قراءات سياسية » مبادرة سعودية بحروف إسرائيلية: رأس حزب الله أو عناقيد غضب جديدة

محمد أ. الحسيني                                    
ستة أيام أعطاها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح، مهلةً حاسمةً أمام لبنان ليردّ في جواب خطّي على رزمة المطالب العربية والخليجية والدولية، لطرحها ومناقشتها في الكويت خلال انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب، وبناء على الردّ يُبنى مقتضى القرار العربي ـ الخليجي بكيفية التعاطي مع لبنان.

ولئن حاول الدبلوماسي الكويتي تجميل هدف زيارته ووضعها ضمن مبادر كويتية "لإعادة بناء الثقة بين لبنان ودول الخليج"، إلا أن الرسالة التي سلّمها إلى المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، حملت في جوهر مقترحاتها تهديداتٍ مباشرة للبنان في حال عدم الإستجابة لها، ولاسيّما تلك التي تحدثت عن تطبيق "القرارات الدولية"، وفي مقدمتها القرار 1559 (الذي ينصّ على نزع سلاح الميليشيات في لبنان)، والمقصود فيه بشكل واضح نزع سلاح حزب الله.

شروط بمثابة تهديدات

كان الصباح واضحاً في تعبيره بأنه لم يأتِ إلى بيروت بكونه ممثّلاً لبلاده حصراً، بل بكونه مبعوثاً خليجياً ودولياً، يصرّح في الموقف بعبارات منمّقة يرغّب فيها اللبنانيين بجنّة سعودية ـ أمريكية من جهة، ومن جهة أخرى يبلّغ شروطاً غليظة يهدّد فيها بأيام حالكة لن يتحمّلها اللبنانيون في حال عدم تنفيذها، وكلّها تصبّ في خانة استهداف حزب الله، ولا سيّما في ما يتعلّق بـ "ضمان ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع استقرار وأمن المنطقة، ومصدراً لتجارة وترويج المخدرات، وضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، ووقف العدوان اللفظي والعملي ضد الدول العربية، وتحديداً الخليجية، والإلتزام بسياسة النأي بالنفس.

مقترحات بحروف إسرائيلية

واللافت في هذه "المقترحات" أنها تضمّنت مصطلحات وعبارات، سبق أن استخدمها الأمريكي والإسرائيلي من قبل في أكثر من محطة مواجهة مع لبنان، وهي صيغت بأسلوب "العصا والجزرة" الذي استعارته السعودية من واشنطن ودأبت مؤخراً على اعتماده في التعاطي مع اللبنانيين، وجاءت لتنضم إلى سلسلة الضغوط المتراكمة والمباشرة التي تُمارس على لبنان، بدءاً بدفع سعد الحريري للإستقالة بعد خطفه واعتقاله وتعذيبه من قبل محمد بن سلمان، وصولاً إلى واقعنا الراهن بفعل تسارع الخطوات الدراماتيكية التي جعلت كرّة النار تكبر أكثر فأكثر، وأخذت أشكالاً مختلفة من الخنق المباشر للبنان بمكوّناته الرسمية والمؤسساتية وبأطيافه الدينية والسياسية والحزبية.
لبنان في مواجهة العرب!!

اندفعت السعودية إلى رفع مستوى التصعيد إزاء لبنان لهذه الدرجة من الخطورة استكمالاً لمجموعة خطوات سابقة، وركّزت في مجملها على صبّ الأهداف باتجاه واحد، وهو إضعاف حزب الله وإنهاء دوره السياسي في لبنان ونزع سلاح المقاومة، حتى لو استلزم ذلك إحراق لبنان بمن وبما فيه من شعب ودولة وحكم ومؤسسات، وما جاء في جعبة الوزير الكويتي خطوة مقصودة ومبنيّة على مخطّط مدروس، وتعكس ردّة فعل الرياض على هزيمتها في اليمن في مقابل تعملّق الحوثيين ودورهم في المعادلة الإقليمية، وكذلك الشعور بالإفلاس السياسي الناتج عن شبه انعدامٍ للتأثير السعودي في لبنان، وهو ما يعرقل الجهود الأمريكية ـ الخليجية الرامية إلى تعميم حالة التطبيع مع "إسرائيل".

وفي هذا السياق، ينبّه مراقبون إلى خطورة المرحلة الراهنة لما قد تحمله الأيام المقبلة من تطوّرات قد تضع لبنان أمام مواجهة صريحة ومباشرة مع العرب، بعد أن كان بجيشه ومقاومته وشعبه رأس الحربة في مواجهة "إسرائيل"، ويلفت هؤلاء إلى أن كلّ ما يجري في لبنان ليس وليد الصدفة أو نتيجة تداخلات فرضتها المستجدّات، بل هي أهداف مدرجة في أجندة الضغط الأمريكية الشاملة على البلاد.

الفتنة السعودية في لبنان

ويرجّح المراقبون أن يكون الضغط السعودي لإجبار الحريري وتيّاره والشخصيات الوازنة في الطائفة السنيةّ للعزوف عن المشاركة في الانتخابات النيابية، وصولاً إلى احتمال إلغائها أو تأجيلها، يهدف إلى تخريب الوضع الداخلي من خلال اللعب على الوتر الطائفي، وتأليب الشارع السنّي على حزب الله باعتباره مسؤولاً عما ستؤول إليه الأوضاع، هذا فضلاً عن تحميل الحزب المسؤولية عن كلّ ما يمرّ فيه لبنان من أزمات، وعليه فإن التهديد التي تحمله "رسالة المقترحات" تقضي بأنه إذا لم يتم التحرّك باتجاه عزل حزب الله والمقاومة، فإن إجماعاً عربياً ـ إسرائيلياً ـ أمريكياً ـ دولياً سيكون في جبهة واحدة ضد لبنان، ولن يقتصر الأمر على العقوبات الإقتصادية والسياسية، بل قد يتجه إلى اعتماد خيارات عسكرية مباشرة، ممّا سيدفع لبنان بأحزابه ومؤسساته إلى دفع أثمان باهظة ومكلفة، ليس بمقدوره تحمّلها.

مؤتمر شرم الشيخ بعباءة سعودية

ولعلّ المعطى الأخطر في هذا السياق ـ وفق المراقبين أنفسهم ـ يكمن في تشابه الظروف الراهنة مع تلك التي كانت سائدة قبل العام 1996، حين اجتمع العرب ـ باستثناء لبنان وسوريا - في مؤتمر شرم الشيخ بمبادرة مصرية ـ خليجية - دولية. حينذاك أطلق المؤتمرون رسائل تهديد مباشرة باتجاه إيران والمقاومة في لبنان، بذريعة تخريبهما لمفاوضات السلام والتسوية الشاملة في المنطقة، وكانت المطالب آنذاك تتطابق بشكل كبير في عناوينها مع المطالب التي حملها المندوب الكويتي، وشنّت "إسرائيل" على لبنان حرب "عناقيد الغضب"، ولكن ـ يضيف المراقبون ـ على الرغم من أن كل الترجيحات مطروحة وقابلة للتحقق، إلا أن هناك اختلافات جوهرية اليوم على مستوى المعادلات الميدانية، وإذا كانت المقاومة بسلاحها التقليدي وصواريخها المحدودة القدرة استطاعت أن تهزم الحلف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ الخليجي ـ العربي ـ الدولي عام 1996، وفرضت على العالم اعترافاً بحقّها في تحرير الأرض، ونجحت بذلك في أيار عام 2000، فكيف بالمقاومة اليوم وهي تضم أكثر من مئة ألف مقاتل مدرّبين باحترافية عالية، وتملك الصواريخ الدقيقة والأسلحة النوعية القادرة على إصابة أهدافها على امتداد الخارطة الجغرافية من الأراضي المحتلة؟! وهل ستكون السعودية ـ كما "إسرائيل" ـ بمأمن فيما لو تطوّرت المواجهة ليشارك فيها كامل محور المقاومة من اليمن حتى فلسطين؟!

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية