مواد أخرى » التوظيفات المحتملة لـ"هجوم ميونيخ" للضغط على اللاجئين

من المتوقع أن يُشكل الهجوم المسلح على مركز تسوق في مدينة ميونيخ الألمانية، يوم الجمعة (22 يوليو 2016)، ومن قبله بأيام هجوم فورتسبورغ سياقات محفزة للضغط على اللاجئين المتواجدين داخل ألمانيا التي تُعد من أكبر الدول المستقبلة للاجئين داخل الاتحاد الأوروبي. ويتواجد في ألمانيا أكثر من مليون لاجئ، وبحسب توقعات الحكومة الألمانية فإنه بحلول عام 2020 سيصل إلى ألمانيا نحو 3.6 ملايين لاجئ.

وبينما تشير المعلومات الأولية أن من وراء هجوم ميونيخ شاب ألماني من أصل إيراني يعاني خللا نفسيا ويتبنى وجهات نظر يمينية متطرفة رافضة للأجانب، فإن لاجئا أفغانيا هو من نفذ هجوم فورتسبورغ.

ولعل وجود خيوط اتصال بين الهجومين واللاجئين ربما يؤدي إلى تكريس توجهات يمينية أكثر تطرفًا رافضة لتواجد اللاجئين داخل المجتمع، وترى أنهم يمثلون تهديدًا لنمط الحياة التي يعيشها أفراد المجتمع، سواء من خلال استنزاف الموارد الاقتصادية ومستويات الرفاهية المتاحة، أو حتى من خلال التهديدات الإرهابية.

ويفترض الاتجاه الرافض للاجئين أن بعض هؤلاء اللاجئين يحمل معه أفكارًا راديكالية قد تدفعه إلى تنفيذ عمليات إرهابية داخل المجتمعات الغربية، وهو الأمر الذي يعني أن الغرب بات على مشارف جيل جديد من العناصر الراديكالية داخل بلدانه، فالتهديد لم يعد خارجيًّا ولكنه كامن في البنية المجتمعية.

هجمات ميونيخ وفورتسبورغ:

أسفر الهجوم -وفقًا للتقارير الأولية- الذي شهدته مدينة ميونيخ الألمانية يوم الجمعة 22 يوليو 2016 عن مقتل ما لا يقل عن تسعة أشخاص، وإصابة نحو 27 شخصًا، حيث قام شخص مسلح (ألماني له أصول إيرانية) يبلغ من العمر 18 عامًا بإطلاق النار على عدد من الأشخاص المتواجدين داخل مركز تسوق، ليقوم بعد ذلك بالانتحار.

وتُضيف المصادر الأمنية الألمانية، أن منفذ الهجوم مهووس بعمليات إطلاق النار الجماعية، وهو ما اتضح من خلال تفتيش الغرفة التي كان يقيم فيها، حيث وجدت قوات الأمن قصاصات من صحف تتعلق بهجمات مماثلة. وبالتالي فإنه غير مرتبط بتنظيم داعش، ولم تكن له أي سوابق جنائية، كما أنه كان يُعاني من مشكلات نفسية.

ويأتي هذا الهجوم بعد أيام قليلة من الهجوم الإرهابي الذي شهدته مدينة فورتسبورغ بولاية بافاريا جنوب ألمانيا، يوم الاثنين (20 يوليو 2016)، حيث قام لاجئ أفغاني كان قد وصل إلى ألمانيا عام 2015 يدعى رياض خان (17 عامًا) بمهاجمة مجموعة من الأشخاص المتواجدين في قطار باستخدام فأس وسكين، ليصيب أربعة أشخاص تقريبًا. وقد أعلنت وكالة أعماق التي تبث أخبار التنظيم أن منفذ الهجوم هو أحد 'مقاتلي داعش'.

دلالات الهجومين واللاجئين:

وفي هذا الإطار، تنطوي الهجمات التي تعرضت لها ألمانيا مؤخرًا -في فورتسبروغ وميونيخ- على عدد من الدلالات الرئيسية المرتبطة بقضية اللاجئين والتي ستشكل مدخلا لتوظيفها من قبل اليمين المتطرف ومنها.

أولا- تعبر هجمات فورتسبوغ وميونيخ عن توجهين متطرفين وصداميين ذوي صلة باللاجئين داخل ألمانيا والغرب بشكل عام، فالهجوم الأول نفذه لاجئ أفغاني رافض للغرب، ومرتبط بتنظيم داعش، حيث ذكرت السلطات الألمانية أنها وجدت علم تنظيم داعش داخل غرفة منفذ الهجوم، والذي كان قد ترك فيديو يعلن فيه مسئوليته عن الهجوم وقال: 'بسم الله أنا جندي داعش وأبدأ عملية مقدسة في ألمانيا'، ويضيف: 'يمكنك أن ترى أني عشت في بلدك وفي منزلك. وبمساعدة الله وضعت هذه الخطة في المنزل الخاص بك، وبإرادة الله سوف أذبحك في منزلك'.

أما منفذ هجوم ميونيخ المولود في ألمانيا فيبدو من خلال التقارير الأولية أنه يتبنى وجهات نظر يمينية متطرفة رافضة للأجانب على الرغم من أنه ينحدر من أبوين إيرانيين هاجرا إلى ألمانيا خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث تُشير المصادر إلى أنه تلفظ قبل إطلاق النار بهتافات عنصرية ضد الآخرين، علاوة على أنه استلهم العملية التي نفذها من اليميني المتطرف النرويجي أندريس بريفيك المعروف عنه معارضته للمهاجرين، والذي كان قد نفذ عملية إرهابية في جزيرة أوتويا النرويجية في 22 يوليو 2011 أسفرت عن مقتل نحو 70 شخصًا.

ثانيًا- قد تشكل هجمات ميونيخ وفورتسبورغ فرصة مواتية للقوى اليمينية داخل ألمانيا لتعزيز مكانتها السياسية، وفي مقدمة هذه القوى حزب البديل لألمانيا الذي حقق نجاحات انتخابية في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في مارس الماضي، وكان يخوض الانتخابات تحت شعارات من قبيل 'عززوا الحدود' و'أوقفوا فوضى اللجوء'.

وفي هذا السياق، يرجح أن توظف هذه القوى الأحداث التي يمر بها الغرب في الوقت الراهن لدعم موقفها، ومن ثم تستدعي التهديدات التي أطلقها تنظيم داعش في مستهل عام 2015 بأنه سيقوم بإغراق 'أوروبا بنحو نصف مليون مهاجر عبر ليبيا'، وزعم التنظيم أيضًا أنه سيقوم بإرسال ما يقرب من أربعة آلاف مقاتل عبر الأراضي التركية. كما صرح بعض القياديين داخل التنظيم بأنهم 'أرسلوا العديد من الناشطين إلى أوروبا مع اللاجئين للقيام ببعض العمليات'.
بالإضافة إلى ذلك، فقد نشر التنظيم عقب هجوم ميونيخ رسالة على شبكة الإنترنت باللغة العربية، على حساب يرجح تبعيته للتنظيم، يقول فيها: 'لا يوجد مكان آمن لكم جميعًا، أيها الناس قد فتحت أبواب الجحيم بإعلان الحرب علينا'.

ولا يمكن إغفال أن هذه المعطيات تصب في صالح القوى اليمينية التي تعتقد أن اللاجئين بمثابة 'حصان طروادة' في الغرب، لأنهم يقدمون مدخلا لتسلل الإرهابيين عبرهم، وذلك على غرار ما حدث في هجمات باريس نوفمبر الماضي، والتي ثبت أن بعض الضالعين فيها كانوا قد دخلوا أوروبا كلاجئين.

ثالثًا- ستؤدي هذه الهجمات إلى تنامي الهواجس المجتمعية إزاء اللاجئين، وكان لهذا الأمر مؤشرات واضحة في الآونة الأخيرة، حيث صرح رئيس وزراء ولاية بافاريا هورست زيهوفر عقب هجوم فورتسبورغ أنه 'يتعين على السلطات الأمنية على المستوى الاتحادي والولايات أن تراقب اللاجئين عن كثب، حتى لا تتكرر أشياء سيئة مثل التي حدثت في مدينة فورتسبورغ'.

وفي السياق ذاته، كشف مركز بيو للأبحاث من خلال استطلاع للرأي منشور في شهر يوليو الجاري أن هناك ربطًا لدى قطاع من الألمانيين بين اللاجئين والتهديدات الإرهابية، فقد رجح 61% ممن تم استطلاع رأيهم وخاصة أولئك الذين يتبنون توجهات يمينية أن يؤدي تدفق اللاجئين إلى تنامي احتمالات التعرض لهجمات إرهابية في الداخل، ناهيك عن أن 31% يعتقدون أن اللاجئين يمكن أن يشكلوا عبئًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا على الدولة الألمانية.

وبناءً على هذه المؤشرات، من المحتمل أن تؤدي هجمات ميونيخ وفورتسبورغ إلى المزيد من التخوف والقلق تجاه اللاجئين، إذ إن الهجمات وما يرتبط بها من صدام بين توجهين توحي بإمكانية النزوع نحو حالة من عدم الاستقرار السياسي المتمحورة حول اللاجئين، وهو ما قد يدفع المواطن الألماني في نهاية المطاف إلى التعبير عن رفضه للاجئين، لأنهم حينها سيمثلون مصدر تهديد لرفاهيته ونمط حياته واستقراره المجتمعي.
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية


موقع الخدمات البحثية