قراءات إعلامية » رغم دعمه بالمليارات.. لماذا فشل الإعلام السعودي في صد الحملة ضد المملكة دوليًا؟

من المؤسف الاعتراف بأن الحملة الإعلامية التي تشنها وسائل إعلام غربية وإيرانية على المملكة العربية السعودية قد أتت أكلها ونجحت بدرجات متفاوتة في تحقيق أهدافها، مقابل عجز الإعلام السعودي المحلي والدولي في صد هذه الهجمة وخلق دعاية مضادة.

صحف كبيرة ومجلات عريقة عرفت بخطها التحريري المعادي لهوية المملكة وتوجهها العقائدي "الوهابي" والفقهي "الحنبلي" على غرار "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" في الولايات المتحدة، و"الغارديان" و"التلغراف" و"الديلي ميل" في بريطانيا وغيرهم كثير، صوبت سهامها خلال السنوات الأخيرة بدرجات متفاوتة تجاه الشعب السعودي، محاولة قدر الإمكان العمل على تغيير نمط حياة اختاره الشعب منذ نحو 3 قرون.

لسنا هنا بصدد مناقشة التقارير الإعلامية الأجنبية التي سلطت الضوء على تجاوزات العائلة المالكة وحاشيتها في السعودية، لأن أغلب ما ذهبت إليه هذه التقارير كان صائبًا ومستندًا على أرقام ووثائق وتسريبات موثوقة من جهات مقربة ومطلعة على ما يحدث داخل القصور الفخمة وخارجها، بل نحن بصدد الحديث عن حملة التشويه الكبيرة التي يتعرض لها الشعب السعودي.

بالكاد يمر يوم في الصحافة الغربية بمختلف توجهاتها اليمينية واليسارية، لا يتم فيه ذكر السعودية أو الإشارة إليها، لكن يبقى خروج صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية المعروفة بتحكم اللوبي الصهيوني في خطها التحريري العام، في أواخر شهر أكتوبر الماضي، بتغريدة باللغة العربية على حسابها الرسمي بموقع التدوينات القصيرة "تويتر" تسأل السعوديات عن حالهن، أخطر ما قام به الإعلام الغربي إلى الآن نظرًا للفئة المستهدفة ورمزيتها في مجتمع محافظ.

لم يسبق لـ"نيويورك تايمز" أن غردت باللغة العربية في حساباتها الرسمية،

الصحيفة الأمريكية قالت في تغريدتها الهادفة إلى استطلاع رأي المرأة السعودية عن جملة من القضايا حسب زعمها: "نود أن نتواصل مع النساء السعوديات، أخبرونا عن حياتكن وطموحاتكن وآرائكن في المجتمع السعودي"، وهي المرة الأولى التي تخرج فيها عن عاداتها وتقاليدها أسلوبًا ومضمونًا، حيث لم يسبق لـ"نيويورك تايمز" أن غردت باللغة العربية في حساباتها الرسمية، كما أن الصحيفة العريقة التي عرفت بتحريها الدقة في اختيار العينات ومدى مطابقتها للشروط الموضوعة، زعمت تلقيها آلاف الإجابات من نسوة سعوديات تواصلوا معها، وهو ما طرح أكثر من نقطة استفهام.

أسئلة الاستطلاع الموجه كانت كالتالي "ما المفهوم الشائع الأكثر خطأ حول المرأة السعودية بين الناس خارج المملكة؟ هل تغير المجتمع السعودي بالنسبة إليكِ في السنوات القليلة الماضية؟ مثلاً، هل يوجد الآن شيء مسموح به للنساء كان محظورًا من قبل؟ كيف يؤثر نظام ولي الأمر على حياتك؟ اذكري لنا تجربة شخصية مررت بها؟"، ولعل الهدف الأبرز من هذه الأسئلة هو الحصول على إجابات شافية لأسئلة عديدة تراود الإعلام الغربي عن أوضاع المرأة السعودية.

الدعوة التي وجهتها الصحيفة تزامنت مع إطلاق فيلمها الوثائقي "النساء أولا"، والذي أعده الصحافيان منى النجار وآدم بولت داخل السعودية، حيث يتناول الوثائقي الذي تم تصويره في الرياض في ديسمبر 2015، حياة عدد من السعوديات وطرق تعايشهن مع العادات الاجتماعية، خاصة وأن المرأة السعودية شاركت وقتها للمرة الأولى في الترشح للانتخابات البلدية.

"نيويورك تايمز" لم تكتف بذلك، فبعد أن هزت الرأي العام السعودي وعجز الإعلام المحلي والدولي على غرار صحيفتي "الحياة" و"الشرق الأوسط" في صد هذا الهجوم غير المسبوق والتعدي الصارخ على خصوصيات الشعب، أصدرت تقريرها باللغتين الإنجليزية والعربية بعد 5 أيام فقط من التغريدة، زاعمة أن "ما يقرب من 6000 امرأة استجابت لطلبها للحديث عن حياتهن في مجتمع ذكوري يجل الخصوصية، وأعربن عن مخاوفهن وإحباطاتهن وطموحاتهن...".

عند محاولة البحث الكمي والكيفي عن كيفية تعاطي الإعلام السعودي مع ما قامت به الصحيفة الأمريكية واسعة الانتشار، سنجد عددًا كبيرًا من مقالات الرأي والتقارير والتغريدات لعدد من الإعلاميين السعوديين، لكن في المقابل سنجد محتوى محتشمًا وحججًا واهية من ناحية المضمون، وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن جدوى الأموال التي تصرفها الدولة لتكوين إعلاميين موالين وتمويل صحف عاجزة عن صد الحملات المغرضة ضد الشعب السعودي.

فبعد نشر "نيويورك تايمز" لتغريدتها بساعات، حاولت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية الدفاع عن مقصد الصحيفة الأمريكية، ففي سياق تقرير منشور على موقعها الإلكتروني في 24 من أكتوبر الماضي، يتحدث عن أسباب التغريدة قالت الصحيفة السعودية نقلاً عن مراقبين يتحدثون عن فيلم "النساء أولا" وعلاقته بالتغريدة: "الوثائقي لا يعد سلبيًا، لأنه أتاح الفرصة للنساء للحديث عن حقوقهن ومشاركتهن في الحياة الانتخابية، وأظهر تنوعًا يستعصي على المراقب الغربي فهمه، لكن التغريدة جاءت عكس ما أظهره التقرير"، وكأنها بذلك تبرر وتروج للفيلم الوثائقي الذي أعدته الصحفية المصرية الأصل منى النجار.

بدورها، نشرت صحيفة عكاظ في 8 من نوفمبر الماضي، مقالاً للخبير الأمني الإلكتروني عبد الرزاق بن عبد العزيز المرجان بعنوان "استبيانها موجه يفتقد للدقة والمهنية.. «نيويورك تايمز» تخوض حرباً ناعمة ضد السعوديين"، زعم فيه الكاتب أن "أمريكا تلعب على ورقة الحرب الناعمة لكسب تعاطف المجتمعات عن طريق تقديم صيانة حقوق المرأة، ليس اهتماماً بشأن المرأة السعودية ولكن كجزء من سياستها في المنطقة"، ورغم أن المقال حاول تحليل أهداف أسئلة الاستبيان فإنه لم يتجاوز حدود المتعارف عليه والذي لا يخفى عن بال أبسط السعوديين.

صحيفة "مكة" هي الأخرى أرجعت الموضوع إلى صراع "كفر وإيمان"، حيث نقلت عن الخبير والمستشار الإعلامي الرئيس السابق لقسم الإعلام الخارجي بفرع وزارة الثقافة بالمنطقة الشرقية الدكتور جاسم ياقوت قوله: "حملة الصحيفة توصف بأنها إعلام موجه ومأجور، تقف خلف هذه الحملة جهات معادية للإسلام والمسلمين، الذي تمثل السعودية موقع ثقل فيه، ما جعلهم يستهدفونها الآن وسابقًا، بحملات لزعزعة استقرار المجتمع وتأليب بعض فئاته كالنساء خاصة، أو الشباب عمومًا".

أما الكاتبة والإعلامية السعودية فضيلة الجفال، فقد حاولت الرد على ما كتبته الصحيفة الأمريكية، لكنها لم توفق ولا نظن أنها تمكنت من ذلك، حيث أرجعت في مقالها المنشور بصحيفة الاقتصادية في 28 من أكتوبر الماضي، أسباب هذه الحملة وغيرها من الحملات الإعلامية على السعودية إلى قوة نفوذ اللوبي الإيراني داخل الولايات المتحدة، إضافة إلى عقيدة أوباما تجاه المملكة، مشيرة في آخر مقالها إلى ضرورة معالجة ملف حقوق المرأة لكي ترضى الصحافة العالمية على السعودية.

إعادة السؤال عن الجدوى من صرف الدولة لمليارات الدولارات على وسائل إعلام دولية ومحلية وشركات علاقات عامة، فشلت في تحسين صورة السعودية خارجيا

بعد كل هذا، يمكننا القول إن فشل الإعلام السعودي في صد الحملة الإعلامية غير البريئة التي تقودها وسائل إعلام أجنبية يتحكم اللوبي الصهيوني المعادي للهوية الإسلامية في خطها التحريري العام، الذي قابله وعي مجتمعي وغضب شعبي داخل المملكة مرده رفض التدخل في خصوصيات بلدهم ونمط عيشهم، بغض النظر عن موقفهم من بعض المشاكل الداخلية، لكن يدفعنا إلى إعادة السؤال عن الجدوى من صرف الدولة لمليارات الدولارات على وسائل إعلام دولية ومحلية وشركات علاقات عامة، فشلت في تحسين صورة السعودية خارجيا وساهمت ربما عن غير قصد في تشكيل رأي عام دولي رافض لها ولسياساتها؟

شمس الدين النقاز

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية