قراءات عسكرية » الجهاديون على الحدود: لماذا لا تشعر تل أبيب بالقلق من جبهة النصرة في سوريا؟

سعيد عكاشة

كتب أليكسي فيشمان في 'يديعوت أحرونوت' في 19 سبتمبر 2014 نقلا عن مصادر استخباراتية إسرائيلية 'داعش الآن تهديد ذو احتمال منخفض على إسرائيل فهم ليسوا على الحدود'.. كون إسرائيل تعتبر تنظيم ' الدولة الإسلامية' (داعش) تهديدًا مستقبليًّا ذا مستوى منخفضًا حاليًّا، لأنها ليست موجودة على حدودها يطرح سؤالا منطقيًّا، وماذا عن جبهة النصرة السورية المنبثقة عن تنظيم القاعدة، والمصنفة وفقًا للرؤية الأمريكية على أنها جماعة إرهابية والتي أصبحت تسيطر بشكل كامل على كافة المعابر الحدودية في الجولان المحتملة؟ فلماذا لا تعتبرها إسرائيل تهديدًا لها؟

.التطورات في الجبهة الشمالية لإسرائيل
في التاسع والعشرين من أغسطس الماضي نشرت صحيفة 'هآرتس' تقريرًا عن الأوضاع على جبهة الشمال قالت فيه: 'إن جزءًا كبيرًا من مقاتلي جبهة النصرة تمكنوا من الاقتراب من الحدود مع إسرائيل، مزودين بالدبابات التي حصلوا عليها من جيش الأسد من طراز T-62 وT-72، وللمرة الأولى منذ أكثر من 65 عامًا لا وجود تقريبًا للجيش السوري النظامي على طول الحدود مع إسرائيل.
فقد تبخرت الفرقةُ 61 للجيش السوري المنتشرة هناك في أعقاب الضربات القاسية التي لحقت بها في المعارك التي خاضتها مع المعارضة. وما يزال هذا الجيش يقاتل للاحتفاظ بالجيب الذي يُحيط بمعبر القنيطرة، والممر الذي يربط هذا الجيب بشمال العاصمة دمشق وشرقها. كما يحتفظ جيش الأسد بموقعٍ له في جبل الشيخ يُشرف على الجيب الدرزي المؤيد له. باستثناء ذلك، تُسيطر مجموعات مختلفة من المعارضة أبرزها جبهة النصرة على المنطقة الممتدة من جنوب القنيطرة وحتى شمالها، وصولا إلى سفوح جبل الشيخ، ويتواجد مقاتلو جبهة النصرة في قرية سورية تبعد ثلاثة كيلومترات عن إحدى المستوطنات الزراعية في الجزء الإسرائيلي من الهضبة.
ولم يُثر هذا التقرير أي رد فعل في الرأي العام الإسرائيلي ربما لانشغاله بالحرب التي كانت دائرة مع حماس، والتي انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وُصف بأنه هش وقابل للانهيار في أية لحظة، وربما أيضًا لأن الخبراء الأمنيين دأبوا على التقليل من احتمال قيام جبهة النصرة أو المجموعات المعارضة التي تقاتل الجيش السوري بتوجيه سلاحها نحو إسرائيل.
فعلى سبيل المثال قال معلق الشئون العسكرية في القناة العاشرة 'ألون بن ديفيد' عقب ظهور تقرير هآرتس المشار إليه قائلا: 'لا يمكن الحديث عن جبهة إسرائيلية في الجولان، بل مجرد حالة من عدم الاستقرار الأمني مؤقتًا'، وأضاف أن 'المسألة ليست محسومة ميدانيًّا، فهذه ليست المرة الأولى التي ينجحون فيها (المعارضة) في احتلال المعبر، والجيش الإسرائيلي يقدّر أن الأسد لن يتخلى عنه، وسيعمل على استعادته لاحقًا'.
أيضًا لم تشعر إسرائيل بالقلق بعد التطورات السريعة في موقف قوات الأمم المتحدة التي تفصل بين سوريا وإسرائيل منذ عام 1974، فقد قررت الحكومةُ الفلبينية سحب عناصرها التابعين للقوات الدولية في هضبة الجولان قبل الموعد المقرر بسبب 'تدهور' الوضع الأمني هناك، وكانت الأممُ المتحدة قد أعلنت أن المئات من عناصرها غادروا القسم السوري من الهضبة للانتقال إلى القسم الإسرائيلي على الجانب الآخر من منطقة فض الاشتباك.
وبررت الأممُ المتحدة قرارها بالتهديد الذي يشكله تقدم 'مجموعات مسلحة' سورية. وكان عناصر فلبينيون من القوات الدولية تعرضوا لهجوم شنه مقاتلو جبهة النصرة في أواخر أغسطس الماضي، لكنهم رفضوا الاستسلام وتفادوا الوقوع في الأسر. كما تم أسر 45 جنديًّا فيجيًّا من القوات الدولية قبل أن يطلق سراحهم في وقت لاحق.
على جانب آخر، تستمر علاماتُ الدهشة من التجاهل الإسرائيلي لمخاطر وجود جبهة النصرة على حدودها بعد أن انفجرت بعض العبوات الناسفة التي زرعتها الجبهة على طول الخط العازل، كما يبدو أن التأثير لا يقف عند هذا الحد، بل ربما يتجاوزه إلى تغلغل أيديولوجيا النصرة وحتى داعش في الوسط العربي في إسرائيل، خاصة بعد أن نشر موقع قناة France 24 في 8 أكتوبر 2013 حديثًا مطولا مع شاب إسرائيلي (من عرب إسرائيل، ويعيش في حيفا) أوضح فيه كيفية خروجه عبر الضفة الغربية، ثم إلى تركيا، ومنها إلى سوريا؛ حيث انضم لتنظيم جبهة النصرة، وقال في حواره مع الموقع: 'سوف أقاتل في صفوف جبهة النصرة في ريف حماة، كما أكد على أن عددًا من الجهاديين من عرب إسرائيل يقاتلون في ريف اللاذقية، وريف إدلب، وأن عددهم يتجاوز عشرة أشخاص'.

دوافع عدم القلق الإسرائيلي
لم تعد إسرائيل تخشى هجوم جيوش عربية نظامية ضدها لا نظريًّا ولا واقعيًّا، فجيوش سوريا والعراق وليبيا تم إضعافها بجانب اشتباكها مع الجماعات الإرهابية في داخل كل بلد منها، أما جبهة الحركات والتنظيمات والجهادية التي تتبنى أيديولوجيا تتمحور حول قدسية القتال ضد إسرائيل والغرب، فهي بدورها تدخل في نفق مظلم بسبب تبنيها مبدأ أن الحسم الداخلي مع الجبهات المنافسة له الأولوية على قتال إسرائيل والغرب.
أيضًا يمكن أن يكون تجاهل إسرائيل للتطورات الجارية في حدودها الشمالية، بل وربما ترحيبها بها بسبب أن عدوها الرئيسي في الجبهة الشمالية -وهو حزب الله- أصبح أكثر تورطًا في القتال ضد الجماعات الجهادية المتواجدة في سوريا، ومنها جبهة النصرة وتنظيم داعش، الأمر الذي يُفقده الرغبة والقدرة على شن أية عمليات ضد إسرائيل في المدى المنظور، فضلا عن فقدانه عناصر مقاتلة يصعب تعويضها بشكل سريع، وكل ذلك يصب في مصلحة الأمن الإسرائيلي في النهاية.
ولكن العامل الذي لا يبدو أن إسرائيل تتحسب له هو أثر ظهور داعش على مكانة جبهة النصرة في سوريا، خاصة أن كافة الجماعات الجهادية المتناحرة تجد حرجًا بالغًا في السكوت على الهجمات التي تشنها طائرات التحالف ضد 'داعش'، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير اتجاه التحالفات التي تم بناؤها في السابق.
وفي هذا السياق، يقول تسفي برئيل في هآرتس ١٩ سبتمبر 2014: 'هناك تهديد جديد ينشأ من جهة أذرع القاعدة في المغرب، وفي شبه الجزيرة العربية، لا سيما في اليمن، حيث نشرت بيانًا يدعو كل المسلمين إلى التوحد ضد الهجوم الصليبي. ويشكل هذا البيان انعطافةً في سياسة القاعدة التي رأت حتى الآن في داعش منافسًا يُعرّض مكانتها في الشرق الأوسط للخطر. وليس واضحًا ما إذا كان هذا البيان يعني تصالح داعش مع جبهة النصرة المتفرعة عن القاعدة في سوريا، أو سيؤدي على الاقل إلى وقف الحرب بين التنظيمين، ولكن هذه التطورات من شأنها أن تثير توقعات بتشكيل جبهة موحدة ستضطر قوات التحالف إلى مواجهتها'.
إن ما ذكره برئيل عن تأثير ظهور التحالف ضد داعش على القتال الدائر في سوريا قد يُرتب تداعيات متناقضة، بعضها في صالح إسرائيل وبعضها الآخر ضدها، فعلى سبيل المثال يُمكن أن يؤدي ذلك إلى التصالح بين داعش والنصرة، بل وربما حتى توحدهم في مواجهة التحالف، كما يتوقع برئيل، ولكن ذلك سيقود إلى إضعاف التنظيمين معًا في مواجهة القوة العسكرية للتحالف ضد داعش، كون الضربات ستطال كلا التنظيمين بما يُقلل من أية مشكلات أمنية بالنسبة لإسرائيل دون أن تدفع تكلفة هذا المكسب.
ولكن على جانب آخر قد يحدث العكس، أي أن تزداد مساحةُ الخلاف بين داعش والنصرة حول الجهة التي ستكون الأولى بالاهتمام، وبتوجيه السلاح إليها: هل الغرب والتحالف الدولي ضد داعش؟ أم النظام السوري الذي يُعتبر نظريًّا الهدف النهائي لتنظيمات المعارضة السورية جميعًا بما فيها النصرة؟.
من الممكن في أية لحظة أن يتحقق الاحتمال الثاني فتنشب المعارك بين داعش والنصرة، وأن يحاول أيٌّ منهما أو كلاهما إثبات جدارته كممثل أفضل للإسلام السياسي الجهادي بتوجيه سلاحه صوب إسرائيل لكسب شعبية داخل وخارج مناطق القتال في سوريا، وهو توجه أثبت جدواه على الدوام؛ حيث يؤدي كل قتال مع إسرائيل إلى تحسين شعبية التنظيمات التي تقاتلها (نموذج حزب الله في لبنان، وحماس في غزة)، وفي هذه الحالة سيكون وجود قوات لجبهة النصرة على الحدود مع إسرائيل بمثابة تهديد حقيقي، ومن المؤكد أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة على أمنها.

عواقب محتملة
ما زالت إسرائيلُ تعتمد سياسة خلق أو تقديم الدعم للخصوم والمنافسين للتنظيمات التي تواجه الأعداء المباشرين لها، رغم أن هذه السياسة تؤدي في النهاية وفي كل الحالات إلى انقلاب من كانت إسرائيل تدعمهم ضدها، وما يتردد حاليًّا عن وجود بعض علاقات تعاون بين جبهة النصرة وإسرائيل في مواجهة حزب الله الذي يقاتل إلى جوار نظام الأسد؛ من المؤكد أنه لا يضمن أمن إسرائيل حتى في الأمد المنظور.
فحركة التحالفات في الشرق الأوسط باتت أكثر تعقيدًا وأقل ثباتًا واستقرارًا من ذي قبل، وهو ما يجعل من تغاضي إسرائيل عن وجود جبهة النصرة على حدودها الشمالية أمرًا مثيرًا للتساؤلات عن التقييم الحقيقي للسياسة الإسرائيلية حيال ما يجري في سوريا، وما يمكن أن تتعرض له من اختبارات صعبة في غضون الأسابيع القليلة القادمة.
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية