قراءات سياسية » اميركا والسعودية تخسران مشروعهما لحرب اهلية لبنانية جديدة قبل ان تبدأ

صوفيا ــ  جورج حداد
في 5 حزيران 1967 شنت "اسرائيل" الحرب على ثلاث دول عربية معا هي مصر الناصرية وسوريا البعث  والاردن، وهزمت جيوش هذه الدول، وحققت اهدافها الاحتلالية، وانهت الحرب في ستة ايام، ولذلك سميت "حرب الستة ايام". اما لبنان الضعيف، الذي كانت دولته العميلة تطبق الشعار الدجاجي والخياني لحزب الكتائب "لبنان قوته في ضعفه!"، فبقي خارج عمليات تلك الحرب، لان القيادات الاسرائيلية كانت واثقة ــ كما كانت تتباهى وسائل الاعلام الاسرائيلية ــ بأن "اسرائيل" تستطيع حينما تشاء ان تحتل لبنان في بضع ساعات بنزهة على الدراجات الهوائية لـ200 مجندة اسرائيلية.
وفي 6 حزيران 1982 شنت "اسرائيل" الحرب على لبنان، وحاصرت قوات شارون "بيروت الغربية" و"الضاحية الجنوبية"، وقصفتهما بوحشية من البر والبحر والجو لاكثر من 80 يوما، قبل اجتياحهما، بمساندة ما يسمى "القوات اللبنانية" التي كان يتزعمها العميل بشير الجميل ويتزعمها اليوم العميل سمير جعجع (ومع ذلك وبالرغم من تلك الخيانة الوطنية العظمى لهذه "القوات اللبنانية" العميلة، فانها  ما تزال الى اليوم، وبصفتها الطائفية، تعتبر احد المكونات "الميثاقية" للكيانية اللبنانية).
وتمكنت "اسرائيل" في 1982 من طرد قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، بالاتفاق مع الدول الغربية وعلى رأسها اميركا، ومع جامعة الدول العربية وعلى رأسها المملكة السعودية.
ولكن تنبغي الاشارة انه لاجل احتلال لبنان في 1982 لم ترسل "اسرائيل" 200 مجندة على الدراجات الهوائية، بل اضطرت لاعلان التعبئة العامة ووضع 500 الف جندي تحت السلاح، وارسال اكثر من 120 الف جندي الى الجبهة اللبنانية.
وحتى اليوم مر على 6 حزيران 1982 حوالى اربعين سنة؛ ولكن هذه الحرب لم تنته بعد، بفضل ظهور المقاومة الشعبية المسلحة، وخصوصا المقاومة الاسلامية (الشيعية) بقيادة حزب الله (حزب ولاية الفقيه).


كل الاحداث التي جرت في لبنان خلال هذه السنوات الطويلة والقاسية، وخصوصا في بضع السنوات الاخيرة، تتمحور حول هدف رئيسي هو: السعي المحموم والمجنون لمعسكر اميركا و"اسرائيل" والسعودية والطابور الخامس "اللبناني"، للقضاء على المقاومة بقيادة حزب الشهداء والمجاهدين الابطال: حزب الله، وامينه العام القائد الوطني العربي الحقيقي الفذ سماحة السيد حسن نصرالله.
ولا بد ان نؤكد هنا، وبالخط العريض، ان "الحرب العالمية" المتمثلة في هجمة الجيش التكفيري العالمي على سوريا والعراق واعلان "دولة الخلافة الداعشية"، المدعومة من قبل اميركا ومعسكرها الغربي و"اسرائيل" وتركيا والسعودية والطابور الخامس اللبناني، ــ هذه الحرب الداعشية كان احد اهم اهدافها الرئيسية: شن الهجوم على لبنان، للقضاء على المقاومة بقيادة حزب الله.
ولكن القرار التاريخي الشجاع والحكيم لحزب الله بالتدخل الاستباقي ضد الدواعش، الى جانب الجيش العربي السوري والطيران الحربي الروسي الصديق، ساهم في اجهاض  المخطط المرسوم ضد لبنان عموما، والمقاومة فيه خصوصا.


ولكن، وبالرغم من فشل المشروع الداعشي في سوريا والعراق، واستطرادا بالرغم من فشلها في افغانستان والعراق وسوريا، فإن  الامبريالية الاميركية لم تتخل ابدا عن مخطط ضرب المقاومة في لبنان، بل بالعكس ازداد تمسكها بهذا المخطط، نظرا للنفوذ والمكانة التي تشغلها الطغمة المالية اليهودية العليا في التركيبة الامبريالية الاميركية، ونظرا لكون "اسرائيل" ــ إضافة الى الاهداف التوسعية الخاصة للصهيونية العالمية ــ اصبحت تمثل القاعدة الاولى لوجود الامبريالية الاميركية خارج حدود الدولة الاميركية، وبالاخص في النصف الشرقي للكرة الارضية.


وباعتبار ان المقاومة على الارض اللبنانية، بقيادة حزب الله، اصبحت تمتلك من الصلابة والمراس القتاليين، والعديد، والاسلحة المناسبة كماً ونوعاً، فانها تحولت الى قوة اقليمية تشكل تهديدا في الصميم لوجود الكيان الاسرائيلي، "المؤقت" كما وصفه سماحة السيد حسن نصرالله. وبكلمات اخرى، فإن تهديد وجود "اسرائيل" كأداة للامبريالية العالمية اصبح يعني في الوقت نفسه تهديد وتقويض ستراتيجية الهيمنة الدولية لاميركا. ولذلك صار يأتي في رأس مهمات الستراتيجية العدوانية العالمية لاميركا، مواجهة وضرب حزب الله، كجزء رئيسي من المواجهة الامبريالية الدولية ضد روسيا والصين وايران الثورة.


ونظرا للهزيمة النكراء لـ"اسرائيل" في العدوان الوحشي على لبنان في 2006، وفشل ستراتيجية العدوان والاحتلال الاميركية في افغانستان والعراق وسوريا، وهزيمة الحرب الداعشية، قرر دهاقنة الستراتيجية والمخابرات الاميركية الاتجاه نحو اشعال الحرب الاهلية اللبنانية من جديد، على اساس طائفي ومذهبي، توصلا الى عزل المقاومة الاسلامية (الشيعية) وضربها وتصفيتها، والتدخل العسكري "الدولي الصديق!" و"العربي الشقيق!"، لفرض "السلم الاهلي" و"الحياد" المزيف على لبنان، وتحويله الى محمية اسرائيلية.


وجدير بالملاحظة ان المخطط الاميركي لاشعال الحرب الاهلية اللبنانية من جديد لم يقم على فراغ، بل كان ولا يزال يستند الى ظروف ومعطيات واقعية "افضل" له من ظروف اشعال الحرب الاهلية اللبنانية في 1975.


ونشير هنا الى اهم هذه الظروف والمعطيات الملائمة للامبريالية الاميركية و"مملكة الشر" السعودية:  


ــ1ــ منذ اعلان الجنرال غورو "دولة لبنان الكبير"، وحتى انفجار الحرب اللبنانية، واتخاذها منحى طائفيا، في 1975، أضفيت على الكيانية اللبنانية الطائفية العميلة مسحة "مسيحية"، غلبت فيها هيمنة المارونية السياسية، التي كانت تجاهر وتتفاخر بالتبعية والعمالة للغرب الاستعماري والامبريالي، وتزوزق هذه العمالة بالشعارات البراقة المشبوهة حول "سويسرا الشرق" و"دور لبنان كجسر تواصل بين الشرق والغرب، وكناقل للحضارة الغربية"، وحول "الحياد" و"السيادة اللبنانية"، الى درجة اصبحت معها التبعية والعمالة المكشوفة للغرب الاستعماري والامبريالي مرادفة ومساوية لـ"السيادة اللبنانية" وتجسيدا لممارسة هذه "السيادة"؛ واصبحت معها معاداة الاستعمار والامبريالية والالتزام، حتى في ادنى درجات التأييد، بالقضايا الوطنية العربية وخصوصا القضية الفلسطينية، ــ اصبح ذلك يصوَّر على انه طعن لـ"السيادة" و"الاستقلال" اللبنانيين المزعومين، وتهديد "اسلامي" للوجود المسيحي في لبنان.


ولكن بركات هذه "الثقافة الخيانية" "اللبنانية" و"المسيحية" كانت مقتصرة على التبعية للدول الامبريالية الاوروبية الغربية واميركا. اما العلاقات بين المارونية السياسية والوكالة اليهودية العالمبة و"اسرائيل" فكانت لا تزال سرية ومتسترا عليها ولو كانت معروفة.


اما الان فإن العهر الخياني للطابور الخامس اللبناني بلغ ادنى درجات الوقاحة والدناءة، من حيث الاعتراف بالتطبيع والتعاون مع "اسرائيل"، واعتبار ذلك "وجهة نظر" (على حد تعبير الاعلامي المعروف مرسيل غانم) واعتبار القتال الى جانب "اسرائيل" "دفاعا مشروعا" عن "استقلال" و"سيادة" لبنان ضد "العدوان الفلسطيني" و"الاحتلال الايراني".


ولم تعد هذه "الثقافة الخيانية" المتسترة بـ"السيادة اللبنانية" تقتصر على المارونية السياسية والطائفية السياسية المسيحية فقط، بل اصبحت تشمل ايضا التطبيعيين "العرب!" و"المسلمين" و"السنية السياسية".


والترجمة الاعلامية والامنية والسياسية لذلك تعني ان الطابور الخامس اللبناني (من كل الطوائف والمنظمات والاحزاب) قد اصبح اكثر وقاحة بكثير، واكثر خطرا، واكثر استعدادا للسير في ركاب المخططات الاميركية ــ الاسرائيلية ــ السعودية ضد الشعب اللبناني، مما كان عليه في 1975.   


ــ2ــ طوال سنوات الحرب الاهلية اللبنانية من 1975 وحتى اتفاق الطائف في نهاية 1990، كانت السنية السياسية تظهر بمظهر الداعم للمقاومة الفلسطينية والحريص وحتى الوصي على القضية العربية وعروبة لبنان؛ وانطلاقا من ذلك كانت المواقف السياسية للبرجوازية السنية وتحديدا للسنية السياسية تتقارب الى حد كبير جدا مع مواقف الحركة الوطنية اللبنانية (بما فيها "حركة المحرومين ــ امل")، ضد المواقف السياسية الرئيسية للمارونية السياسية والانعزالية اللبنانية و"القوات اللبنانية" العميلة. وعلى هذه الخلفية؛ وصل التناقض فيما بين السنية السياسية والمارونية السياسية الى حد قيام "القوات اللبنانية"، وشخصيا سمير جعجع، باغتيال رئيس الوزراء السابق المرحوم رشيد كرامي.


وفي تلك المرحلة تأسس تنظيم "القاعدة" الارهابي بمبادرة وتدريب وتسليح اميركا، وبتمويل من قبل "مملكة الشر" السعودية وزعانفها الخليجية. ولكن "القاعدة" كانت لا تزال تحصر نشاطها في القتال ضد السوفيات وضد القوى الوطنية والتقدمية والدمقراطية والعلمانية، واخيرا ضد الهزارة  الشيعية في افغانستان. إلا انها ــ اي "القاعدة" ــ لم تكن بعد تمارس نشاطها الارهابي في البلدان العربية. وبعد خروج السوفيات من افغانستان عاد الوف ممن يسمون "الافغان العرب" الى بلدانهم، وبدأ تشكيل المنظمات التكفيرية الارهابية في البلدان العربية، ومنها لبنان. اما بعد احداث ايلول 2001 في اميركا، والحرب الاميركية ضد افغانستان في 2001، فقد نشط بشكل كبير جدا التيار التكفيري الارهابي الاسلامي (داعش واخواتها) في جميع البلدان العربية ومنها سوريا ولبنان. وعلى خلفية هذه الظروف المستجدة اخذت السنية السياسية اللبنانية تكشف عن بواطنها الحقيقية وتجنح اكثر فاكثر نحو الداعشية، وتقيم معها العلاقات المباشرة، خصوصا بتأثير من السعودية التي كانت تدعم داعش واخواتها، من جهة، والسنية السياسية اللبنانية من جهة ثانية. وفي الحرب مع الداعشية في سوريا فإن السنية السياسية وقفت على المكشوف الى جانب الداعشية ضد المقاومة وحزب الله الذي كان يقاتل الدواعش.


وبكلمات اخرى يمكن القول انه، وخلافا لمرحلة 1975 ــ 1990 التي كانت فيها السنية السياسية تظهر بمظهر الاعتدال، فإن جناحها المتطرف اصبح الان  "مدَعْوَشاً" بشكل مكشوف، ويحتضن الزمر  والخلايا الداعشية النائمة وغير النائمة. وهذا يعني ان الفكر التكفيري الارهابي وتنظيماته اصبح يعشش "داخل البيت اللبناني" ويمتلك قاعدة "شعبية" اوسع، واكثر خطرا بكثير مما كان عليه في لبنان في السنوات 1975 ــ 1990.


ــ3ــ في 1975 كان على رأس الحركة الوطنية اللبنانية والطائفة الدرزية الكريمة الشهيد الكبير المعلم كمال جنبلاط، الذي كانت له مأثرة كبرى وهي تحويل الحزبية التقليدية الجنبلاطية والغالبية الساحقة من الطائفة الدرزية الكريمة الى بيئة حاضنة للحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. ومع تقديم واجب العزاء والاحترام الشخصي للاستاذ وليد جنبلاط، هناك اجماع ان الفراغ الذي تركه المعلم كمال جنبلاط في الاطار الدرزي لم يملأه احد بعد لا فرديا ولا جماعيا . واذا كان كمال جنبلاط قد اخضع اللعبة السياسية عموما والطائفية السياسية الدرزية خصوصا للمبادئ الرفيعة: الوطنية والعروبية والاشتراكية والانسانية العامة، فإن وليد بك جنبلاط، وحفاظا على مكانة ومصالح الجنبلاطية والطائفة الدرزية حسب مفهومه، قد اخضع المبادئ الكمال ــ جنبلاطية للعبة السياسية التقليدية، فانزل الطائفية الدرزية والقيادة الجنبلاطية من المستوى الوطني والعروبي والانساني العام، الى المستوى الطائفي الدرزي والجنبلاطي التقليدي الضيق. واليوم هناك انقسام وجناحان في الاطار الدرزي:


ـــ جناح وطني مؤيد للمقاومة وحزب الله.


ـــ وجناح يقوده وليد بك جنبلاط "يلعب سياسة" بصورة طائفية تقليدية ومبتذلة، وهو يعارض المقاومة وحزب الله، بشكل ظاهري او باطني، ويطبّع العلاقة الجنبلاطية حتى مع "القوات اللبنانية" ذاتها، وطبعا مع اميركا، وضمنا مع "اسرائيل".


ــ4ــ في ظروف الكفاح المرير ضد الجيش التكفيري العالمي في سوريا، لجأ الى لبنان حوالى 1،5 مليون ونصف المليون نازح سوري، اغلبيتهم الساحقة هي من اوساط البيئة "الشعبية" الطائفية الحاضنة للتكفيريين والحاقدة على "الشيعة" وخصوصا على حزب الله بسبب دوره في الكفاح ضد التكفيريين في سوريا. ومع كل الحقد والعداء الذي يظهره ويبطنه عقبان وزرازير "السيادة اللبنانية"، ضد اللاجئين الفلسطينيين، وضد سوريا شعبا ودولة، فإنهم يبلعون ألسنتهم حيال النازحين السوريين. هذا من جهة. ومن جهة ثانية فإن منظمات ما يسمى "المجتمع الدولي" الذي تهيمن عليه اميركا تقدم المساعدات للنازحين السوريين في لبنان ليس لاجل تخفيف الاعبائ عن لبنان وتسهيل اعادتهم الى سوريا، بل لمساعدتهم على البقاء في لبنان. وطبعا ان ذلك لا يتم لدوافع "انسانية"؛ بل يتم، في رأينا المتواضع، لان هذه الكتلة البشرية المعادية للشيعة وللمقاومة تمثل:


اولا ــ مَدْججة كبيرة لتفريخ العناصر القتالية للقيام بالاعمال الارهابية في سوريا ولبنان.


وثانيا ــ ان هذه الكتلة البشرية تمثل جيشا احتياطيا يرفد السنية السياسية والطابور الخامس اللبناني، في حال نشوب الحرب الاهلية اللبنانية من جديد.  


ــ5ــ بناء على ما تقدم يمكن القول انه اذا كانت الحرب الاهلية اللبنانية في 1975 اتخذت في احد ابعادها طابع نزاع طائفي اسلامي ــ مسيحي، فإن الظروف الراهنة تتيح الفرصة لاعطاء مشروع الحرب الاهلية الجديدة طابع صراع طائفي مشترك (طابور خامسي: مسيحي ــ سني ــ درزي) ضد الطائفة الشيعية. وهذا يعني قطع نصف المسافة على طريق المواجهة مع حزب الله "الشيعي"، ونعته بأنه يشذ عن "الوحدة الوطنية اللبنانية"، والطعن بلبنانية "الحزب" واتهامه بأنه تابع لايران ومعاد للبنان و"العروبة النفطية"، لكونه "شيعيا" خاضعا "لولاية الفقيه" غير اللبناني!


وخلال مرحلة الصراع القاسي ضد الدواعش والتكفيريين في سوريا، والدور البارز الذي اداه حزب الله في ذلك الصراع، عبرت اميركا والسعودية عن الاستياء الشديد من انهما انفقتا عشرات مليارات الدولارات في لبنان من اجل تشويه صورة حزب الله، وتعزيز مكانتهما في لبنان، ولكنهما حصدتا الفشل. وكان من اشد دواعي استيائهما، على هذا الصعيد، مشاركة حزب الله ليس في البرلمان اللبناني فقط، بل وفي وزارة لبنانية يترأسها سعد الحريري، المفترض ان يكون "رجل السعودية الاول" في لبنان. وهذا يعني موضوعيا نوعا من "التعايش" بين حزب الله و"تيار المستقبل" الذي يتزعمه سعد الحريري، والذي تدعمه "مملكة الشر" السعودية.


وبنتيجة التشاور والتنسيق فيما بينهما فإن القيادتين الاميركية والسعودية ( بشخص ولي العهد المغامر  MBC) اتخذتا القرار بالتوجه:


اولا ــ نحو تفكيك الدولة اللبنانية ودفعها نحو ازمة وجودية، لسحب البساط من تحت اقدام المقاومة بقيادة حزب الله.


وثانيا ــ الدفع نحو اشعال حرب اهلية لبنانية (طائفية) جديدة، يكون طرفاها: تحالف طائفي ماروني ــ سني ــ درزي، من جهة، والطائفة الشيعية، من جهة اخرى.


وتكون هذه الحرب بمثابة المدخل لتدخل عسكري دولي وعربي "شرعي"، لضرب وتصفية المقاومة بقيادة حزب الله، بحجة نزع سلاح "الميليشيات الطائفية" وتحقيق "السلم الاهلي" في لبنان!
وكانت اشارة الانطلاق في تطبيق هذه الخطة الجهنمية عملية احتجاز سعد الحريري في السعودية في تشرين الاول 2017 واجباره على اعلان استقالة حكومته "اللبنانية" من الرياض، وكأنما لبنان هو تحت الوصاية السعودية(!). وتضمن كتاب الاستقالة السعدوية ــ السعودية عبارات التهجم غير المبرر على حزب الله وايران، والادعاء الافترائي لسعد الحريري بوجود خطر على حياته من قبل حزب الله.
ويقول العديد من الخبراء ان نص كتاب الاستقالة هذا لم يكن للحريري نفسه، بل ان الحريري أجبر على قراءة نص دبجته المخابرات السعودية والاميركية.  


وهناك شك، خاضع للنقاش طبعا، بأن كل عملية الحجز على سعد الحريري ثم نزع الشمع الاحمر وفك الحجز عنه  انما كانت مسرحية سياسية، شارك فيها سعد الحريري نفسه، هدفها ضرب عصفورين بحجر واحد:


اولا ــ الشروع في تخريب وتهديم المؤسسات الشرعية للدولة اللبنانية.


وثانيا ــ رفع تهمة العمالة للسعودية عن سعد الحريري، وإلباسه عباءة وطنية رخيصة لتسهيل قيامه هو وتشظيات "تياره المستقبلي" المُدَعْوَش بالدور الخياني ــ الطائفي لاحقا.  


ولقد وقف حزب الله خصوصا  واللبنانيون عموما ضد ذلك السلوك الارعن لولي العهد السعودي MBC، واعتبر رئيس الجمهورية اللبنانية ان ذلك هو تعد على السيادة اللبنانية. وبعد التدخل الشخصي للرئيس الفرنسي ماكرون تم فك الحجز عن سعد الحريري، والسماح له بالعودة الى لبنان سليما معافى، حيث اعلن التراجع عن استقالته "السعودية".


ومع ذلك، وكما بكبسة زر على الريموت كونترول، انطلقت في لبنان حملة اعلامية غير مسبوقة، مكشوفة ومبطنة، شاركت فيها حتى مراجع دينية رفيعة المستوى، ضد حزب الله  والشيعة وايران، وكأنما سعد الحريري كان محتجزا لدى الحرس الثوري في طهران وليس لدى MBC في الرياض. ورفعت الشعارات الطنانة، الخارجة للتو من مطابخ السم للمخابرات الاميركية، حول "الاستقلال" و"السيادة" و"الحياد" و"الميثاقية" و"قرار الحرب والسلم" و"النأي بالنفس" و"الاحتلال الايراني" المزعوم للبنان.


ولكن هذا الهجوم الاعلامي الشامل قد فشل فشلا ذريعا، بالرغم من مزامنته  مع الكشف عن التسلح الكثيف لحزب القوات اللبنانية وللقوات الطائفية الجنبلاطية التي لا تزال تستخدم زورا اسم "الحزب التقدمي الاشتراكي"، الذي لم يعد له شيء من الاسس والمفاهيم "الحزبية، التقدمية، والاشتراكية" التي وضعها كمال جنبلاط رحمه الله ولا غفر لقتلته من الدكتاتوريين العروبيين المزيفين، والمشبوهين بالتعامل السري مع الدوائر الاميركية والاسرائيلية.


وعلى قرع طبول الضجة الاعلامية غير المسبوقة ضد المقاومة وحزب الله والشيعة وايران، تم تفجير "ثورة الواتس اب" في 17 تشرين الاول 2019.


وردد "ثوار الزمن الرديء" شعار "الشعب يريد اسقاط النظام"، واضافوا اليه شعارا شعبويا لبنانيا "خنفشاريا" يقول "كلّن يعني كلّن"، الذي يعني تحميل جميع المشاركين في الحكومة والسلطة التنفيذية بدون استثناء، بمن في ذلك حزب الله والرئيس عون، مسؤولية تردي الاوضاع المعيشية والفساد في لبنان. وحينما طلب الرئيس ميشال عون من "الثوار!" تشكيل هيئة مختارة منهم لتقديم طلباتعم وبرنامجهم الاصلاحي، والتفاوض على اساسه مع السلطة التنفيذية، امتنعوا عن ذلك، ولكنهم تابعوا التخريب والنهب وقطع الطرقات حتى امام سيارات الاسعاف والاطفائية وباصات تلامذة المدارس.


وهنا لا بد من التوقف قليلا للنظر في الطابع السلبي والتعميمي المشبوه لشعاريْ "الشعب يريد اسقاط النظام" و"كلّن يعني كلّن":


ـــ ان الثورات الكلاسيكية الكبرى في التاريخ التي قامت لاسقاط الانظمة الرجعية والظالمة القائمة، كانت تطرح البديل الايجابي الذي تناضل لاجله: ثورة عبيد روما بقيادة التراقي سبارتاكوس في 73-71ق.م قاتلت لاجل الحرية، اي الغاء نظام العبودية وتحريم استعباد الكائن البشري. وثورة كرومويل الانجليزية في اواسط القرن السابع عشر عارضت الملكية المطلقة وأوحدية السلطة الكنسية، وناضلت لاجل الجمهورية او الملكية الدستورية البرلمانية، واباحة التعددية الكنسية. والثورة الفرنسية الكبرى وامتدادها البونابرتي في اواخر القرن الثامن عشر ومطالع القرن التاسع عشر، قاتلت لاجل الغاء الانظمة الملكية واقامة الانظمة الجمهورية، الحقوقية ــ البرلمانية. والثورة الاشتراكية الروسية الكبرى في 1917 طرحت شعار "كل السلطة للسوفياتات" (اي مجالس الحكم الشعبي المباشر) ضد الملكية والبرلمانية "التمثيلية" البرجوازية. والثورة الصينية الكبرى (1927-1949) طرحت شعار "الحكم الشعبي" (للعمال والفلاحين والجنود والمثقفين الثوريين ورجال الدين الشرفاء) ضد الحكم البرجوازي العميل للغرب الامبريالي. والثورة الايرانية في سبعينات القرن الماضي طرحت شعار اسقاط النظام الشاهنشاهي العميل واقامة الجمهورية الاسلامية.


اما في "الربيع العربي" المشؤوم الذي ادارته المخابرات الاميركية والموساد، ماذا كانت نتيجة طرح الشعار السلبي المشبوه "الشعب يريد اسقاط النظام" بدون افق ايجابي لـ"الثورة!"؟: جاء الاسلاميون الرجعيون والتكفيريون الى الحكم في تونس ومصر، واستباحوا ليبيا ومزقوها، ودمروا العراق وخصوصا سوريا.


ولو اتيح للتكفيريين التمدد الى لبنان، قبل "ثورة الواتس اب" واثناءها وبعدها، لما كانوا ابقوا فيه حجرا على حجر، توصلا الى تحقيق الهدف الرئيسي لاميركا و"اسرائيل"، وهو القضاء على المقاومة ولو كان عبر القضاء على لبنان كله.


وقد فضح واضعو سيناريو "ثورة الواتس اب" انفسهم حينما رفعوا منذ اليوم الاول لـ"الثورة!" لوحات يظهر فيها السيد حسن نصرالله والرئيس ميشال عون وحبل المشتقة يلف عنقيهما.


ولكن الموقف الحكيم لقيادة المقاومة ولوحدات الجيش والقوى الامنية، بضبط النفس وعدم الانجرار الى الاستفزازات، وفضح الاهداف التخريبية لقطع الطرقات وتعطيل حياة المواطنين واعمال التخريب والتعدي على الاملاك العامة والخاصة بدون اي مسوغ. وهذا ما ادى الى انسحاب ذلك القطاع من الجماهير المضللة، ولم يبق في الساحة الا العملاء والمخربون المأجورون، فاضطروا هم ايضا الى الانسحاب بعد ان فقدوا اي تغطية شعبية. وذهبت مجهودات "وكر عوكر" ادراج الرياح.


وبعد فشل سيناريو "ثورة الواتس اب" في ان تتحول الى "تراجيديا سورية" ثانية، اتجه خفافيش الظلام ــ بالتعاون الوثيق مع الطابور الخامس من كل الطوائف غير الشيعية، بما في ذلك مراجع دينية عليا ورؤساء وزارات سابقون ووزراء ونواب سابقون وحاليون وقادة احزاب واعلاميون "سياديون" مزيفون ورجال قضاء مسيسون ومصرفيون وماليون وتجار كبار احتكاريون ــ ، اتجهوا نحو تعطيل عمل السلطة التنفيذية (الوزارة)  والسلطة القضائية، وافقار المواطنين بشكل لا سابق له عن طريق تحطيم القوة الشرائية للعملة الوطنية، واعمال التخريب  التي تقيد ضد "مجهول" كحريق مستودع البنزين في عكار، وحرائق الغابات، و"الانفجار اللغز" في مرفأ بيروت، وذلك بالتزامن مع الحصار السياسي والمالي والمعيشي والاقتصادي الذي اخذت تطبقه اميركا و"مملكة الشر" وزعانفها الخليجية ضد لبنان.


وعلى هذه الخلفية التخريبية الوطنية العامة، شرعت خفافيش الظلام في تنفيذ اعمال استفزازية موجهة مباشرة ضد المقاومة وبيئتها الاجتماعية، بهدف جر المقاومة الى الرد العسكري على الاستفزازات، للسير بالمخطط التآمري الى نهايته.


ونذكر من الاعمال الاستفزازية ضد المقاومة وجمهورها: حادثة مغدوشة وعنقون، وحادثة شويا، وكمين خلدة الذي شارك فيه قناصة دواعش في قتل مشاركين في جنازة احد رجال المقاومة، وذلك في اب 2021. واخيرا لا اخرا المجزرة التي ارتكبها قناصة حزب القوات اللبنانية في الطيونة، ضد مظاهرة سلمية في تشرين الاول 2021، كان قد دعا اليها حزب الله للاحتجاج على تحيز واستنسابية القاضي طارق البيطار المولج بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، والمدعوم من قبل السفارة الاميركية.


ولكن كل هذا المخطط الاميركي ــ السعودي لاشعال حرب اهلية طائفية جديدة في لبنان، ضد الطائفة الشيعية، ومن خلالها ضد المقاومة، قد فشل تماما للاسباب الرئيسية التالية:


ــ1ــ ان المقاومة لم تنجر الى الاستفزازات، وتهاجم الطابور الخامس في "مناطقه الطائفية"، كي تبدأ الولولة وطلب التدخل الخارجي.


ــ2ــ ان القوات الطائفية الطابورخامسية لم يكن بامكانها مهاجمة المناطق الشيعية لانها في هذه الحالة ستنفضح تماما سياسيا، وتسحق تماما عسكريا ربما في غضون ساعات.


ــ3ــ ان الطابور الخامس لم يعد حرا في الانفراد بالتحرك باسم الطوائف المسيحية والسنية والدرزية، حيث انه هناك انقسام عميق داخل هذه الطوائف وقسم كبير منها يدعم خط المقاومة ويعارض الطابور الخامس ويقف بوجهه حتى بالسلاح.


ــ4ــ تشير الدلائل انه في حال نشوب اضطراب عام فإن القوات المسلحة للدولة اللبنانية (الجيش وقوى الامن) لن تقف الى جانب الطابور الخامس الموالي لـ"اسرائيل" بل الى جانب المقاومة. وفي حال حدوث انقسام في القوات المسلحة فإن 90% منها سيقف الى جانب المقاومة.


ــ5ــ اصبح من شبه المستحيل على الطابور الخامس ان يعمد الى ارتكاب اعمال تخريبية وارهابية واضطرابات ونشر فوضى عشوائية لتبرير طلب تدخل دولي ووضع لبنان تحت وصاية دولية ــ عربية تابعة للامبريالية الاميركية والغربية. ذلك ان الاوضاع الدولية قد تغيرت تماما عما كانت عليه في مرحلة الحرب الاهلية اللبنانية (1975ــ1990). والمحور الشرقي الجديد (روسيا والصين وايران) لن يسمح بأي تدخل امبريالي غربي ضد الشعب اللبناني المقاوم؛ والقاعدة الجوية الروسية في حميميم بسوريا تبعد بضع دقائق طيران فقط عن الجغرافيا اللبنانية، والغواصات الروسية تستجم في المياه الدافئة لشرقي المتوسط.


والان تشير الدلائل ان الجبهة الاميركية ــ السعودية ــ اللبنانية الطابورخامسية اخذت تلمس الفشل الذريع لمخططها لتخريب وتدمير لبنان واشعال حرب اهلية جديدة فيه، وهي تتراجع وتميل الى "تهدئة اللعبة!"؛ ولكن هذا لا يدعو الى الاطمئنان والاسترخاء، بل الى المزيد من اليقظة وشن هجوم مضاد، اعلامي ــ سياسي ــ قضائي، ضد جميع اعداء الجماهير الشعبية اللبنانية الداخليين والخارجيين!  
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية