قراءات سياسية » جذور التحالف الصهيوني – الماروني في لبنان

إعداد: نسيب شمس

يخطئ من يعتقد ان العلاقات العربية الصهيونية حديثة العهد، حيث أن الوكالة اليهودية بدأت بالتفاوض باكراً مع أطراف محيطة بالعرب، أي البلدان غير العربية، مثل تركيا وأثيوبيا، وكذلك مجتمعات الأقليات مثل الدروز والشركس والأكراد والموارنة.

قبل قيام الكيان المؤقت عام 1948، أقام الصهاينة صلات لهم مع مواقع عدة في العالم العربي، حيث أنهم كانوا يتجولون بحرية في أرجاء العالم العربي، ويدرسون ويتعلمون في جامعاته، ويزاولون الاعمال التجارية، في حين أن مرسلو الصحف العبرية ومسؤولو الوكالة اليهودية كانوا يلتقون الزعماء العرب من مختلف الانتماءات السياسية. وقيمّت الوكالة اليهودية هذه العلاقات فخلصت الى انها علاقات عالية المستوى.

في لبنان، سهل الانفتاح في المجتمع اللبناني، في جعل البلد مكاناً مثالياً لجمع المعلومات الاستخباراتية، مما سهل للصهاينة معرفة الواقع اللبناني، عدا عن أن موظفي الوكالة اليهودية كانوا يجتمعون بمجموعة من المخبرين المرموقين في بيئاتهم، ومعظمهم يعمل مقابل أجر مالي لقاء خدماتهم.

نجحت الوكالة اليهودية في بناء ورعاية علاقات في الأوساط اللبنانية من محررين صحافيين وزعماء دينيين وشخصيات نافذة في الحكومة والمعارضة ووجهاء ومثقفين. وكل ذلك بهدف أن تساعد هذه العلاقات في توفير قبول عربي بالوطن القومي اليهودي، وتفاهم رسمي عربي – يهودي.

كان الاعتقاد الصهيوني بأن على الوكالة اليهودية انتهاج سياسة كسياسة أساس لها نموذج النظام الطائفي اللبناني، وأن تعمل انطلاقاً منه لتشجيع التعددية السياسية.

كما رأى الصهاينة أن الانقسامات القائمة على أسس دينية، توحي أن المجتمعات المسيحية تقاوم السيطرة الإسلامية وستجد في اليهود حلفاء طبيعيين لها.

أجمعَ الصهاينة في إدراكهم أن لبنان بلد للمصالح الاقتصادية الأولوية على الأيديولوجيا، والأكثرية الساحقة من الصهاينة كان لديها انطباع بأنه يمكن شراء جميع من في لبنان.

كان هناك اعتقاد بوجود انسجام طبيعي في المصالح مع الموارنة ومصالح اقتصادية مشتركة مع باقي السكان اللبنانيين، وأنه من السهل إيجاد أشخاص بارزين قادرين على فصل أنفسهم عن المواقف العامة المناهضة للصهيونية في العالم العربي.

وبدأت الوكالة اليهودية تتقرب من شخصيات لبنانية مهمة تحت حجج شتى.

ومع ترسخ فكرة لبنان المسيحي، أعطى ذلك دفع للعلاقة المارونية الصهيونية، ودفع ذلك الى التأكد من أن ذلك سيخدم المصالح الصهيونية. وما شجع الصهاينة أن الموارنة أنفسهم هم الذين بادروا الى طرح فكرة التحالف الماروني – الصهيوني، فقد عبّر الموارنة في العام 1913 عن تأييدهم للصهيونية، واقترحوا تشكيل كتلة يهودية – مسيحية لتشكل معادلة مقابلة للوجود المسلم الغالب في المنطقة.

وفي العام 1919 فاتح نجيب صفير، أحد الموارنة الناشطين آنذاك، حاييم وايزمان باقتراح تقسيم المنطقة طائفياً، لبنان للمسيحيين وسوريا للمسلمين، وفلسطين لليهود.

كما كشف حاييم وايزمان عن قناعته بالتفوق اليهودي المسيحي في رسالة خطية إلى أسقف بيروت إغناطيوس مبارك سجل فيها اعتقاده المحبّب بأن العلاقات الإيجابية بين "الشعبين المتقدمين في الشرق الأوسط"، أي اليهود والمسيحيين، ومن شأنها أن تفيد شرقي البحر المتوسط بأكمله.

الجدير بالذكر، أن الصهاينة وجدوا في العقد الأول من القرن العشرين ما يشجعهم في لقاءاتهم مع الموارنة. فقد ظهرت سوابق الصداقة المارونية الصهيونية في العام 1860 خلال الصراع الدرزي – الماروني، حيث كانت الغلبة للدروز، ورفضت السلطنة العثمانية نجدة المسيحيين، فطلب الموارنة في يأسهم نجدة أوروبا، ومن أولى الشخصيات الأوروبية التي استجابت لمناشدتهم السير مونتيفيوري وهو ثري يهودي من زعماء الطائفة في لندن، وأدولف كريميو وهو رجل دولة يهودي فرنسي بارز. وأدى التدخل الفرنسي الى انقاذ المسيحيين وإلى إنشاء المتصرفية التي سيطر عليها الموارنة، وجاءت ظروف صراع الدروز والموارنة لتشير الى ترابط المصالح الصهيونية – المارونية مستقبلا، ورأى بعض المسيحيين الموالين للصهاينة في فرنسا وقد راعهم ما تعرض له المسيحيون بأن قيام دولة يهودية عازلة في فلسطين، قد يساعد في تعزيز موقع فرنسا والمسيحيين في الشرق الأوسط.

اعتمد الرؤية الصهيونية لتحالف الأقليات على تعاون نموذج معين للماروني، فالماروني المثالي بالمنظور الصهيوني هو الذي يتصور لبنان بلداً مسيحياً، ويرى نفسه مسيحياً غربياً أكثر مما يرى نفسه عربياً، ويخاف التهديد المسلم للامتيازات المسيحية، ويشكل الكيان المؤقت سنده وحاميه.

أن قراءة الماضي على وقع الحاضر سبيل للمعرفة من اجل بناء مستقبل أفضل، فهل من يقرأ ويتعظ.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية