قراءات إعلامية » تصدير الأزمات: تأثير وسائل الإعلام في توتير العلاقات المصرية ـ العربية

قبل عدة سنوات تسبب الإعلام ـ الرياضي تحديدًا ـ في تعميق وتأجيج أزمة مباراة كرة قدم بين مصر والجزائر لتصل إلى حدود أزمة سياسية بين الدولتين، الأمر الذي كان يقتضي ضرورة التفكير بجدية في قدرة الإعلام على اختلاق أزمات بين الدول، رغم أن تلك الأخيرة قد تضاءلت قدرتها على السيطرة على وسائل الإعلام ومقدمي البرامج، سواء بسبب ما تحقق من تقدم في احترام الدولة لحرية الإعلام، أو بسبب تزايد عدد القنوات الفضائية الخاصة.
أما قناة 'الجزيرة' القطرية فقد كانت عاملا أساسيًّا في توتر العلاقات المصرية ـ القطرية منذ ما قبل ثورة 25 يناير 2011، وتدعم دورها في تأزيم تلك العلاقات بشكل لافت في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013. ومما لا شك فيه، فإنه لا توجد قناة في دولة عربية يمكن الإشارة إليها على سبيل التحديد بأنها تلعب الدور ذاته الذي لعبته وتلعبه قناة 'الجزيرة' القطرية، ومع ذلك فإن بعض الدول العربية باتت تعاني من 'شطط' بعض إعلامييها أو مقدمي البرامج في بعض القنوات خاصة الفضائية. وتقدم حالة مصر نموذجًا في ذلك السياق.
فمع توتر العلاقات بين مصر وحركة 'حماس' بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، غالى بعض الإعلاميين المصريين في الهجوم على الحركة، مستخدمين في ذلك الحكم الصادر من محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة الذي قضى بحظر أنشطة الحركة داخل مصر؛ حيث طالب بعض الإعلاميين بضرورة أن يتدخل الجيش المصري في غزة لضرب الحركة، على اعتبار أنها تدعم جماعة الإخوان في مصر، وتدرب عناصر لها في القطاع، وتساعد في العمليات الإرهابية التي تقع في سيناء. ومن ثم تم تسويق الأمر على أن مصر باتت تتعامل مع 'حماس' كما لو كانت عدوًّا، وأن مصر بصدد معاقبة قطاع غزة نتيجة تصرفات 'حماس'.
وهكذا تصاعدت الأزمة بين الحركة ومصر بشكل غير مسبوق، وربما يكون ذلك من الأسباب الأساسية للموقف الذي تتخذه 'حماس' من مصر، ومبادرتها لوقف إطلاق النار في الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة.
تكلفة عالية
أدت حلقة من برنامج 'صباح أون' للإعلامية أماني الخياط على قناة 'أون تي في' إلى أزمة في العلاقات بين مصر والمغرب؛ حيث اتهمت مقدمةُ البرنامج، في منتصف يوليو 2014، دولة المغرب بأن 'اقتصادها يقوم على الدعارة'، وذلك في محاولة منها للتقليل من مكانة المغرب التي استنجد بها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة 'حماس' وطالبها بالتدخل لوقف الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وهو الأمر الذي أثار استياء المغرب على المستويين الرسمي والشعبي؛ حيث ردت زوجةُ السفير المغربي بالقاهرة على المذيعة ردًّا لاذعًا، وقدمت السفارةُ بلاغًا للنائب العام، كما نظمت الجالية المغربية في مصر وقفةً احتجاجيةً أمام مقر القناة، وخرجت مظاهرة في المغرب حُرقت خلالها صور المذيعة، ولم يُفلح اعتذار المذيعة على الهواء وبيان القناة بالاعتذار في تخفيف حدة الأزمة.
وجدير بالذكر هنا أن المغرب كانت قد أبدت استياءها أيضًا من الصورة التي تم تناولها بها في المسلسل الرمضاني 'تفاحة آدم'، فقامت برفع دعوى تطالب فيها بوقف عرض المسلسل، وهو الأمر الذي فُهم منه أن ثمة توجهًا مصريًّا للإساءة إلى المغرب.
وعلى صعيدٍ ثانٍ، كانت المذيعة رانيا بدوي في قناة 'التحرير' قد تسببت في حدوث أزمة مع السفير الإثيوبي بالقاهرة حينما هاجمته بعنف في مداخلة تليفونية معه انتهت بإغلاقها الهاتف قبل أن يُنهي السفير مداخلته، فأعرب السفير عن استيائه من ذلك الموقف بمذكرة احتجاج إلى وزارة الخارجية المصرية، اشتكى فيها من سوء تعامل المذيعة معه. ولم تجد القناة وسيلةً لتخفيف حالة الاحتقان مع السفير الإثيوبي سوى استبعاد المذيعة من القناة تمامًا، بينما تركت لوزارة الخارجية التعامل مع الآثار السلبية لهذا الموقف مع السفير الإثيوبي.
لا شك أنه يُمكن للإعلام أن يلعب دورًا إيجابيًّا في السياسة الخارجية لدولةٍ ما، بما يجعل منه واحدًا من أدوات السياسة الخارجية المهمة، ولكن تواضع أو بالأحرى انعدام معرفة الإعلاميين بالخط العام لسياسة الدولة وحدود أمنها القومي وتعاملهم بسطحية وخفة شديدة مع قضايا السياسة الخارجية يؤدي إلى مشكلات عديدة تتحمل تكلفتها الدولة. فالفتنة التي خلقها الإعلام مع الجزائر ورغم احتوائها فيما بعد ظلت تداعياتها مستمرة على العلاقة بين الشعبين، وكذلك الحال مع كلٍّ من المغرب وإثيوبيا.
والتكلفة التي تتحملها الدولة هنا ليست فقط فيما يتعلق بعلاقاتها مع الدول الأخرى، ولكن أيضًا على المستوى الداخلي، إذ أن تعامل القنوات مع الإعلاميين المتجاوزين بالاستبعاد يوتر العلاقة بين الدولة والوسط الإعلامي؛ حيث يتم إرجاع هذا الاستبعاد، في كثير من الأحيان، إلى ضغوط مارستها الدولة، وهو الأمر الذي يفرض ضرورة العمل على وضع تصور متكامل لإصلاح الإعلام المصري والعربي، وتفعيل ميثاق الشرف الإعلامي على المستويين القُطْري والقومي، والأهم من ذلك ضرورة تأهيل الإعلاميين الذي يتصدون لمخاطبة الجماهير، خاصةً فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية والأمن القومي؛ إذ يظل دور الإعلام في النهاية هو إعلام المواطنين بما يحدث، وطرح البدائل الممكنة أمامهم للتعامل مع القضايا المختلفة، بما يعني في النهاية تنويرًا للرأي العام وليس توجيهه أو استخدام الإعلام من قبل القائمين عليه والعاملين فيه لتأسيس وترسيخ حالة من النجومية والزعامة لهذا الإعلامي أو ذاك بصرف النظر عن تداعياته السلبية على الرأى العام وعلى الأمن القومي للدولة.
المصدر: المركز الأقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية