قراءة في كتاب » الطائفية في العراق: صناعة الدولة والأمة منذ العام 1920


iraq192012015_300
يوسف خازم

يأخذنا كتاب &laqascii117o;الطائفية في العراق: صناعة الدولة والأمة منذ العام 1920" إلى جذور المشكلة الطائفية في هذا البلد، متبعاً منهجاً بحثياً علمياً يعرض وقائع ونظريات ومقارنات في هذه القضية الشائكة في ستة فصول، يلخص آخرها البناء الاجتماعي للطائفية البدئية في العراق، ويعرض سبل إعادة النظر في الدولة الحديثة، والطريق إلى مستقبل هذا البلد. والكتاب صدر حديثاً بالانكليزية عن دار &laqascii117o;راوتليدج" في لندن ونيويورك.
ومؤلف الكتاب، خليل فضل عثمان، عمل في الصحافة قبل أن يتوجه إلى العمل الاكاديمي، وزار العراق في مهمات صحافية، ما أغنى الكتاب بالخبرة الميدانية الاستقصائية والعمل الاكاديمي العلمي.
ويقول الدكتور عثمان في مقدمة كتابه: &laqascii117o;إذا ما كان سقوط صدام قد جلب أي شيء للعراق، فإنه وضع البلاد وجها لوجه قبالة مفارقة قاسية. وهي مفارقة قاسية من حيث عنفها الذي دفع بالبلاد للوقوع في دوامة من سفك الدماء على أساس طائفي وعرقي بقدر ما هي قاسية من حيث سخرية الأقدار التي تشوب واقع أن الجهود الرامية إلى ابتكار نظام سياسي في عراق ما بعد صدام قد فتحت صندوق باندورا مليئا بالطائفية، والكراهية المتبادلة بين الجماعات الأهلية، والصراعات السياسية العصية على الحل.
&laqascii117o;ولأنها تأتي في أعقاب نحو تسعة عقود من إرساء أسس نظام دولة حديثة في العراق، فإن الفوضى العارمة الراهنة التي تعصف بهذا البلد تسلط الضوء على فشل عملية بناء الأمة وتشكيل الدولة في بلورة هوية وطنية مشتركة. وفي الواقع، لقد أججت المفاهيم المتناقضة والمتباعدة للاجتماع السياسي، والهوية الجمعية، والمصلحة الوطنية، والذاكرة التاريخية، والأطر الملائمة لمستقبل البلاد، كل ذلك أجج الشقاق الأهلي في العراق. وبرغم من وجود تراث شعبي كبير يذم الطائفية بازدراء مكشوف ويشيد بالتعددية الأهلية والتناغم بين الجماعات الأهلية، فالظاهر أن سلما اجتماعيا دائما قد امتنع على العراق. ففي الأوقات العسيرة التي واجهت الوطن والأزمات السياسية الصعبة التي استبدت بالبلاد في أعقاب إطاحة صدام، عادت الروابــط البدئية والشكوك القديمة المتبادلة بين الجماعات الأهلية لتطفو على السطح بحدة وترنحت البلاد على حافة الحرب الأهلية الشاملة والتفكك".
الطائفية وعملية إنتاج الدولة
يبحث هذا الكتاب في العلاقة بين الطائفية وتشكيل الدولة والأمة في العراق. والهاجس الرئيس هو استقصاء التفاعل بين الطائفية والعملية المتواصلة وغير المنتهية لإنتاج الدولة - الأمة العراقية الحديثة.
ويرى المؤلف أنه لم تظهر في العراق دولة ـ أمة تحقق التجانس والوحدة، برغم من توفر طغيان دولة حديثة متعلمنة. ولذا، فإن دوام الطائفية والانتماءات الطائفية البدئية في المشهد الاجتماعي ـ السياسي العراقي، إلى جانب ما يصاحب ذلك من آثار تشويهية على الحياة السياسية، يعتبر ظاهرة سوسيولوجية ـ تاريخية وسياسية محيرة.
إن الزعم الأساسي لهذا الكتاب، بحسب مؤلفه، هو أن الطائفية كانت سمة ثابتة في مسار تشكيل الدولة في العراق بسبب الفشل في حل التوترات المتأصلة بين الهويات البدئية الطائفية والعرقية والقبلية المستوحاة من خارج الدولة من جهة، ومفاهيم الأمة الموحدة والمواطنة المتحدة المتأصلة في بناء الدولة - الأمة من جهة أخرى. فأسس نظام الدولة الحديث في العراق أرسيت في فراغ مؤسساتي عندما جرت لملمة شعث البلاد من حطام الإمبراطورية العثمانية. وفي حين أن حالات العداء بين الطوائف وسمت بميسمها تفاعل الجماعات الأهلية الطائفية المختلفة التي كانت تعيش في تلك المناطق ببعضها البعض، فإن قولبة السياسة والحياة السياسية على أساس الولاء الطائفي كان &laqascii117o;أثرا غير مقصود" للمشروع الاندماجي للدولة الحديثة. وبالتالي، فإن تحليل الكيفية التي ضاعفت فيها الطائفية، وتستمر في مضاعفة تعقيدات ظهور دولة عقلانية في العراق تشكل في المحصلة النهائية أداة كاشفة تلقي الضوء على عملية تشكيل الدولة في هذا البلد.
أربعة أسئلة بحثية
وبالمقارنة مع الكم الهائل من المواد التي تعنى بالطائفية السياسية، أو &laqascii117o;الطوائفية"، في لبنان، يقول الدكتور عثمان إن نزراً يسيرا جدا من الأبحاث التحليلية في حقول علم السياسة، والعلوم الاجتماعية والتاريخ تناولت مسألة وآليات عمل الطائفية في العراق. ويبدو أن أربعة أسئلة بحثية وثيقة الصلة جدا بهذا الموضوع في هذا السياق:
- ما هي الظروف التي ساهمت في دفع الطائفية إلى هذا الموقع البارز في عملية تشكيل الدولة في العراق؟
ـ ما هي العوامل التي تساهم في تفسير ديمومة الطائفية في العراق برغم من وجود انتلجنسيا علمانية قوية وشعب على قدر عال من التعليم؟
ـ كيف صاغت الطائفية تخوم الحياة السياسية وأثرت في العلاقات بين الدولة والمجتمع في العراق؟
ـ إلى أي مدى سهّلت الطائفية أو أعاقت ارتقاء مؤسسات الدولة الحديثة في العراق؟
وعبر السعي إلى الإجابة عن أسئلة حول كيف ولماذا في شأن ظاهرة الطائفية في سياق العراق، فإن هذا الكتاب يحتل موقعا في إطار أنساق الاستقصاء الكيفي. ولكن، على مستوى معرفي أضيق، فإن من الواضح أن استقصاء دور الطائفية في صوغ مسار تشكيل الدولة ـ الأمة في العراق يستقر في ثنايا مشروع توسيع مدى وإطار تطبيق الأنساق التحليلية في مجال العلوم الاجتماعية على بناء الأمة، وتشكيل الدولة، والبدئية. وعبر الإسهام في الجهود الرامية إلى إظهار أوجه الشــبه والتفاوت عبر ســــياقات وطنية مختلفة، فإن هذا الكتاب يسعى إلى الاستناد إلى والإســــهام في رفد الرؤى الغزيرة التي تحاول النفاذ إلى كــــنه أنساق بناء الأمـة وتشكيل الدولة في العالم النامي عامة.
(*) خليل فضل عثمان، &laqascii117o;الطائفية في العراق: صناعة الدولة والأمة منذ العام 1920"، راوتليدج / لندن ونيويورك ـ 2015.
المصدر: صحيفة السفير

موقع الخدمات البحثية