قراءات عسكرية » غرف الصهاينة السرية: مركز ابحاث تحلية المياه في سلطنة عمان نموذجا

إيهاب  شوقي
ربما كانت سلطنة عمان بما تتميز به من دماثة للخلق الدبلوماسي وحرص على الانفتاح على جميع الفرقاء، من الدول الخليجية القليلة التي نالتها سهام النقد والتعرض لغضب المقاومين والمتمسكين بالثوابت، رغم مضيها في إقامة العلاقات سرا وعلنا مع العدو الصهيوني، واحتضانها لمشروع خطير يعد بمثابة نواة لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد وقناة خلفية للتنسيق الصهيوني الخليجي.
وهنا ، نحن بصدد رصد هذه الحالة، بعيدا عن التحريض على سلطنة عمان أو الدعوة للغضب عليها من عدمه، حيث نرصد حالة من الاختراق مخفية بسبب سلوك السلطنة الهادئ وغير المستفز والحريص على التودد لجميع الأطراف، ولكن الواجب كشفه والتنبيه إلى خطورته ودعوة السلطنة نفسها للتخلص منه والعودة للتمسك بالثوابت العربية والاستثمار في القضايا الوطنية واستثمار السمعة الطيبة العامة التي تتمتع بها بعيدا عن السمعة العامة السيئة لدول الخليج ومواقفها المفرطة.
مؤخرا، قالت السلطات الإسرائيلية إن سلطنة عمان سمحت لشركات الطيران الإسرائيلية بعبور مجالها الجوي، ورحب وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بما وصفه بالقرار التاريخي الذي سيختصر وقت الرحلة إلى آسيا ويقلل التكاليف للمواطنين الإسرائيليين ويساعد شركات الطيران الإسرائيلية على أن تكون أكثر قدرة على المنافسة.
ربما لم تكن هذه الخطوة مفاجئة بلحاظ الخطوات العمانية السابقة والتي يمكن تلخيص أبرزها كما يلي:
أولا- في العام 2018، كتبت المستشرقة الإسرائيلية "سمدار بيري"، أنه "في كل إمارات الخليج يحوم عملاء إسرائيليون، إلى جانب رجال تكنولوجيا ورجال أعمال. أنت تتحدث مع عُماني أو بحريني أو قطري فينكشف أمامك عالم جديد، بلا ضغط وبلا توتر. لن يعقدوا اتفاقات سلام مع "إسرائيل"، ولكنهم يرون الإسرائيليين الآن بعيون مختلفة".
وفي نفس العام 2018، كانت سلطنة عمان قد استقبلت رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في على الرغم من عدم اعترافها بالدولة الصهيونية.
ويعد زيارة نتنياهو للسلطنة بشهر واحد، زار وزير المواصلات والاستخبارات الصهيوني، يسرائيل كاتس، السلطنة  للمشاركة في مؤتمر دولي حول المواصلات، ولتقديم مشروعهد "سكك السلام" التي من المفترض أن تربط "إسرائيل" بالخليج عن طريق الأردن.
وعلق "جايسون غرينبلات"، المبعوث الأمريكي للسلام، على هذه الزيارة، قائلا: "وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في زيارة إلى سلطنة عمان لحضور لقاء دولي. وسوف يقدم خطة لبناء خط سكة حديد بين إسرائيل والأردن والسعودية والخليج. دعونا نواصل الحوار، وهذه الجهود تدعم جهودنا".
ثانيا- وهذا الأمر يعيدنا سنوات إلى الوراء، وتحديدا الى العام 2009، عندما صرح مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى بأن مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية وقتها،يوسي جال، قام بزيارة لسلطنة عمان وعقد "لقاءات رسمية سرية" في العاصمة مسقط.
ثاثا- مع كل عودة للوراء، تكشف التقارير والوثائق تاريخا أقدم للقاءات، حيث جرت اتصالات غير رسمية بين السلطنة والعدو الإسرائيلي في أروقة الأمم المتحدة في تسعينيات القرن الماضي، وفي نوفمبر 1994، عقد يوسي بيلين، الذي كان نائباً لوزير الخارجية، آنذاك، اجتماعاً سرياً مع موظف عُماني رفيع المستوى للبحث في العلاقات بين الدولتين، وهو ما دفع سلطنة عُمان إلى اتخاذ قرار استضافة الاجتماعات السرية لمجموعة العمل التي عالجت موضوع المياه ضمن المحادثات المتعددة الأطراف في عملية أوسلو، في العاصمة مسقط، في أبريل 1994.
وهنا يمكن الولوج إلى المشروع الأخطر، وهو المشروع الأكثر أهمية بين "إسرائيل" وعُمان، وهو إنشاء مركز لأبحاث الشرق الأوسط لتحلية المياه (Middle East Research Center MEDRC)  الذي دُشن في العام 1997.
وهذا المشروع المشؤوم هو نتيجة محادثات ضمن مجموعة العمل المتعددة الأطراف التي عالجت المياه والبيئة، وموّلتها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وسلطنة عمان و"إسرائيل".
وتحت غطاء هذا المشروع التكنولوجي، كان في إمكان عُمان و"إسرائيل" إقامة صلات سرية سياسية، لم تكن تحظى بالشرعية في الإعلام وفي الشارع العربي، وكان ممكنا لممثلين عن "إسرائيل " الاجتماع إلى ممثلي دول خليجية ليست لديها علاقات دبلوماسية بالعدو.
واستمر مركز تحلية المياه في العمل في فترة الانتفاضة، حتى مع توقف الاتصالات العمانية الصهيونية علنا وإغلاق الممثلية التجارية لإسرائيل في عمان.
وكشفت وثائق ويكيليكس على وجود صلات بين "إسرائيل" وعُمان ودول خليجية أُخرى في تلك الفترة، تمحورت حول التعاون الممكن لمواجهة التهديد النووي الإيراني.
ةلرصد الأبعاد الأعمق للمشروع، فإن المركز البحثي نشأ في إطار مفاوضات بين "إسرائيل" والدول
العربية بعد مؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو ومن بين أعضائه السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة واليابان والأردن وهولندا وكوريا الجنوبية وقطر.
وبعث جميع الأعضاء بعلماء إلى المؤسسة للمشاركة في الاجتماعات، وكانت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد طالبت عمان باتخاذ خطوات باتجاه التطبيع مع "إسرائيل" كحافز لاستئناف العملية السلمية الفلسطينية الإسرائيلية.
ولم يكن اختيار عمان اعتباطا، فهي حليف استراتيجي للولايات المتحدة لنحو قرنين، وكانت الدولة العربية الثانية بعد المغرب، التي أقامت علاقات دبلوماسية مع واشنطن في عام 1841. وهي فقط مع البحرين  دونا عن دول مجلس التعاون الخليجي التي تتمتع باتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة.
وبناء على هذه العلاقات التاريخية، تمكنت السلطنة من استضافة مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه ، والذي أشادت به وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووصفته بأنه “نموذج لصنع السلام في الشرق الأوسط”.
هذا قد يفسر أنه بعد معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية في عام 1979، كانت عُمان العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي التي انخرطت مع "إسرائيل" في عدد من المبادرات الدبلوماسية غير الرسمية.
وكانت سلطنة عُمان واحدة من ثلاث دول عربية فقط لم تقاطع مصر بعد معاهدة السلام مع العدو، فيما دعمت بفاعلية محادثات السلام الأردنية الإسرائيلية في السنوات اللاحقة.
هي مجرد إضاءة على سلوك يتخفى وراء الدماثة الدبلوماسية ومن الواجب مواجهته، ولكن هناك جانب آخر من الصورة، وهو لجوء العدو للتخفي وراء المشروعات التكنولوجية رغم كل هذا التفريط الرسمي، وهو ما يعني ان الحالة الشعبية الرافضة للتطبيع، وأن صمود المقاومة قد شق معسكر الانظمة المفرطة إلى شقين، شق يتخفى ويخجل، وشق فاجر ومكشوف ولا يخجل من الخيانة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية