بتغيير اسمها من أجل الحصول، بالمقابل، على الدعم المالي والعسكري. ويختار الكثير من الجماعات ، وبشكل عفوي،  أسماء إسلامية، أو تلجأ إلى المفردات الدينية وتسعى لاعطاء صورة عن تدينها من خلال التصريحات الإعلامية وصفحات الفيسبوك.
عندما لا يستطيع زعيم توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الحيوية لمقاتليه الذين يواجهون خطر الموت كل يوم، وعندما لا يتمكن من تأمين الأسلحة والذخائر التي تسمح للمقاتلين بالقيام بدور فعال في المعارك في الوقت الذي يشاهدون ، وهم مصابون بالإحباط، الألوية الاسلامية مجهزة تجهيزاً جيداً ، فإنهم يتخلون عن زعيمهم وعن المجموعة في نهاية المطاف لينضموا لاحقاً إلى وحدات أوفر حظاً، والتي تعتبر  حتى تاريخه أكثر راديكالية، وهذا أمر ثابت لم يتغير. وإذا كان هناك من شيء فهو أن هذا مؤشر يدل على  إصرار المقاتلين على عدم التخلي عن الكفاح وليس على وجود أي ميول أصولية. أما الاستثناءات مثل كتائب الوحدة الوطنية ، الموضحة أدناه، فتقدم نموذجاً ليس فقط لأنها علمانية ومتعددة الطوائف ولكن لأنها تلقت تمويلا ثابتا من مصادر غير اسلامية وحافظت على هويتها وتماسكها على الرغم من أنها لم تجد وسيلة كي تنمو.
ما أن كانت المجموعات المدعومة بشكل جيد تكسب السيطرة العسكرية على المناطق ، حتى كان استمرار تدفق الأموال يوفر لها وسيلة للسيطرة على توزيع السلع الحيوية ، الرعاية الطبية ، إدارة المستشفيات وإنتاج النفط . أما الآثار الأكثر إثارة للقلق على المدى الطويل فهي افتتاح المحاكم الدينية وإنفاذ الشريعة الإسلامية و السيطرة على التعليم من خلال فرض المنهج الأصولي الوهابي في المدارس .
 ركزت الجماعات الإسلامية المسلحة ، بشكل خاص، على فرض الشريعة الإسلامية . ويتم التنديد بالمحامين المحترفين والقضاة ذوي الصلة بالقانون المدني السوري بصفتهم إما " علمانيين " ( الأمر الذي يصل إلى حد الإلحاد وفق مفرداتهم الخاصة) وإما أنهم وكلاء لنظام البعث . وكثيرا ما هُددت المحاكم المدنية في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون ، واضطر بعضها للإغلاق . ففي دوما ،على سبيل المثال، وهي بلدة يسيطر عليها المتمردون في ضواحي دمشق ، فشلت كل المحاولات لفتح محكمة مدنية فاعلة. ويقول الزعماء الليبراليون المحليون و عدد قليل من المحامين ممن لا زالوا في المدينة ( 5 فقط من أصل 200 محام لم يفروا خارجها ) أنه عندما يسيطر الجيش السوري الحر فقط ( وهم يعنون بذلك الجماعات المعتدلة غير الجهادية التي يدعمها المجلس العسكري الأعلى ) سوف يكون انفاد القانون المدني أمراً آمناً. أما في الشمال، فهناك وجود لبعض النجاحات القليلة كما في بلدة سلقين حيث الهيئة الشرعية التي تطبق القانون الديني قد تخلت عنه لجبهة النصرة التي تخلت بدورها عنه، لتسمح بذلك للمحامين المدنيين بتولي المسؤولية. أما في حلب ، فيسعى المحامون المحترفون غير الإسلاميين والقضاة إلى التوصل إلى تفاهم مشترك مع المجلس العسكري الأعلى و قوة الشرطة المحلية التي أنشئت حديثا لاستعادة القانون المدني تدريجيا إلى المدينة .

هل أن التيار يتحول؟
شجعت التطورات الأخيرة على حصول تغيير في الموقف في أوساط الليبراليين و كذلك لدى الجماعات المسلحة غير المسيسة المعارضة عموماً للأجندة السياسية للإسلاميين . ففي المناطق المحررة مثل الرقة، الطبقة، دوما ، ريف حلب ومحافظة إدلب ، كان هناك اتجاه متنام باطراد بالشعور بالاستياء المتزايد على مدى العام الماضي في أوساط أولئك الذين يريدون سوريا الديمقراطية الليبرالية . وباسم حماية الوحدة المقدسة في مواجهة النظام ، ظلت الجماعات المسلحة الديمقراطية الليبرالية متحفظة حول استيائها و عاجزة إلى حد كبير بسبب افتقارها إلى الوسائل الأساسية لتحدي الجماعات المتطرفة . ويعتقد كثير من قادة هذه الجماعات بأن المواجهة مع المتطرفين أمر لا مفر منه لكنهم اعتبروا بأن الوقت لم يحن بعد لفتح هذه الجبهة الثانية . هم يعتقدون بأن هذا الأمر لا يفيد سوى الأسد، وأنه ينبغي تأجيله إلى ما بعد سقوط النظام . بدلا من ذلك، لقد سعوا إلى الحوار وإلى تسوية مؤقتة مع الجماعات الإسلامية .
لقد تسببت العديد من العوامل بحصول التغيير في الموقف . أولاً ، بدأ المتطرفون من جبهة النصرة ودولة العراق و الشام الإسلامية، واختصارها " داعش" ( وكلاهما من فروع تنظيم القاعدة ) بفرض قواعد صارمة وتدابير استفزازية أدت إلى نفور قطاعات كبيرة من سكان سوريا  مما دل بالتالي على ما اعتبره كثيرون بأنه " وجههم الحقيقي (القبيح). ثانياً ، لم يتم تجميع النجاحات السابق للجهاديين وفشلوا في ترجيح كفة الميزان لصالح المقاومة المناهضة للأسد . ثالثاً، أصبحت المعارضة ، السياسية والعسكرية على حد سواء ، تعتقد بأن شعار الوحدة بدأ يعطي نتائج عكسية ، ما يعني أنه تم استخدامه من قبل قوى إسلامية وأسيادهم كغطاء للسيطرة على المعارضة السياسية والمقاومة ، وأنه قد أدى إلى إخافة جزء كبير من السوريين المترددين والواقفين على الحياد ، وبالتالي تشويه صورة الثورة تماماً . رابعاً وأخيراً ، إن المناقشات في الكونغرس الأميركي، و البرلمان البريطاني والاتحاد الأوروبي حول مخاطر تتعلق بتسليم أسلحة متطورة إلى المعارضة خوفا من إمكانية أن تنتهي هذه الأسلحة في أيدي المتطرفين قد شجع بلا شك بعض الجماعات على الخروج والتصريح  بوضوح عن المكان  الذي يريدون الانتماء إليه. لكن رسالتهم هي دائما نفسها: إذا ما أصبحت الوسائل متاحة، فسوف نكون في وضع يمكننا فيه من عكس الاتجاه على الأرض  .
تقدم المناطق المحررة تقدم أمثلة صارخة عن عدم استعداد فصائل المقاومة والسكان المدنيين توفير غطاء لتجاوزات المتطرفين. ويقدم القسم الرابع أدناه أمثلة من الميدان عن الاشتباكات التي تتضاعف بين فصائل المقاومة والتيار الجهادي المتطرف. لا يمكن مساواة هذه مع الخلافات داخل المعارضة المسلحة المنقسمة بالفعل. بل هي محاولات لتخليص المقاومة من العناصر الغريبة ممن شقوا طريقهم إلى سوريا والوقوف عقبة في طريق توحيد صفوف الجيش السوري الحر. وتسهم هذه الجهود في تحقيق هدف "إعادة سورنة" الحركة. ويفهم قادة الجيش السوري الحر (ونأمل أن يفهم رعاته الأجانب)  الآن الأضرار الناجمة عن رغبة بعض وحدات الجيش السوري الحر بالعمل مع جبهة النصرة وهم يدركون أن هذا التعاون جعل الغرب متردداً في تقديم المساعدات العسكرية وقدم للسيد الأسد فرصة لتصوير المعارضة بأسرها بأنها مدفوعة من قبل المتطرفين المدعومين من الخارج.
ـ الحلقة الاولى ـ

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

موقع الخدمات البحثية