قراءات عسكرية » آليات المواجهة: السيناريو الكارثي .. ماذا لو امتلكت "داعش" أسلحة دمار

لم تعد تهديدات امتلاك الفاعلين المسلحين من غير الدول لأسلحة دمار شامل من السيناريوهات المستبعد حدوثها في الإقليم، إذ أن الصراعات الأهلية المحتدمة أفرزت سياقات مواتية لتطوير الفواعل المسلحة من غير الدول لقدرات غير تقليدية في مجال أسلحة الدمار الشامل باتت تمثل تهديدًا استثنائيًّا لكافة دول الإقليم، خاصةً في ظل تداول بعض التنظيمات الإرهابية لمواد مشعة وأسلحة كيماوية وبيولوجية في إطار التجارة غير المشروعة الناشئة عن اقتصادات الصراعات الداخلية، وهو ما يرتبط بضعف آليات التصدي لتداول الأسلحة غير التقليدية عبر الحدود.

الإرهاب النووي
لا يُمكن اعتبار تداول الفواعل المسلحة من غير الدول لأسلحة الدمار الشامل أحد المستجدات الإقليمية بالنظر إلى تطوير التنظيمات الإرهابية سابقًا لقدرات غير تقليدية مماثلة؛ حيث رصدت المراكز البحثية العالمية قبيل نهاية عِقد التسعينيات من القرن الماضي تَمَكُّن التنظيمات الإرهابية من امتلاك بعض النظائر المشعة تكفي لتصنيع قنابل نووية بدائية Dirty Bomb، وهو ما لا ينفصل سواء عن دور شبكة العالم الباكستاني عبد القدير خان في تهريب بعض القدرات النووية لكلٍّ من إيران وكوريا الشمالية، أو عن تطور قدرات تنظيم 'القاعدة' في تصنيع أسلحة بيولوجية على غرار الجمرة الخبيثة وأخرى كيميائية على غرار غاز الكلور، حيث ركز تنظيم 'القاعدة' في العراق على وضع كميات كبيرة من الكلور في السيارات المفخخة بهدف زيادة عدد الضحايا.
بيد أن التحول الأهم في تهديدات انتشار أسلحة الدمار الشامل يتمثل في تراجع قدرة الدول على ضبط عمليات تداول هذه الأسلحة، واتساع نطاق الفاعلين القادرين على امتلاكها وتصنيعها، فضلا عن وجود أطراف لديها الدافعية لاستخدامها في مواجهة الخصوم على نطاق واسع. فعلى الرغم من الافتراضات المبدئية حول صعوبة امتلاك أو تطوير الفاعلين المسلحين من غير الدول لأسلحة نووية، فإن هذا السيناريو لم يعد مستبعدًا بالنظر إلى قدرة بعض الفواعل على تحقيق التهديد النووي من خلال عدة مسارات رئيسية:
1- التهريب العابر للحدود: تصاعدت التحذيرات الدولية من إمكانية حصول بعض التنظيمات على أسلحة دمار شامل عبر عمليات التهريب. ففي هذا السياق، حذر وزير الدفاع الهندي راو إنديرجيت سينج، في 31 مايو 2015، من إمكانية حصول بعض التنظيمات الإرهابية على سلاح نووي من بعض الدول مثل باكستان، وذلك على هامش مؤتمر الأمن الإقليمي في سنغافورة، واستدل على هذا السيناريو بتصريحات قيادات تنظيم 'داعش' في مجلة 'دابق' الناطقة بالإنجليزية حول سعيهم لشراء سلاح نووي قابل للاستخدام.
2- الاستيلاء على النظائر: قدمت العراق تقريرًا رسميًا للجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر 2014، حول قيام تنظيم 'داعش' بالاستيلاء على حوالي 40 كلجم من نظائر اليورانيوم عقب سيطرته على جامعة الموصل، ويُمكن للتنظيم الإفادة منها في تصنيع قنابل إشعاعية بدائية لتوظيفها في مواجهة الخصوم أو دول الجوار، والأمر ذاته ينطبق على بعض التنظيمات والفصائل المسلحة في سوريا التي تمكنت من السيطرة على بعض مواقع الأبحاث النووية في ظل التسابق فيما بينها للحصول على بعض النظائر المتوافرة في المستشفيات والجامعات مثل 'اليود المشع' والتي يمكن توظيفها في صناعة قنابل إشعاعية بدائية.
3- تطوير القدرات: أكدت صحيفة 'دير شبيجل' الألمانية، في يناير 2015، قيام نظام الرئيس السوري بشار الأسد ببناء مفاعل نووي سري تحت اسم 'زمزم' بالتعاون مع 'حزب الله' اللبناني وإيران بالقرب من مدينة القصير غرب سوريا. وفي الإطار ذاته، حذرت مجموعة العمل المكلفة بتقييم وتنفيذ المبادرة الشاملة لمكافحة الإرهاب النووي، في منتصف يونيو 2015، من انتقال القدرات النووية لأطراف الصراعات الأهلية؛ حيث تمتلك سوريا ما لا يقل عن 50 طنًّا من اليورانيوم غير المخصب -وفق بعض التقارير- قد تنتقل إلى أيٍّ من التنظيمات الإرهابية أو الميليشيات المسلحة خاصة 'حزب الله' الداعم الرئيسي لبقاء نظام الأسد.
4- استهداف المفاعلات النووية: لا يعني إخفاق التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة في تصنيع الأسلحة النووية أنها لا يمكنها تهديد أمن دول الإقليم بصورة غير تقليدية، حيث إن تلك التنظيمات، منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، تعمل على سيناريو استهداف المفاعلات النووية بسيارات مفخخة أو قذائف صاروخية بهدف نشر الإشعاع على نطاق واسع، أو إحداث انصهار في قلب المفاعل مما يؤدي لانفجاره على غرار مفاعل تشيرنوبل.

التهديدات الكيماوية والبيولوجية
تُمثل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية الخيار الأقل تكلفة والأكثر انتشارًا في استخدامه من جانب الفواعل المسلحة من غير الدول بالنظر إلى إمكانية تصنيعها بقدرات محدودة، واستخدامها في الصراعات المسلحة، ويستدل على هذا المسار بسيطرة تنظيم 'داعش' في العراق على مجمع المثنى الكيماوي الذي كان يتبع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وقيامه باستقطاب الخبراء في تصنيع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية لتدريب عناصره.
وفي منتصف مارس 2015، كشف مجلس الأمن القومي التابع لإقليم كردستان العراق عن وجود أدلة تؤكد استخدام تنظيم 'داعش' لغاز الكلور في الهجمات على قوات البشمركة منذ يناير 2015، وتَوَازَى ذلك مع تأكيد بعض المصادر قيام 'داعش' بشن هجمات كيميائية على منطقة كوباني في سوريا لإجبار الأكراد على التراجع، حيث تقدر مخزونات التنظيم من تلك الأسلحة، مثل غاز الخردل والكلور، بحوالي 2000 طن استولى عليها من مخازن ومنشآت كيماوية تخص نظام صدام حسين، فضلا عن بعض المواقع الكيماوية السورية التابعة لنظام الأسد التي تمكن من الاستيلاء عليها.
ويتم توجيه الاتهامات نفسها لنظام الأسد منذ قيامه بقصف الغوطتين الشرقية والغربية بريف دمشق بالأسلحة الكيماوية في أغسطس 2013، حيث نسبت مصادر بالمعارضة السورية لنظام الأسد قيامه بقصف مدينة إدلب بغازات سامة تسبب الاختناق في منتصف مارس 2015، كما وثقت الجمعية الطبية السورية قيام النظام بشن حوالي 31 غارة بغاز الكلور خلال الفترة منذ 16 مارس الفائت حتى مطلع يونيو 2015، وهو التقرير الذي قدم للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، مما دفع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للتصريح، في 17 يونيو 2015، بأن 'صبر المجتمع الدولي بدأ ينفد على استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية'.
وتُشير بعض التقارير الأمريكية والمراكز البحثية الإسرائيلية، على غرار معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إلى أن 'حزب الله' اللبناني متورط في عمليات قصف المناطق السورية باستخدام الأسلحة الكيماوية، وأن الحزب تمكن من نقل بعض مخزونات الأسلحة الكيماوية إلى داخل لبنان، خاصةً أن الحزب يمتلك قدرات صاروخية تمكنه من توظيف الأسلحة الكيماوية في الصراع الدائر عبر الحدود السورية- اللبنانية.
وفي السياق ذاته، تمكنت ميليشيات 'فجر ليبيا' من الاستيلاء على مخزون الأسلحة الكيماوية الخاص بنظام الرئيس السابق معمر القذافي، كما قامت، في فبراير 2015، بنقل كميات من غاز الخردل وغاز خردل الكبريت إلى مصراتة لتوظيفها في الصراع الأهلى مستقبلا، وهو ما تكرر في قاعدة 'تمنهنت' العسكرية ومنطقتي 'سوكنة' و'هون' قرب 'ودان'.
كذلك، أظهر فيديو قيام تنظيم 'داعش' في ليبيا بتجريب أسلحة كيماوية في بلدة 'مزدة' استولى عليها من منطقة 'مشروع اللوز' مما يعكس مدى خطورة الأوضاع في ليبيا. والأمر ذاته ينطبق على اليمن في ظل تأكيد بعض المصادر استيلاء الحوثيين على بعض الأسلحة الكيماوية من معسكرات ومخازن الجيش اليمني بدعم من الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. ولا تقل تهديدات الأسلحة البيولوجية خطورة عن نظيرتها الكيماوية، حيث ضبطت السلطات التركية، في أغسطس 2014، أحد العائدين من ساحات القتال في سوريا ولديه كمبيوتر به أكثر من 35 ألف ملف باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية حول كيفية تصنيع الأسلحة البيولوجية، واستخدام الطاعون كسلاح ضد الخصوم في العمليات العسكرية، فضلا عن مجلدات تضم فتاوى حول مشروعية استخدام الأسلحة البيولوجية لدعم تنظيم 'داعش'.
بينما كشف رئيس قسم الأسلحة البيولوجية في حلف شمال الأطلسي دي بريتون جوردون، في ديسمبر 2014، عن قيام تنظيم 'داعش' بتوظيف أسلحة بيولوجية بدائية في مواجهة أعدائه بهدف بث الرعب في صفوفهم، على غرار قيام التنظيم بنشر مئات العقارب السامة على مواقع عسكرية قبل أن يقوم بهجماته فيما وصفه جوردون بأنه 'أقدم سلاح بيولوجي في التاريخ'.
كما حذّرت صحيفة 'ديلي ميل' البريطانية، في أكتوبر 2014، من احتمالية استخدام تنظيم 'داعش' لوباء 'الإيبولا' كسلاح بيولوجي ضد الدول الغربية، وهو ما اعتبره أنتوني جيلز مدير مركز باكنجهام لدراسات الأمن والاستخبارات سيناريو غير مستبعد من الناحية النظرية. وفي السياق ذاته، كشف بعض النشطاء الحقوقيين في مدينة الرقة، في أبريل 2015، عن وجود وباء جلدي منتشر نتيجة قيام تنظيم 'داعش' بإنشاء معمل للتجارب على الأسلحة البيولوجية بهدف وضع رؤوس بيولوجية ضمن القذائف الصاروخية لإحداث تدمير واسع النطاق.

آليات المواجهة
تصاعدت وتيرة الجهود الدولية والإقليمية للتصدي لاتجاهات الفاعلين المسلحين من غير الدول لامتلاك أسلحة دمار شامل؛ حيث تضمنت هذه الجهود اللجوء لإجراءات تنسيقية عاجلة لمنع انتقال هذه الأسلحة عبر الحدود وتهديد دول الجوار لبؤر الصراعات الإقليمية؛ حيث شهدت مدينة هلسنكي، في 17 يونيو 2015، عقد مؤتمر 'المبادرة الشاملة لمكافحة الإرهاب النووي' بمشاركة 200 ممثل عن 85 دولة أعلنت التزامها بمنع انتقال المواد والقدرات النووية للتنظيمات الإرهابية، والتصدي للاتجار غير المشروع للمواد النووية.
كما اتجهت الولايات المتحدة إلى تبني قانون يسمح لها بالمصادقة على اتفاقية مكافحة الإرهاب النووي الموقعة في عام 2005، والتي تستهدف تجريم أعمال الإرهاب النووي، ومعاقبة عمليات نقل وتجارة المواد النووية غير المشروعة العابرة للحدود، وهي المعاهدة التي وقعتها أكثر من 100 دولة بهدف التصدي لمخاطر الإرهاب النووي غير التقليدية. وفي السياق ذاته، أصدر مجلسُ الأمن الدولي القرار رقم 2209 في 6 مارس 2015 وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لحظر استخدام الأسلحة الكيماوية في الصراع الأهلي الدائر في سوريا من كافة الأطراف، والتصدي لعمليات الإنتاج والحيازة والاتجار ونقل الأسلحة الكيماوية في سوريا، وخاصة غاز الكلور، والتهديد بفرض عقوبات دولية في حالة عدم الامتثال لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن في هذا الصدد، ولا ينفصل ذلك عن سعي الولايات المتحدة لتصفية المخزون الكيماوي لدى نظام الأسد في سوريا بسبب قيامه باستخدامه ضد المدنيين.
وإجمالا، تتوقف فاعلية إجراءات التصدي لانتشار أسلحة الدمار الشامل على قدرة المنظمات الدولية والإقليمية على التدخل لضبط وتسوية الصراعات الأهلية المسلحة، ومواجهة عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود، وتدمير مخزون الأسلحة الكيماوية والبيولوجية لدى الدول 'الهشة' التي تعرضت لتصدع مؤسساتها الأمنية تحت إشراف مراقبين من الأمم المتحدة، فضلا عن مواجهة الدول المسئولة عن نقل التكنولوجيا والقدرات غير التقليدية للفواعل المسلحة من غير الدول، والتي تسمح بعبور تجارة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية عبر حدودها لبؤر الصراعات المسلحة، والقضاء على السوق السوداء الدولية لأسلحة الدمار الشامل.
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية