قراءات إعلامية » العوامل غير السماوية لنشوء الديانة والطغمة المالية اليهودية

جورج حداد(*)

ان التاريخ الانساني المحفوظ (ثم المكتوب)، ما بعد نظام المشاعية (الشيوعية) البدائية، "الامومية" (المطريركية)، وتحولها، في المجتمع العبودي الطبقي، الى المرحلة "الابوية" (البطريركية) التي لا زلنا فيها، هو تاريخ الصراع البشري من اجل البقاء، ومن اجل تطوير وتحسين ظروف معيشة الانسان، الذي تميز عن العالم الحيواني بخاصتيْ (العمل والتفكير). ويظهر هذا الصراع في مسارين:

الاول ــ صراع التكيّف مع الطبيعة، والفهم المتدرج لظواهرها ونواميسها،  وتكييف ظروفها لخدمة حياة الانسان، في مختلف مراحل تطور النظام الاجتماعي، القائم على مستوى "الوعي" (بما فيه العلم) و"الخُلق" (بما فيه التزاحم البشري والتراحم الانساني). وهنا تدخل التجربة العملية والتقدم الوسائلي (الادواتي) والتقني والعلمي، من استخدام الحجر الى غزو الفضاء الكوني.

والثاني ــ هو الصراع "الطبقي" داخل كل متّحد بشري، ومختلف اشكال الصراع الاخرى ("القومية" او "الاتنية" او "الدينية" او "العنصرية")، فيما بين مختلف المتحدات البشرية: عنفيا وعسكريا (الحروب والثورات والنزاعات والمذابح)، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فكريا وفلسفيا وايديولوجيا ودينيا، ثقافيا واعلاميا واخلاقيا وتربويا الخ.

واذا كان المسار الاول يدخل تحت عنوان "صراع الانسان مع الطبيعة" التي هو جزء تفاعلي منها، فإن المسار الثاني يدخل تحت عنوان "الصراع الاجتماعي" بين وفي داخل المتحدات البشرية ذاتها.

والعامل الاساسي والرئيسي، لجميع اشكال الصراعات المجتمعية، يبقى العامل الاقتصادي، الذي يحرك ويسيّر، مباشرة او ضمنا، جميع الصراعات والنشاطات الانسانية، الايجابية والسلبية، البناءة والهدامة، التقدمية والرجعية، الوطنية والخيانية، الاخلاقية واللااخلاقية، الخ.   

والحرب الروسية الحالية في اوكرانيا، والحرب الشعبية الفلسطينية في غزة، اللتان يقف فيهما الشعب الروسي والشعب الفلسطيني وشعوب الامة العربية والشعب الايراني وجميع الجماهير الشعبية الحرة في العالم، ضد الامبريالية الغربية واليهودية العالمية، لا تخرجان عن هذا الناموس او القانون الاساسي للحياة البشرية.

وقد بدأ "الصراع المجتمعي" في الظهور مع  أفول مرحلة "النظام" المشاعي (الشيوعي) البدائي، ومع تقدم صنع وسائل (ادوات) الانتاج، وزيادة انتاجية العمل لما يفوق الحاجات المحدودة للمنتجين المباشرين انفسهم، وظهور امكانية الانتاج ضمن اطار العائلة الصغرى (بالمعنى التناسلي ــ الدموي). فهذه الامكانية الانتاجية "المستقلة" للعائلة الصغرى اضطلعت بدور حاسم في تفكك وتفكيك المشاعية الكبرى القديمة (القبائلية الخ)، وظهور الملكية الخاصة لوسائل (ادوات) الانتاج، وتقسيم العمل والانتاج، وتقسيم الاراضي المخصصة للسكن والزراعة والرعي وتربية الماشية، بين مختلف العائلات "الصغرى"ـ ضمن مختلف المتحدات الاكبر (القبائلية والمحلية والاقليمية و"الوطنية" و"الدينية"). ومع الزمن تكرس هذا التقسيم بظهور الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ولمختلف المنتجات الخاصة لكل عائلة "صغرى".

وبحكم الضرورة ظهرت الحاجة الى تبادل المنتوجات المختلفة بين مختلف العائلات المنتجة. وقامت اولى اشكال التبادل على قاعدة المقايضة (منتوج مقابل منتوج يعادله، تبعا لمقتضيات "الحاجة" و"العرض والطلب").  وبالتالي تم تسليع المنتوجات (اي تحويل كل منتوج الى سلعة). وعلى هذا الاساس ظهرت النقود لاجل تسهيل التبادل. واستخدمت منتجات مختلفة كنقود، وكان آخرها استخدام النقود المصنوعة من المعادن الثمينة غير القابلة للفناء السريع والقابلة للتقسيم الى اجزاء صغيرة، والتكديس في كميات كبيرة).

وبظهور النقود (الذهبية) حدثت ظاهرتان من قلب النظام الاقتصادي ــ الاجتماعي "التبادلي" الجديد:

الاولى ــ ظهرت امكانية تسليع (تحويل الى سلعة) الكائن البشري ذاته، اي المنتج. فولد النظام العبودي ــ العنصري، الذي قسم البشر: كافراد اولا، ثم كجماعات، واخيرا كشعوب واعراق معينة، الى اسياد وعبيد. وقد مثلت الامبراطورية الرومانية القديمة النظام العبودي ــ العنصري تمثيلا "نموذجيا"، اكثر انتاجية من النظام الاقتصادي الهجين لقرطاحة. وهذا هو السبب الجوهري لانتصار "روما" على "قرطاجة". وعلى اساس التقسيم الروماني القديم للبشر وللشعوب، تم تقسيم العالم القديم ــ وهو التقسيم الساري الى اليوم ــ الى "غرب" استعماري، و"شرق" مستعبَد ومستعمَر. علما ان هذا التقسيم (الاجتماعي ــ السياسي ــ العنصري والانساني) الى "شرق" و"غرب"، ينطلق من التقسيم الجغرافي الا انه لا يتطابق تماما معه. ومنذ سيادة روما القديمة تعاقبت على المجتمع البشري ثلاثة انماط من الانظمة الطبقية ــ العنصرية ــ الاستعمارية هي:

أ ــ النظام العبودي ــ العنصري (اساس النظام الاستعماري "الكولونيالي" فيما بعد).
ب ــ النظام الاقطاعي ــ الاقناني.
ج ــ النظام الرأسمالي الذي تحول الى نظام امبريالي في العصور الاخيرة، وهو ما ينبغي التوقف عنده على حدة.

والظاهرة الثانية ــ هي ظهور "الحاجة" لوجود "التجار"، كوسطاء بين مختلف المنتجين. ومن ثم تحول "التجار" الى مقرضين او مسلّفين. وهنا ظهرت "الحاجة" لوجود "اليهود"، وهو ما يهمنا التوقف عنده بشكل خاص، كعرب وكمسلمين ومسيحيين شرقيين.
فمن هم "اليهود" الاوائل؟

في الجواب على هذا السؤال يكمن حل "المسألة اليهودية" و"تحرير اليهود بالتحرر منهم"، كما يقول كارل ماركس، رأسماليا اولا، ومن ثم سياسيا وعنصريا و"قوميا" و"ايديولوجيا" و"دينيا".

ان المفسرين او المحللين السطحيين يتصببون عرقا وهم يجهدون في تفتيق نصوص التوراة وغيرها من النصوص الشبيهة، لوضع اليهودية على قدم المساواة مع المسيحية والاسلام، بوصفها ــ ايضا.. ويا للعجب!! ــ دينا "سماويا!". بل ويذهب المفسرون السطحيون الى القول ان "العرب" و"العبرانيين" (اليهود) هم "ابناء عمومة" ومن نسل جد واحد هو النبي ابراهيم. ومن ثم فإن الصراع الوجودي الفلسطيني\العربي ــ "الاسرائيلي"، ليس اكثر من "خلاف عائلي" بين "ابناء عمومة"! وحتى مفكر وباحث تراثي كبير كالروائي المصري المرموق يوسف زيدان يقول ان الصراع الفلسطيني\العربي ــ "الاسرائيلي" ليس خلافا جوهريا. وليس بدون مغزى ان اتفاقيات التطبيع الاخيرة بين بعض الانظمة العربية الخانعة و"اسرائيل" قد اتخذت اسما لها: الاتفاقيات "الابراهيمية" او اتفاقيات "السلام الابراهيمي". وهذه الاتفاقيات التطبيعية نفسها  اتخذت كذريعة لتبرير المجزرة الفظيعة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني في غزة، بحجة "حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها" ضد "العدوان!" الذي قامت به المقاومة الفلسطينية ضد "اسرائيل المسالمة!" في 7 اكتوبر\تشرين الاول 2023. بل وتذهب بعض التفسيرات الى القول ان الاتفاقيات الابراهيمية هي لمصلحة الشعب الفلسطيني واحد اهدافها اقامة دولتين على ارض فلسطين التاريخية، اي "إقناع" الشعب الفلسطيني والامة العربية بالقبول باقامة اسرائيل على ارض فلسطين وربما ضمها الى ما يسمى "جامعة الدول العربية" لان "الاقربين" (اولاد العمومة "الطيبين") اولى بالمعروف. وعفا الله عما كان وسيكون!

ومن ضمن هذا المنطق التسطيحي، واخيرا المشبوه الذي يصب في الترسانة "الفكرية" للامبريالية الاميركية واليهودية العالمية،  

فإن المجرم المتوحش بن زفير يدعي ان "جيش الدفاع والمستوطنين الاسرائيليين" انما يقومون الان بـ"واجبهم الديني" في تطبيق الوصايا الالهية التوراتية، التي تدعو الى الابادة الكاملة للكنعانيين (اي الفلسطينيين واللبنانيينن والسوريين وغيرهم من العرب ــ الغوييم)، رجالا ونساء واطفالا وشيوخا.
ولكن اي انسان عاقل، ايا كان دينه او معتقده الفكري، لا يجد في الوحشية اليهودية اللامتناهية في غزة اي شيء "سماوي" او "الهي".

وبالتالي ان البحث عن منشأ وجذور هذه الوحشية "الجينية" اليهودية ينبغي ان يكون ليس في السماء والتوراة واشباهها من النصوص الدينية، بل على الارض وفيما تقترفه الايادي السوداء اليهودية والاميركية، وليس في "الثيولوجيا" (علم اللاهوت ــ مع كل الاحترام لرجال الدين اللاهوتيين والفقهاء الشرفاء والافاضل)، بل في "الاتيكولوجيا" (علم الاخلاق)، و"السوسيولوجيا" (علم الاجتماع)، و"البوليتولوجيا" (علم السياسة)، و"الهستوريولوجيا" (علم التاريخ). وهنا يظهر التقصير التاريخي الفادح لعلماء الاجتماع  والمؤرخين العلميين العرب.
ومن ضمن وجهة النظر التي تسترشد بالمنطق التاريخي والعلوم الاجتماعية، يمكن طرح السردية التالية، الخاضعة للنقاش طبعا:

في الازمنة القديمة، ما قبل الولادة  المزدوجة للتوأمين:

ـــ النقود (المعدنية الثمينة)،
ـــ و"الديانة اليهودية" (وإلهها غير الشيئي ــ التجريدي ــ الفوقي ــ غير المنظور وغير المحسوس، المسمى "يهوه")،

لم يكن يوجد محاكم دولة وسجون لدى القبائل البدوية في صحراء شبه الجزيرة العربية وغيرها، فكان شيوخ القبيلة يحكمون على القاتل بالقتل، اما ما دون جريمة القتل (كالاغتصاب والسلب والايذاء الخ) فكان يحكم على المجرم او الجاني بالخلع ــ اي الطرد ــ من القبيلة. وكان اولئك المطاريد يسمون: الصعاليك. وبدافع غريزة البقاء، كان اولئك الصعاليك يتجمعون مع بعضهم البعض، ليتدبروا امور حياتهم كشذاذ آفاق. ومن ضمن ما كانوا يقومون به لضمان بقائهم انهم كانوا يقومون ببعض السرقات الصغيرة ثم يفرون هاربين الى امكنة بعيدة عن مكان السرقة، لانهم غير مرتبطين بقبيلة محددة او مكان محدد.
وفي المرحلة الزمنية ذاتها، فإن المناطق الحضرية المحيطة بالصحراء (اليمن والعراق وسوريا الطبيعية ومصر وشمال افريقيا) كان يوجد فيها دول وممالك متقدمة، لديها قضاء ومحاكم وسجون. فكان العديد من القتلة والمجرمين واللصوص في تلك الدول ــ وخوفا من "القضاء" ــ  يفرون من وجه "العدالة!" الى الصحراء، وينضمون الى صفوف "الصعاليك" العرب ابناء الصحراء. وبمرور الزمن تشكلت "كتلة بشرية!" منظمة من القتلة والمغتصبين والمجرمين والنهابين واللصوص. وهؤلاء هم اجداد ما سمي لاحقا "اليهود". وبسبب كونهم "جماعة ذكورية" في تلك المرحلة كان اللواط "مشرّعا" بين أولئك "اليهود!". وهو ما تعترف به النصوص "السماوية" "اليهودية"!.

ومع تزايد اعداد تلك الكتلة، اخذت تشعر بفائض من القوة، وتتجرأ على القيام بغزوات على بعض مضارب البدو الضعيفة والقرى النائية وقوافل التجار ضعيفة الحماية، فتسلب المواد الغذائية والالبسة والمواشي ومختلف السلع التجارية، وتسبي البنات والنساء، وتسرق بشكل خاص النقود (المعدنية الثمينة). وبعد كل غزوة، كان قادة "الكتلة" يحتفظون بما يحتاج اليه افرادها من المسروقات لاستهلاكهم الخاص، ثم تنتقل "الكتلة" الى اماكن بعيدة لبيع المسروقات. فيبيعون في الشرق ما قد سرقوه في الغرب، وبالعكس؛ ويبيعون  في الجنوب ما قد سرقوه في الشمال، وبالعكس. وفي هذه المرحلة بالذات، وعلى خلفية هذا "النشاط التجاري العابر" لهؤلاء "اللصوص والقتلة وقطاعي الطرق   =  التجار العابرين" ظهرت تعابير: عبري، وعبران، وعبريون، وعبرانيون؛ للدلالة على هذه "الكتلة البشرية!" الصحراوية غير المرتبطة بأرض او قبيلة او شعب، والتي كانت تتحرك وتنشط في "الفضاء العربي" دون ان تكون "عربية"، و"المتحوسلة" (متحولة الى وسيلة) للغزو وقطع الطرقات والسلب والنهب والسرقة والسبي والقتل و... التجارة "العابرة". وعلى هذا الصعيد فإن الشاعر العراقي التقدمي والوطني محمد صالح بحر العلوم (الذي ــ بالرغم من مكانته البارزة في تاريخ العراق الحديث ــ كان مع الاسف من دعاة السلام مع "اسرائيل") يقول في احدى قصائده انه: لا فرق بين عربي وعبري الا بقلب راء وباء. وهذا مع العلم ان عالم الاجتماع والمؤرخ العلامة ابن خلدون كان قد ميز بين "العرب" و"العربان"، الا انه لم يجد اساسا للتمييز فيما بين "العبرانيين"، لان هؤلاء كانوا كتلة واحدة متراصة من القتلة وقطاعي الطرق واللصوص و... التجار "العابرين" او "العبريين" او "العبرانيين".

وبمرور الزمن تجمعت لدى قادة او زعماء هذه "الكتلة البشرية"، التي اطلقت عليها تسمية "العبرانية" كميات كبيرة من النقود المعدنية الثمينة، المحصلة من السلب والنهب والسرقة، ومن حاصل المتاجرة بالمسروقات. وبالتدريج اكتشف قادة وزعماء "الكتلة العبرانية" حاجة جميع فئات التجار والمنتجين "الاغيار" الى هذه النقود، ليس لخصائصها "البدنية" كمعدن جميل، بل لـ"سر سحري" مكنون فيها، يجعلها، في اي ظرف واي وقت، قابلة للتبادل مع اي سلعة اخرى، ويجعلها "محترمة" بصورة شبه "تقديسية" من قبل جميع فئات الناس، حتى الاعداء فيما بيهم. كما يجعل "مالك النقود" محترما ومبجلا حتى لو كان من احط وارذل الناس، كما هم "العبرانيون". وهذا الاكتشاف دفع زعماء "الكتلة العبرانية" للدخول في تحول نوعي من طابقين:  
الاول ــ ادنى: اقتصادي ــ اجتماعي ــ سياسي ــ امني.
والثاني ــ علوي: "ديني" و"سماوي" و"روحاني".
ونلقي في ما يلي نظرة على هذا التحول النوعي المزدوج:
اولا ــ ان زعماء "الكتلة العبرانية"، المسيطرين بالقوة وبالعرف، ثم "المالكين الشرعيين" لكميات النقود المعدنية الثمينة، بدأوا يتحولون من حياة اللصوصية، بواسطة الغزو والسلب والنهب والقتل، والمتاجرة بالمسروقات، بما في كل ذلك من مخاطر، الى نمط آخر "سلمي" او "مسالم"  من اللصوصية والمتاجرة، هو "المتاجرة بالنقود"، عن طريق الإقراض بالفائدة، او تعاطي الربا، وجني الارباح من "العميل" ليس غصبا وبالقوة المجردة، بل "طوعا" وبقوة "منح" او "منع" القروض عنه.
ومن ضمن هذا النشاط "المالي" الجديد للمتمولين ــ زعماء "الكتلة العبرانية" حرصوا تماما على الاحتفاظ بـ"عبرانيتهم" وعدم الاندماج بأي قبيلة او منطقة او دولة او شعب، والبقاء "خارج الجميع" ولكن على "اتصال مع الجميع" و"فوق الجميع" تبعا للحاجة الى المال (النقود). وحتى حينما ازدادت اعداد العبرانيين، بفعل زيادة اعداد "المطاريد" و"الفارين" من جهة، والتنامي الدمغرافي نتيجة الزواج من النساء والبنات المسبيات، من جهة ثانية،  فإن العبرانيين "العاديين" انفسهم ظلوا حريصين على عدم الاندماج بـ"الاغيار" وعدم اتخاذ مهن مرتبطة بالارض، كالزراعة وتربية الماشية؛ والاقتصار على امتهان الحرف والاعمال التي تسمح لهم بالمغادرة بسهولة في اي وقت كان. وبمرور الزمن دخلت "غريزة الشتات" في التكوين النفسي واللاوعي الباطني للعبرانيين ــ السائرين نحو التحول الى "اليهودية".        
والتحول النوعي الثاني للعبرانيين كان في ظهور "الديانة اليهودية"، وتحول "العبرانيين" الى "يهود".
ولفهم حقيقة "الديانة اليهودية" ينبغي  ان نعرف اولا انه لا يوجد فيها اي شيء "سماوي" او "الهي". وان نعرف ثانيا انها ترتبط عضويا بأكتشاف وممارسة الربا، او الإقراض بالفائدة، اساس العملية الرأسمالية، او "العمل البنكي" في اللغة المعاصرة. وان نعرف ثالثا ان "اليهودية" ما هي سوى تعبير او تعريف "ديني" مفبرك للعمل "الربوي" او "البنكي" في اللغة المعاصرة. ومثلما ان تعابير مثل "حايك" او "حداد" هي كناية عن تسمية صاحب مهنة "الحياكة" او "الحدادة" او غيرها، فإن تعابير "يهودي" و"يهود" وديانة "يهودية" ما هي سوى تسمية لممارسة "المهنة الربوية" (المنبثقة عن المتاجرة العابرة بالمسروقات). ولكنها تسمية مغلفة ومزخرفة بصبغة "دينية" "سماوية" و"الهية".
فمع اكتشاف "الحاجة" المجتمعية لوجود الربا، او الإقراض بالفائدة، او التمويل، ادركت زمرة مالكي النقود، اي قيادة "الكتلة اللصوصية العبرانية"، انه يجب ايجاد غطاء "ديني" "تقديسي" لهذه "الوظيفة الربوية"، اولا من اجل "تجميل" و"تبرير" وجودها، وثانيا من اجل المحافظة على استمرارية هذا الوجود. وفي البدء ظن بعض قادة "الكتلة العبرانية = اليهودية" او "كهانها" ان خصوصية اهمية واعتبارية "النقود" هي في "بدنها الذهبي" الجميل. وكما تقول السردية "الاسطورية اليهودية" ذاتها، فإن "الكاهن" هارون (شقيق موسى التوراتي، ابن الزنا الفرعوني الذي ادعت اميرة فرعونية انها وجدته باعجوبة في نهر النيل) قام بسكب "عجل ذهبي" كي يعبده العبرانيون. ولكن موسى التوراتي، الاكثر خبرة وادراكا، و"البندوق" كما يقال باللهجة البنانية، قام بطحن ذلك العجل، ومزج نثار الذهب بالماء واجبر العبرانيين على شرب ذلك "الماء الذهبي"، كي يفهمهم ان قيمة النقود تتعدى البدن الذهبي الذي هو ليس اكثر من "حامل" ملموس لقيمة "ذهنية" و"روحية" غير منظورة وغير ملموسة. ولتسمية هذه القيمة "السحرية" المخفية، استنبط موسى التوراتي (او طبقة الكهان = المرابين العبرانيين) اسما "الهيا" ملتبسا  للنقود الذهبية (او المال) هو: يهوه! وكلمة "يهوه" باللغة العربية القديمة (التي سماها بعض العلماء: السامية) هي مشتقة من كلمة "هو" او "هوية"، وتدل على "الريّس" (الوهمي وغير المنظور، كما في لغة "المافيات" في عصرنا). فأعطى موسى التوراتي لكلمة "يهوه" معنى "الله ــ النقود" او "الله ــ المال". وعن هذه الالتباسية اليهودية الاصيلة يقول السيد المسيح فيما بعد، كما في الرواية المسيحية: "لا تعبد لك ربين: الله والمال!". واشتق اليهود اسمهم الديني "اليهودي" من اسم "يهوه".
وفوق هذا المدماك "اليهوهي" بنى "اليهود" كل اساطيرهم الدينية العنصرية ــ الاستغلالية ــ الوحشية، من اسطورة "ارض الميعاد" (من البحر الى النهر) الى اسطورة (اسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل) الى اسطورة "ابادة جميع الكنعانيين باسم الرب"  الى اسطورة "شعب الله المختار" الى اسطورة "الغوييم" (اي اشباه البشر = الحيوانات، في "ثقافة" اليهود، اي جميع شعوب العالم غير اليهود).
وبعد هذا "الاختراع الديني" انتحل اليهود، كذبا ورياء، الانتساب الى النبي ابرهيم؛ وكرسوا هذا الانتحال في "توراتهم" التي دبجها كتابهم المشعوذين، والمبنية من الالف الى الياء على الخرافات والخزعبلات والاكاذيب والتعصب والعنصرية اليهودية.
وحينما قام الجيش الامبراطوري الروماني القديم باكتساح بلدان الشرق، اكتسب اليهود "شرعيتهم الدولية" لاول مرة في التاريخ، بالالتحاق بالجيش الروماني كالذباب الازرق، ليس للقتال، بل لتقديم "الخدمات الصغيرة" للجيش، ومنها "الخدمات الجنسية" من قبل "عامتهم"، اما قادتهم وزعمائهم وكهانهم، الذين كانوا يحوزون اموال "الكتلة" فكانوا يشترون بالجملة اسرى الجيش الروماني، بمن فيهم ""ابناء عمومتهم!" المزعومين من العرب الاقدمين (الكنعانيين وغيرهم)، ويقومون باذلالهم وتجويعهم وتعذيبهم لتحطيم كرامتهم الانسانية و"ترويضهم" وتدريبهم على "اصول" حياة العبودية، ثم يبيعونهم  بالجملة والمفرق كعبيد وإماء في جميع الاراضي التي تطأها القدم الهمجية للرومان. وقد حققت الطغمة اليهودية العليا اولى اضخم ثروة "رأسمالية" لها من التجارة بالبشر في اعقاب الجيش الروماني. وانطلاقا من هذه التجارة شكل "اليهود" في كل مدينة، على امتداد الامبراطورية الرومانية، "خلية رأسمالية تجارية ــ مالية" اولى. ومن مجموع هذه "الخلايا"، التي كانت كجسم غريب في المدن او البلدان التي توجد فيها، تشكلت الشبكة الرأسمالية ــ التجارية ــ المالية اليهودية العالمية، التي تقودها الطغمة المالية ــ الدينية  اليهوددية العالمية العليا.  
وقد استمر تنامي الدور اليهودي ــ الربوي ، المالي، والرأسمالي في جميع المجتمعات والانظمة الاجتماعية ــ الاقتصادية، الطبفية الاستغلالية والاستعمارية، المتعاقبة طوال القرون حتى قيام الثورة الصناعية في اوروبا وانتصار النظام الرأسمالي فالامبريالي، حيث اصبحت الكلمة العليا للرأسمال المالي والطغمة المالية العليا العالمية اليهودية.
نخلص من ذلك الى الاستنتاجات التالية:
1 ــ ان "اليهودي" الاول ــ القديم هو: لص ومجرم مطرود من قبيلته، او هارب من دولته.
2 ــ انه تحول الى "كتلة عبرانية"، اي قطع طرق وغزاة ينهبون الضعفاء من البدو والقرى النائية والقوافل التجارية ضعيفة الحماية، ويسلبون الاموال ويسبون النساء، دون ان يستقروا في مكان واحد.
3 ــ ثم تحول الى تاجر مسروقات ومنهوبات من ضحاياه بمن فيهم القتلى.
4 ــ ثم تحول الى مرابٍ، بالنقود الذهبية المحصلة من السلب والنهب والقتل والمتاجرة بالمسروقات والمنهوبات.
5 ــ ثم تحول الى "يهودي" دينيا، و"نخبوي" طبقيا، رأسماليا وامبرياليا، والى "شعب الله المختار"، الذي يضطلع بدور الحجر الاساسي للنظام الرأسمالي ــ الامبريالي، ماليا وايديولوجيا ــ اخلاقيا ــ و"دينيا".
6 ــ ان كلمة "يهوه" هي مصطلح رمزي للمرابين (اللصوص وقطاعي الطرق) يُقصد به المال. وان "اليهودي" لا يؤمن بالله بل يؤمن بيهوه اي بالمال، وينتسب اليه. وانه لا وجود لـ"اليهودي" و"اليهودية" بدون "يهوه"، اي بدون المال.
7ــ وقد انتحل "اليهود" الانتساب الى النبي ابرهيم، كذبا ورياء.
8ــ والرأسمال المالي الاكبر والاول حصل عليه اليهود من المتاجرة بالبشر، وهم ينظرون الى كل البشر كعبيد وحيوانات للاستخدام والبيع والشراء او الذبح.
9ــ ان "الشرعية الدولية" لليهود انطلقت بالاساس من الالتحاق بالاستعمار الغربي (الروماني) للشرق.
10ــ سينتفي وجود هذا "اليهودي" (و"الديانة اليهودية!")، حينما تنتفي الحاجة لوجود "وظيفته"، اي الحاجة لوجود الرأسمال التجاري الربوي، والرأسمال المالي الربوي، وحينما يتم القضاء الحتمي، الذي يقترب بسرعة، على الاستعمار والامبريالية الغربية المهيمنة، وعلى "الامبريالية اليهودية" المتوحشة، الحلقة الاخيرة في النظام الامبريالي العالمي ــ اعلى مراحل الرأسمالية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتب لبناني مستقل

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية