مواد أخرى » تعليم الإرهاب الكتب الدراسية والأدب التوجيهي

في 13 تموز/يوليو، خاطب يعقوب أوليدورت وماركوس شيف منتدى سياسي في معهد واشنطن. وأوليدورت هو زميل "سوريف" في المعهد وكان قد حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة برينستون في أطروحة موضوعها تاريخ السلفية وعقيدتها. وشيف هو الرئيس التنفيذي لـ "معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" (IMPACT-SE)، وهي منظمة غير ربحية مقرها في القدس وتركز على تقييم الجهود التعليمية في جميع أنحاء العالم. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما".
 

يعقوب أوليدورت
تشكّل معركة الأفكار مسرحاً حيوياً لصراع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»). وقد بذلت الجماعة جهوداً كبيرة لتطوير مكتبها الإعلامي الخاص، بشكل منفصل عن سلاحها الدعائي، بغية تلقين جمهور متنوع. ويسعى هذا المكتب الملقّب بـ "الصحافة الحماسية" إلى تعزيز صلاحيات التنظيم بصفته وريث التقاليد الإسلامية الشرعية من خلال نشر مختلف [الوثائق المعلوماتية] من الكتب الدراسية الخاصة بالأطفال إلى الأدب التوجيهي الذي يتناول التقوى الشخصية إلى التعليقات الطويلة على المؤلفات العلمية. إلا أن هذه المقاربة التي تمتد على مستويين وتهدف إلى تلقين [العديد من الفئات العمرية] تتطلب تسويات، الأمر الذي يترك تنظيم «داعش» عرضة لتحديات إيديولوجية - وهذه نقطة ضعف ينبغي على صانعي السياسات النظر في استغلالها.
وعلى أحد المستويات، تروّج الكتب الدراسية والأدب التوجيهي لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» الهوية السنيّة بمعناها الأصولي والحصري والتفسير السلفي للإسلام الذي يرتكز على القرآن والحديث فحسب. وفي الوقت نفسه، يعمد الكثير من هذه الكتب إلى تعليم القراء الأولويات والمعتقدات الخاصة بـ تنظيم «داعش»، أي النظرة التشاؤمية المروعة للعالم والتشديد على إعادة بناء الخلافة وتأسيس دولة إسلامية سلفية وممارسة العنف المتطرف. إن هذا الترويج لأولويات تنظيم «الدولة الإسلامية» هو ما يجعل التلقين الذي تمارسه الجماعة فريداً من نوعه من حيث الدعوة إلى القتل، ويتميز عن التعصب الديني المروّج له في الكتب الدراسية الدينية في المملكة العربية السعودية. إن كتب «داعش» المخصصة للأطفال تهدف صراحة إلى إنشاء "جيل جهادي" وتتراوح المواضيع التي تتناولها ما بين وحدة العائلة الإسلامية السليمة ومهارات استخدام الأسلحة.
وبالمثل، يضيف الأدب التوجيهي للجماعة تحريف للمفاهيم الإسلامية التقليدية - وهو تحريف فريد من نوعه خاص بـ تنظيم «الدولة الإسلامية». فعلى سبيل المثال، من أجل تطبيق مفهوم "الهجرة" تعلن منشورات التنظيم أن على المسلمين أن يسافروا إلى الأراضي التي بنيت عليها «الدولة الإسلامية». ويفيد الأدب "الداعشي" أيضاً بأنه يجب أن تُدفع المساهمات والتبرعات المطلوبة من جميع المسلمين إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، إذ تعتبر الجماعة نفسها المعقل الوحيد الحقيقي للإسلام. وعلاوة على ذلك، غالباً ما ينظر التنظيم إلى القضايا التي يعتبرها المسلمون مسائل تقوى شخصية (على سبيل المثال، طول اللحية) ويتعامل معها على أنها قضايا متعلقة بالطاعة المدنية، الأمر الذي يبرر معاقبة من يرتكب "الانتهاكات". وإذ يعيد التنظيم تعريف هذه المفاهيم الإسلامية، فهو يسعى إلى إقناع القراء بأن «الدولة الإسلامية» هي المكان الوحيد على هذه الأرض الذي يمارس فيه الإسلام الأصيل والصحيح.
وتعيد منشورات "الصحافة الحماسية" أيضاً تصنيف الشخصيات الإسلامية التاريخية والنصوص كجزء من التقاليد الخاصة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» ولاسيما أعمال محمد بن عبد الوهاب الذي يعتبر أب السلفية في المملكة العربية السعودية. وغالباً ما يهدف هذا الأدب إلى تشويه سمعة الدولة السعودية والمؤسسة الدينية، على الرغم من أن بعض المنشورات تصدر كمواد مرجعية أكثر وضوحاً (على سبيل المثال: الأطروحات التي تتناول قواعد اللغة ومجموعات الحديث).
وتتراوح تكتيكات التجديد وإعادة الوسم من استخدام الصور الخاصة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى التغييرات الأكثر دقة في الخطاب. فعلى سبيل المثال، غالباً ما يدرج التنظيم صوراً لعلمه وأسلحته في الكتب الدراسية التي تتناول اللياقة البدنية والرياضيات ومواضيع أخرى وغالباً ما يضيف هذه الصور إلى صفحات أخذت من مصادر أخرى. وتُظهر الكتب الدراسية الأخرى عملية إعادة صياغة أكثر تعقيداً للمنهج الإسلامي الكلاسيكي، على سبيل المثال من خلال بعثرة رسائل الدعاة الجهاديين التي تتضمن فصول تتناول الشعر العربي الذي يعود إلى القرون الوسطى، أو عبر تصنيف «الدولة الإسلامية» على أنها المرحلة النهائية في تاريخ الحكومات الإسلامية.
بيد، من خلال قيام تنظيم «الدولة الإسلامية» بنشر كتب مدرسية تلبّي أولوياته الفريدة من نوعها، يتعين عليه استخدام مراجع إيديولوجية مختلفة. فعلى سبيل المثال، من خلال عمل التنظيم على تجميع الأطروحات الإسلامية التي تتناول بناء الدولة، لجأ إلى استخدام مراجع تعود إلى أعمال علماء صوفيين وآخرين من القرون الوسطى، كان سيشجبها الجهاديون الآخرون بشكل قاطع.
وفي ضوء هذه العوامل وغيرها، يُفتح باب الفرص على مصراعيه أمام صانعي السياسات للقضاء على التعاليم الإيديولوجية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». أولاً، يتعين عليهم أن يدركوا أن التنظيم يستغل الثغرات الفعلية في النظام التعليمي في المنطقة لتحقيق غاياته الشائنة؛ وتتفاقم هذه الثغرات من جراء الصراعات الحالية. ولا يملأ  التنظيم هذه الفجوات من خلال الكتب الدراسية فحسب بل أيضاً بواسطة التطبيقات المحمولة ووسائل الإيضاح البصرية وغيرها من المواد. وتستطيع الولايات المتحدة أن تتنافس مع هذه الجهود من خلال توفير قدر أكبر من الفرص للمجتمعات المحلّية لنيل العلم. ولكي تحارب أمريكا أفكار التنظيم، علماً أنها لا تمتلك السلطة حول هذا الموضوع، تستطيع أن تشجع الشخصيات الدينية في المنطقة وفي أي مكان آخر على استعادة هذه التقاليد التي استولت عليها المنشورات الصادرة عن تنظيم «الدولة الإسلامية». وأخيراً، يجب أن تلجأ الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لمواجهة التطرف العنيف بشكل أكبر نحو التكتيك الرئيسي وهو تشجيع نشر روايات عن الذين فرّوا من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» وخاب أملهم بسبب ايديولوجيته.
 
ماركوس شيف
يدرك تنظيم «الدولة الإسلامية» أهمية التعليم لتلقين أولئك الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها وغيرها من الأماكن. وهكذا، فإن الوسيلة الأهم لتقويض التأثيرات المتطرفة واقتلاع الروايات المتطرفة تكمن في عقول الأطفال. وتظهر دراسة أقامها "معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" أنه في المناطق التي لا تخضع لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» في الشرق الأوسط، إن الطريقة التي تتناول بموجبها المناهج الدراسية قضايا مثل التسامح والهوية تشهد تقدماً في بعض الأماكن وجموداً في أماكن أخرى.
وفي مصر، على سبيل المثال، تصف كتب التاريخ الحديثة اتفاقات السلام مع إسرائيل بأنها تفيد الاقتصاد المصري وتحتوي على صور لـ مناحيم بيغن وهو يصافح أنور السدات. بالإضافة إلى ذلك، تصف العلاقات الثنائية بأنها ودية وليست مجرد "طبيعية"، كما رجحت كفة نسبة الصراع/السلام لصالح السلام.
وفي أماكن أخرى، شكّل المنهج العلماني في تونس حصناً ضد نفوذ «الإخوان المسلمين». وفي المغرب، تعيد الحكومة تقييم النظام التعليمي الذي تتبعه. أما في لبنان، فقد ازدادت حدة لهجة الخطاب المعادي لمسار «حزب الله». وفيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، لا تأتي الكتب الدراسية على ذكر السلام مع إسرائيل إلا أنها تعالج القضايا المدنية والمساواة بين الجنسين بطريقة أكثر إيجابية من السابق.
أما في إيران، فالمناهج والكتب الدراسية مقلقة نوعاً ما. وفي حين تشجع العديد من الكتب الدراسية التفكير النقدي والخلاق، إلا أنها تروج في الوقت نفسه لثقافة النزعة العسكرية والهيمنة الإيرانية. كما تشجّع على الارتياب والعداء تجاه الأجانب، وهو الأمر بالنسبة إلى الطاعة العمياء للمرشد الأعلى. وفي لفتة غير مرحبة من المساواة، تنشر بعض الكتب الدراسية الإيرانية ثقافة الاستشهاد من خلال عرضها على الفتيات.
وقد قام "معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" بتقييم مناهج الدراسات الإسلامية في الولايات المتحدة أيضاً. وحالياً، يتم نشر خمسة مناهج دراسية أساسية في أمريكا، لاستخدامها في 272 من المعاهد التعليمية في جميع أنحاء البلاد. وتستوفي أربعة من المناهج الدراسية الخمسة المعايير التي وضعتها "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" ("اليونسكو") حول السلام والتسامح. والجدير بالذكر أن هذه المناهج الدراسية خالية من الصور والإيديولوجيات التي تدعو إلى احتقار الآخرين. إلا أن المنهج الخامس الصادر عن "بِلال فيلبس"، والذي وضع في المملكة العربية السعودية، ويُعتقد أنه يدرّس في حوالى عشرة معاهد في الولايات المتحدة فهو لا يلبّي معايير "اليونسكو". وبالأحرى، هو يرفض النزعات الأكثر ليبرالية للإسلام (بما في ذلك الصوفية)، ويشير إلى الجهاد، ولا يذكر قضايا مثليي الجنس. وفي المرحلة القادمة، يخطط "معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" مراجعة مماثلة للمناهج الدراسية المعتمدة في أوروبا.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى.

موقع الخدمات البحثية