أوراق إستراتيجية » التنافس السعودي ـ الإيراني ومستقبل أمن الشرق الأوسط


الدكتور و. أندرو تيريل
(الكلية الحربية للجيش الأميركي ـ Strategic Studies Institute  SSI)، كانون الأول، 2011
مقدمة
يمر الشرق الأوسط الآن بحقبة تغيير ثورية تتحدى السياسات الخارجية للولايات المتحدة وكل الدول الإقليمية عملياً. في هذه البيئة الجديدة، الفرص والتحديات موجودة بالنسبة لعدد من الدول الإقليمية ومن خارج المنطقة لجهة الدفع بمصالحها الوطنية قدماً، في الوقت الذي تحاول فيه تهميش تلك التي لمنافسيها. برغم هذه التغييرات الحاصلة، لم تبدل تونس، مصر، وليبيا بعض الجوانب الأكثر أساسية للوضع الإقليمي للشرق الأوسط. إن أهم المنافسات التي تحدد المشهد الإستراتيجي للشرق الأوسط هي الحاصلة ما بين إيران والسعودية. فالتنافس بين هاتين الدولتين قديم، لكنه يكتسب أهمية خاصة الآن. إن العلاقات السياسية التي صمدت لعقود، كتلك التي بين إيران وسوريا، تبدو الآن في خطر، اعتماداً على الكيفية التي ستفقد بها النزاعات الحالية قوتها. وبالتالي يمكن لهذا التنافس أن يصبح أعلى في بيئة من الاضطرابات الثورية.
في هذه المقالة الدراسية، يدرس الدكتور و. أندرو تيريل قضية تنافس قديم وهو يتحول إلى بيئة جديدة. فقد كانت السعودية وإيران في حالة تنافس منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 على الأقل. وكما يشير دكتور تيريل، لقد اتخذ هذا التنافس أشكالاً مختلفة وكان شديداً، بشكل خاص، في أعقاب الثورة الإيرانية. أما بظل الرئيس الإيراني محمد خاتمي ( 1997-2005)، فقد قل التنافس الى حد ما، لكن الانفراج الدائم لم يكن ممكناً بسبب حركة ارتجاعية داخل النظام السياسي الإيراني. فالخلافة الرئاسية لمحمود أحمدي نجاد أضرت بالعلاقات أكثر وسجلت العلاقات السعودية – الإيرانية تراجعاً خطيراً، على خلفية التدخل بقيادة السعودية في البحرين بشكل خاص. ولأن التنافس السعودي – الإيراني يجري في مختلف البلدان المهمة بالنسبة للولايات المتحدة، فإن مسألة فهم ووعي الدوافع والقضايا المرتبطة بهذا التنافس مسألة هامة بالنسبة لصناع السياسة الأميركيين. ويحدد الدكتور تيريل النزاع، بوضوح،على أنه موجود على امتداد المنطقة، مشتملاً على دول بعيدة كمصر، البحرين، اليمن، لبنان، سوريا، وخاصة العراق، حيث الولايات المتحدة تستعد لسحب كل جنودها تقريباً. ويشير أيضاً إلى أنه في الوقت الذي تتداخل فيه المصالح الأميركية مع تلك التي للسعودية، فإن الحال لا يكون كذلك دائماً. فالسعودية والولايات المتحدة تعملان معاً، غالب الأحيان، في سعيهما لاحتواء النفوذ الإيراني، إلا أن السعودية ملَكية بحتة أيضاً وهي تتعارض مع الديمقراطية العربية أو مع أي إصلاح ديمقراطي للأنظمة الملكية الموجودة.
يسر "معهد الدراسات الإستراتيجية"تقديم هذه المقالة الدراسية كمساهمة منه في الجدل الأمني القومي القائم حول هذا الموضوع الهام، حيث إن أمتنا مستمرة بالتصارعمع مختلف المشاكل المرتبطة بمستقبل الشرق الأوسط والتحدي المستمر بشأن الدفع بالمصالح الأميركية قدماً في زمن الاضطرابات في الشرق الأوسط. ينبغي أن يكون هذا التحليل مفيداً، بشكل خاص، للقادة الإستراتيجيين الأميركيين والاختصاصيين في الإستخبارات الأميركية وهم يسعون إلى التعامل مع التفاعل المعقد للعوامل المتصلة بقضايا الأمن الإقليمي، وانسحاب القوات الأميركية من العراق، ومكافحة الإرهاب، وتوفير الدعم للحلفاء المحليين. هذا العمل قد يفيد أيضاً أولئك الساعين إلى فهم أفضل للقضايا الشرق أوسطية والأمن العالمي على المدى الطويل. نأمل في أن يكون هذا العمل مفيداً لكل الوكالات، إضافة الى مسؤولين حكوميين أميركيين آخرين منخرطين في مجال التخطيط العسكري والمساعدات الأمنية.
دوغلاس س. لوفلايس، جونيور
مدير معهد الدراسات الإستراتيجية
موجز
غالباً ما تصرفت السعودية وإيران كمتنافسين جديين بغرض النفوذ في الشرق الأوسط، خاصة في منطقة الخليج، وذلك منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 والحرب العراقية - الإيرانية 1980-1988. وفي حين تعرّف كل من الدولتين عن نفسها بأنها دولة إسلامية، فإن الاختلافات والتباينات الموجودة في سياساتهما الخارجية بالكاد تكون أكثر دراماتيكية. فالسعودية، من جوانب عديدة، قوة إقليمية قائمة واقعاً، في حين أن إيران تسعى إلى وجود تغيير ثوري على امتداد منطقة الخليج والشرق الأوسط الكبير بدرجات مختلفة من الشدة. ولدى السعودية أيضاً علاقات قوية مع دول غربية، في حين تعتبر إيران الولايات المتحدة عدوها الأخطر. وربما يكون أهم اختلاف موجودبين البلدين هو أن السعودية دولة عربية إسلامية سنية محافظة، في حين أن إيراندولة شيعية غالباً ما يعتبر كبار السياسيين فيها بلدهم بمثابة القائد الطبيعي للشيعة والمدافع عنهم على امتداد المنطقة. وقد كان التنافس بين الرياض وطهران منعكساً في الحياة السياسة لعدد من البلدان الإقليمية حيث تمارس هاتان القوتان نفوذهما.
أدخلت موجة تظاهرات 2011 المؤيدة للديمقراطية والمعادية للأنظمة، المعروفة بالربيع العربي، هواجس جديدة لكل من السعودية وإيران وجعلتهما يأخذانها بعين الاعتبار ضمن إطار عمل أولياتهما الإقليمية. لم يكن أي من مصالح الحكومتين الحيوية معنياً بنتيجة النزاع في تونس حيث بدأ الربيع العربي، إلا أن القيادتين أصبحتا مهتمتين بهذه الأحداث بشكل خاص ما إن انتشرت الاضطرابات لتصل الى مصر. وبينما راقبت السعودية طرد الرئيس المصري حسني مبارك برعب، رأت القيادة الإيرانية بعض الفرص المحتملة في ذلك. أما قرار الرياض في أواخر أيار منح مصر 4 مليارات دولار بشكل قروض ومنح فقد أصبح ، وبسرعة، حافزاً للقاهرة لدرس الأولويات السعودية، خاصة في ضوء العائدات السياحية المصرية المتضائلة وتوقف الاستثمارات الغربية الخاصة في الاقتصاد المصري. ويواصل البَلدان جهودهما لتحسين علاقاتهما مع مصر ما بعد مبارك، رغم أن الموارد المالية للسعودية تعطيها أفضلية في النزاع حول النفوذ.
تسعى إيران لتوسيع قوتها في الخليج، الذي هو مجال تنافس أساسي بين الدولتين. وغالباً ما تحاول السعودية، ودول خليجية بدرجات مختلفة، احتواء مطلب إيران بالهيمنة. وفي النزاع حول النفوذ الخليجي، حافظت السعودية، بشكل ثابت، على مستوى أعلى من إيران في مجال النفوذ والسلطة السياسة لدى دول إقليمية، وعلى نطاق واسع. أما إيران فلا يمكنها أن تأمل حالياً بالتفوق على النفوذ السعودي في الخليج، لكنها تسعى بالفعل للتأثير على دول عربية خليجية وهي مهتمة بشكل خاص بالضغط عليها للتقليل من علاقاتها العسكرية مع الغرب أو إلغائها. وفي السنوات الأخيرة، يبدو التوتر السني – الشيعي في الخليج وقد بدأ يتصاعد لأسباب عديدة. ووصلت المشاكل من هذا النوع الى درجة عالية مع التدخل العسكري السعودي في آذار 2011 في البحرين. بالنتيجة، من المرجح، على نحو متزايد، أن يشتد التنافس بين الرياض وطهران في المستقبل القريب. وفي هذه البيئة، سيكون صناع السياسة ومسؤولي الإستخبارات الأميركيين، بالمقابل، بحاجة لأن يكونوا واعين لاحتمال أن السعودية قد تبالغ في تقدير التورط الإيراني في أية أزمة إقليمية وتدمج أحياناً الحزم والإصرار الشيعي مع النشاط والفعالية الإيرانية على أساس صياغتها الخاصة لتحليل أسوأ الحالات ومن دون وجود دليل كبير.
 كانت سوريا الحليف العربي الأقرب لإيران، وكانت إيران تراقب الإضطرابات الشعبية لعام 2011 في سوريا برعب كبير. ويعتقد القادة السوريون بأن بلدهم هو، أو يمكن أن يصبح، الشريك الأصغر في العلاقة مع إيران، وقد إختلفت دمشق مع طهران حول مروحة من القضايا الهامة ضمن سياق شامل من التعاون والعلاقات الصديقة، أما العلاقة السورية مع الرياض فمختلفة. فقد حافظت السعودية، كملكية، على تقليد طويل من عدم الثقة تجاه سوريا، التي تعرِّف عن نفسها بأنها جمهورية وفي بعض الأحيان بأنها نظام ثوري. وفي حين كان السعوديون مستعدين للعمل مع دمشق أحياناً، فإنهم في نفس الوقت ليس لديهم الكثير من الأمور المشتركة مع الحكومة السورية والتي تتخطى مسألة العروبة.وفي الآونة الأخيرة، كانت السعودية وإيران بحاجة لدرس الكيفية التي ستؤثر بها الاضطرابات في سوريا على مصالحهما. فطهران هي التي ستخسر أكثر، وهذا واضح، وهي في الغالب تقف إلى جانب حليفها السوري. لقد كانت سياسة الانفراج السعودية السابقة مع دمشق هامة، إلا أن الرياض لم تعتبر يوماً نظام الأسد حليفاً لها ويتوقع أن تكون مسرورة برؤية طهران تخسر أهم شريك عربي لديها إذا ما سقط هذا النظام. أما من الناحية السلبية، فل تعتبر الرياض، بالتأكيد، الاضطرابات في سوريا بمثابة انتصار سعودي مطلق وحاسم إذا ما تمت الإطاحة بنظام الأسد وحلت مكانه حكومة معادية لإيران. فالقيادة السعودية تبقى محافظة ومتطرفة ولديها، بالمقابل، نظرة قاتمة بشأن الهيجان الثوري والديمقراطية العربية، رغم أن الرياض ستسعى بالتأكيد الى الحفاظ على مستوى عال من النفوذ لدى أية حكومة ما بعد الحكومة البعثية. وإذا ما تمت الإطاحة بالرئيس الأسد، فستسعى الولايات المتحدة الى العمل مع السعودية ودول صديقة أخرى للتأكد من ألا تنجو العلاقات الماليةوالعسكرية السورية مع إيران من التحول.
وفي مزايدة كبرى لتعزيز نفوذها الإقليمي، حاولت طهران إبراز نفسها كقوة قيادية تدعم الحقوق الفلسطينية وتعارض إسرائيل من خلال وسائل مختلفة، بما فيها تزويد المتشددين الفلسطينيين بالسلاح والمال. وبذلت السعودية جهوداً عديدة لمساعدة الفلسطينيين واستخدمت مواردها المالية ونفوذها السياسي لصالحهم، لكنها عملت أيضاً كراعٍ رئيسي لخطة سلام الجامعة العربية التي كانت ذات أهمية بالنسبة لبعض القادة الإسرائيليين. وتحافظ الرياض على علاقات سياسية طبيعية مع كلا الفريقيْن السياسييْن الفلسطينييْن الرئيسييْن، فتح وحماس، وهذه الأخيرة كانت الولايات المتحدة قد سمتها منظمة إرهابية. وقد انحدر النفوذ السعودي لدى حماس بشكل ثابت في السنوات الأخيرة وحل مكانه، بشكل كامل تقريباً، النفوذ الإيراني. أما في أماكن أخرى من الشرق، فهناك أعداد كبيرة من شيعة لبنان يعتبرون إيران حليفاً هاماً قدم دعماً لا يستهان به للبنانيين في مقاومتهم ما يقولون بأنه عدوان إسرائيلي. في هذه البيئة، ستكون الولايات المتحدة راغبة، بالتأكيد، بمواصلة عملية سلام الشرق الأوسط بسبب قيمتها الحقيقية والجوهرية ولتقويض جهود إيران الآيلة الى تعزيز دورها في لبنان والأراضي الفلسطينية.
إن مستقبل العراق هاجس مركزي بالنسبة لكل من السعودية وإيران، بالإضافة الى الولايات المتحدة. فالانسحاب المخطط له للجيش الأميركي من العراق سيعقد مسألة التنافس السعودي – الإيراني في المنطقة أيضاً. فقد يغير رحيل الجنود الأميركيين، جذرياً، الطرق التي تساعد بها دول إقليمية مناصريها العراقيين. فبعدما تسحب الولايات المتحدة ما تبقى من قواتها العسكرية من العراق، سيكون من الصعب على السعودية وحكومات ملكية خليجية سنية أخرى البقاء سلبية إذا ما استمرت إيران بتسليح الميليشيات الشيعية العراقية. أما إحدى أكثر الطرق إقلاقاً التي تفرض فيها إيران نفوذها في العراق فهي من خلال المنظمات الميليشياوية الشيعية المختلفة المنخرطة في الأعمال الإرهابية والتي تقوم بضرب الجنود الأميركيين وأهداف أخرى داخل العراق. هذه الميليشيات الموالية لإيران تدعى أحياناً بـ " المجموعات الخاصة".ولدى إيران نفوذ لا يستهان به لدى هذه المجموعات وهي توفر السلاح والتدريب لبعض هذه القوات من خلال نخبة الحرس الثوري الإيراني، قوات القدس.
أخيراً، ينبغي أن يكون الديبلوماسيون والقادة العسكريون الذين يتعاملون مع العراق مستعدين لمحاولات إيرانية للاستفادة من الخلافات الجدية ما بين الرياض وبغداد بعدما تسحب الولايات المتحدة جنودها من العراق. ولاحتواء إيران في الوقت الذي يتم فيه دعم الاستقرار والديمقراطية، ينبغي للولايات المتحدة أن تكون مستعدة للوساطة ما بين السعودية والعراق والحد من الجهود الإيرانية لحشر نفسها في هكذا عملية. وبما أن الهواجس السعودية الأساسية قد تشمل إجراءات الحكومة العراقية في المناطق العربية السنية، فسيكون على الولايات المتحدة أن تكون واعية ومدركة للقضايا الموجودة في تلك المناطق، وأن تكون مستعدة لدعم الإجراءات الآيلة إلى زيادة استعداد العرب السنة للمشاركة في النظام السياسي إلى جانب الاستعداد الشيعي والكردي لتقاسم السلطة.
التنافس السعودي – الإيراني ومستقبل أمن الشرق الأوسط
المقدمة
تعتبر كل من السعودية وإيران نفسيهما متنافسيْن جدييْن على النفوذ في الشرق الأوسط، وتحديداً منطقة الخليج، وذلك منذ الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979 والحرب العراقية- الإيرانية 1980-1988 على أقل تقدير، وذلك عندما قدمت الرياض دعماً ديبلوماسياً ومالياً قوياً إلى بغداد. وقد تقلبت طبيعة هذا التنافس بشكل هام وبارز في العقود الأخيرة منذ قيام الثورة الإيرانية، وقارب التنافس مستوى الحرب الباردة في السنوات التي تلت مباشرة طرد الشاه الإيراني الأخير على يد الثوريين الإسلاميين. وفي السنوات الأخيرة، كان التعاون المحدود بين هاتين الدولتين أمراً ممكناً ضمن جو شامل من الشك والمنافسة. مع ذلك، وحتى في المراحل القوية في هذه العلاقة، فإن التعاون بين هاتين الدولتين يكون مخضباً بالشك دائماً تقريباً. إضافة الى ذلك، وفي العام 2011، أخذت العلاقة السعودية- الإيرانية منحىً دراماتيكياً باتجاه الأسوأ بسبب الخلافات القوية حول موجة الاضطرابات المعروفة بالربيع العربي وبسبب التدخل العسكري في البحرين بقيادة السعودية لدعم الملكية البحرينية.
غالباً ما يتغذى التنافس بين الدولتين على الاختلافات والتباينات الإيديولوجية والجغرافية الهامة التي يمكن أن تصبح أكثر حسماً في زمن الاضطرابات الإقليمية. فالسعودية تحكمها ملكية إسلامية سنية بحتة ذات أجندة سياسية غالباً ما تركز على الاحتفاظ بالوضع القائم في منطقة الخليج. وتعمل القيادة السعودية بشكل وثيق مع حكومات ملكية عربية خليجية أصغر منها لتحقيق هذا الهدف؛ متحملة بعض الأحيان دور" الأخ الكبير صاحب النوايا الحسنة"، المتعجرف بعض الشيء.
هذا التنسيق يتم تنفيذه، وعلى نحو متواتر، من خلال مجلس التعاون الخليجي، منظمة من ست دول مشكلة بكاملها من الملكيات العربية الخليجية ومركزها الرياض. وكجزء من توجهها التقليدي الراسخ القديم، تبدو القيادة السعودية غير مرتاحة لفكرة توسع الديمقراطية الإقليمية، وغالباً ما تنظر بتوجس إلى إمكانية حلول حكومات راديكالية، ليبرالية، أو شعبية محل الحكومات الملكية أو الدول المحافظة الأخرى. إن العائلة المالكة السعودية غير مستعدة لتقاسم السلطة مع هيئات منتخبة في بلدها وسعت للضغط على حكومات ملكية أخرى لرفض هذا الخيار وبذلك تجنب ما تعتبره الرياض نوعاً من المثال الخاطئ. وبالعكس، نادراً ما تسعى إيران للدفاع عن الوضع الإقليمي القائم بما يتعلق بالحكومات الملكية الموالية للغرب، رغم أنها تحافظ على مستوى متفاوت من الالتزام إزاء التبدلات الثورية على امتداد الشرق الأوسط.هذا الالتزام مبني عادة على الظروف الإقليمية المسيطرة والسائدة وعلى الدرجة الذي يبدو فيها التغيير المحتمل في مختلف البلدان الشرق أوسطية مفيداً لطهران. أما العامل الآخر المؤثر على السياسة الخارجية الإيرانية فهو وجود نزاعات مستمرة حول السلطة في طهران، حيث غالباً ما يعمل مختلف القادة وفق أهداف متقاطعة لأسباب مختلفة والتي تشمل جهوداً فائقة البراعة والدهاء لإضعاف أخصامهم ومنافسيهم السياسيين. إيران بلد غير عربي وغير سني، وهذان العاملان مهمان في التفاعل الإيراني مع السعودية ودول عربية أخرى. عموماً، تسعى إيران إلى التخلص من النفوذ الأميركي في المنطقة، رغم أن بإمكان القادة الإيرانيين رؤية قيمة محدودة، أحياناً، في الديبلوماسية الإقليمية الأميركية في تلك المناسبات القليلة التي تتداخل فيها المصالح الإيرانية والأميركية إلى حد ما.
غالباً ما تؤثر القضايا المذهبية على التوجهات السياسية لكلا البلدين. إذ لم يكن معروفاً عن السعودية مطلقاً التزامها القوي بالتنوع الديني حتى داخل المجتمع الإسلامي. بالواقع، إن المجتمع السعودي يعتنق، بغالبيته، صيغة محافظة ومتشددة للإسلام معروفة عادة في الغرب بالوهابية، رغم أن المنتمين لها يفضلون مصطلح الموحدين أو السلفيين. وبحسب ما يقول توماس هيغهامر، باحث في الإسلام السياسي، فإن علماء الدين السعوديين السائدين غالباً ما كانوا يعتبرون الناس من غير المذهب الوهابي بأنهم غير مسلمين وذلك على امتداد التاريخ القديم للمملكة. هذه المقاربة تغيرت في الخمسينات عندما اجتمع المفتي الأعلى السعودي مع كبار الزعماء الدينيين غير الوهابيين من المجتمع العربي السني خارج السعودية. ورغم هذا الاختراق، فقد بقيت الرؤى السعودية للمسلمين الشيعة، غالب الأحيان، مستنكرة في الزمن المعاصر. لذا، فإن السعودية غالباً ما توصف بأنها ضد تفويض الشيعة وإعطائهم سلطات واسعة على امتداد المنطقة، وهي قلقة من أن تتمكن الأقلية الشيعية لديها البالغ تعدادها مليونيْ نسمة من البروز كمصدر صعوبات متكررة بالنسبة للحكومة. بالمقابل، غالباُ ما يميل القادة الإيرانيون الى رفض الفروقات بين السنة والشيعة علناً، إلا أن دعمهم الدائم والثابت لأفرقاء شيعة إزاء أي نزاع يطرح التزاماً أعمق تجاه أفراد مذهبهم الشيعي. إذ غالباً ما تعتبر إيران نفسها بأنها القائد المدافع عن حقوق الشيعة، رغم أنها لا تعتبرأن هذا هو دورها الإقليمي الوحيد الهام. بالأحرى، غالباً ما يعتبر القادة الإيرانيون بلدهم دولة إقليمية أساسية تقف كقائد هام للعالم الإسلامي.
برغم تنافسهم مع الرياض،يعتبر الإيرانيون أن الولايات المتحدة هي المنافس العسكري الأخطر بالنسبة لهم على النفوذ في المنطقة، وليس السعودية. بالمقابل، غالباً ما تجد إيران نفسها في موقف صعب في معارضتها أهداف السياسة الخارجية السعودية بينما تكون تسعى إلى تجنب دفع الولايات المتحدة والسعودية باتجاه علاقة سياسية أوثق. في هذه البيئة، غالباً ما كان يجد الإيرانيون أن من الضروري طمأنة السعوديين علناً أنهم لا يتمنون لهم سوى الخير. بالأحرى، هم يصرون على القول إن الولايات المتحدة تسعى الى "خداع" دول الخليج وجعلهم يعتقدون بأن الجمهورية الإسلامية تشكل تهديداً في الوقت الذي هي ليست كذلك. ومن نواحٍ، يعكس التنافس الموجود بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي التنافس الموجود بين إيران والولايات المتحدة، في الوقت الذي تتباين وتختلف فيه هذه المنافسات من نواح أخرى. فكلتا القيادتين واعيتان ومدركتان للطرق التي بإمكانهما السعي بواسطتها للحصول على مكاسب عن طريق الحفاظ على حوار مدني مع الفريق الآخر عندما يكون الأمر ممكناً. وغالباً ما يكون الإيرانيون على طرفي نقيض مع السعودية وحلفائها، لكنهم يسعون أحياناً الى استعراض تلك المعارضة بطرق تركز، في غالبيتها، على انتقادهم للولايات المتحدة. بالمقابل، تظل السعودية متنبهة للخطر من أن تتسبب معارضة حازمة لإيران بتصعيد أعمالها العدائية. وفي مراحل مختلفة من هذه العلاقة، قدمت الرياض، حتى، تعليقات مطمئنة حول النوايا السلمية لإيران وحصلت زيارات على مستوى رفيع بين البلدين.
 إضافة لذلك، لا طهران ولا الرياض محصنتان ضد الاضطرابات السياسية التي تكتسح الشرق الأوسط الآن. فقد شهدت السعودية مستوى محدودا ًمن النقمة السياسية خلال الربيع العربي، في حين اختبرت إيران اضطرابات خطيرة في العام 2009 عقب انتخاباتها الرئاسية المثيرة للجدل التي جرت في حزيران، التي فُهمت، على نطاق واسع، بأنها انتخابات "مسروقة" من قبل حكومة أحمدي نجاد. ويبدو أن السعودية قد احتوت اضطرابات محلية جدية عن طريق تقديم برامج ذات مكاسب اقتصادية جديدة وضخمة لمواطنيهاوالمصممة لزيادة رهاناتهم على النظام السياسي الحالي. أما إيران، بالمقابل، فقد استخدمت القمع لتهزم" الحركة الخضراء"، التي دعت إلى إحداث إصلاحات أساسية وسحب المصادقة على الفوز محل الجدل المتعلق بإعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في أعقاب أزمة انتخابات 2009 مباشرة. سيقوم كلا البلدين بالحد الممكن، بتعديل سياساتهما المحلية والخارجية لضمان بقاء النظام في مواجهة الاضطرابات الإقليمية.إن الاستبدال المستقبلي لأي من حكومتي البلدين أو كليهما، إذا ما حدث ذلك، سيبدل، ربما، من حالة التنافس بينهما بدلاً من إلغائها، هذا التنافس المبني على عوامل مختلفة إضافة إلى النظاميْن المختلفيْن للحكومتيْن.
خلفية العلاقات السعودية- الإيرانية
أطاحت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 باستبداد موالٍ لأميركا واستُبدلت حكومته بنظام إسلامي متطرف ما أرعب كلاً من الولايات المتحدة والسعودية. بعد تحقيق الوصول الى السلطة، قام الثوار الإيرانيون، وبسرعة، بتثبيت أنفسهم كمعارضة قوية لمؤسسة الملكية ( التي كانوا قد وضعوا حداً لها لتوهم في بلدهم) بالإضافة الى معارضتهم للسياسة الخارجية السعودية وتلك التي لدول الخليج الصغيرة الموالية لأميركا. وفي تشرين الثاني 1979، وبعد وقت قصير من نجاح الثورة الإيرانية، اندلعت اضطرابات خطيرة في أوساط الشيعة في المحافظة الشرقية للسعودية، التي بدأت مع موكب ديني غير قانوني للاحتفال بذكرى عاشوراء الشيعية الهامة. هذه النشاطات الدينية كانت بمثابة هامش سياسي بالنسبة لهم، وحمل بعض أفراد الحشود صوراً لقائد الثورة الإسلامية الإيرانية ، آية الله روح الله الخميني، بالإضافة إلى لافتات تشجب الحكومة السعودية والولايات المتحدة. وعندما حاولت السلطات السعودية تفريق الحشود، نجم عن ذلك ثلاثة أيام من الشغب، بلغت ذروتها بحصول أضرار هامة في الممتلكات. وتم استدعاء الحرس الوطنيالسعودي عندها لقمع أعمال الشغب، الأمر الذي حصل لكن مع سقوط عدد من الضحايا. واعتبرت الرياض أن إيران هي المحرضة على هذه المشاكل.
وفي السنوات الحماسية الأولى التي تلت الثورة الإسلامية، وجهت إيران مقداراً كبيراً من بروباغنداها التحريضية ضد السعوديين وضد ما كان يسميه الإيرانيون الإسلام الأميركي في الرياض. أما الذي زاد من وتيرة الخلاف فهو قيام حجاج إيرانيين، في أوائل الثمانينات، بحسب ما قيل، بالتشويش على موسم الحج في مكة في السعودية، الحج الواجب على كل مسلم القيام به مرة واحدة في العمر على الأقل. هذه المشكلة أصبحت أزمة في العام 1987 عندما أدت جهود المتظاهرين الإيرانيين إلى مقتل أكثر من 400 شخص وذلك عندما تحولت التظاهرات الى أعمال شغب. وألقت إيران باللائمة على السعودية بشأن الحادث وفي بحر من الإهانات طالبت بتحويلونقل وصاية الرياض على الأماكن المقدسة الى الجمهورية الإسلامية. أما السعودية، التي تتحكمبشكل دقيق بدخول الأجانب الى المملكة، فلم يكن لديها خيارات كثيرة عدا القبول ببعض المسلمين الإيرانيين الساعين لأداء واجبهم الديني على الأقل، لكن الرياض انتقلت بشكل دراماتيكي الى تقليص عدد الإيرانيين المسموح لهم بالدخول الى المملكة لأجل الحج عقب هذا الحدث. بعد وفاة آية الله الخميني في العام 1989، تحسنت العلاقات تدريجياً بين السعودية وإيران، وذلك مع القادة الذين جاؤوا بعد الخميني بمن فيهم علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، اللذين برهنا على أنهما أقل إثارة للجدل من سلفهما. وقد سعى خاتمي، تحديداً، إلى تحسين العلاقات مع الرياض وإنهاء التخريب والأعمال السرية الإيرانية الموجهة ضد السعودية. وفي العام 1999، أصبح خاتمي أول رئيس إيراني في منصبه يزور السعودية، حيث استُقبل بكياسة ولباقة. مع ذلك، لم يكن الرئيس خاتمي ولا رفسنجاني قادرين على السيطرة على المتشددين بالكامل، وظل الحرس الثوري الإيراني قادراً على إدارة الأعمال السرية في بلدان أجنبية، بما في ذلك السعودية، من دون استشارة الرئيس، الذي لم يكن رئيس أركانهم ( القائد الأعلى هو الذييكون، دستورياً، على رأس سلسلة قيادة الحرس الثوري الإيراني ). ومنذ العام 1989 ومنصب القائد الأعلى يحتله آية الله علي خامنئي المحافظ والمشكك بالإصلاح.
كانت جهود خاتمي الهادفة الى تحسين العلاقات مع العربية السعودية مدفوعة أكثر بسبب الجهود الأميركية المتقطعة لإقناع دول الخليج بزيادة دورها بعزل إيران بسبب دعمها للإرهاب والشكوك المتعلقة ببرنامج الأسلحة النووية الإيرانية السرية. وقد تزايدت الجهود الديبلوماسية الأميركية ما إن تنامت الهواجس حول البرنامج بمرور الوقت، في الوقت الذي لم يجعل فيه محمود أحمدي نجاد، الذي خلف خاتمي كرئيس، مسألة تحسين العلاقات مع الرياض أولوية. ويبدو أن هذا الفشل قد أدى إلى نتائج متوقعة. ففي أوائل العام 2010، دعا وزير الدفاع الأميركي آنذاك روبرت غايتس ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون دول الخليج لاستخدام نفوذها مع الصين للمساعدة في إقناع بيكين بالموافقة على عقوبات قاسية من قبل مجلس الأمن الدولي ضد إيران. أما السعودية، من جانبها، فقد ظهرت متشككة، علناً، حيال العقوبات المتزايدة ومن أن هذه العقوبات ستؤدي الى إبطاء البرنامج النووي الإيراني ولم تظهر مصلحة علنية لديها بالاقتراب من الصين حول هذه القضية. أما في المجالس الخاصة فربما كانت الأمور مختلفة. وقد ذكرت مصادر صحفية مختلفة أن وزير الخارجية الأمير سعود قام بمجهود سري لتشجيع الصين على دعم العقوبات. كما صرح وزير الدفاع الأميركي غايتس أيضاً، من دون الإفصاح عن تفاصيل، بأنه تبين وجود استعداد سعودي متزايد لاستخدام علاقاتهم التجارية مع الصين لدفع بيكين إلى إبعاد نفسها عن إيران. في أي حال، وافقت الصين على جولة رابعة من العقوبات الدولية، بما في ذلك قرار الحظر الشامل على السلاح الذي مرره مجلس الأمن في حزيران 2010. وبقيت هناك حدود مستوى الدعم الصيني لجهود معاقبة إيران، وانتقدت بيكين لاحقاً الرئيس باراك أوباما لتوقيعه قانوناً يفرض عقوبات أميركية أحادية مكلفة.
 هذه الأحداث تعتبر عادية. فغالباً ما وجدت الرياض نفسها تتنقل ما بين أولويات السياسة الأميركية والحفاظ على مستوى ما من العلاقات الطبيعية مع طهران. لا أحد في الرياض يرغب بالعودة إلى العلاقات المسممة التي كانت موجودة في الثمانينات عندما كانت إيران متورطة بشكل مكثف في دعم البروباغندا، والتخريب، والإرهاب الموجه ضد الحكومات الملكية العربية. وبشكل مماثل، لا يرغب السعوديون ودول مجلس التعاون الخليجي بوضع أنفسهم في موقع يُستجلبون فيه، بشكل أتوماتيكي، للدخول في صراع سياسي متصاعد أو حتى حرب ما بين الولايات المتحدة وإيران، إذا ما اندلعت. في كل الأحوال، وبما يتجاوزالألاعيب، تعتبر القضايا ذات أهمية، والبرنامج النووي الإيراني هو هاجس كبير بالنسبة للسعوديين. فإذا ما عبرت إيران العتبة النووية، فإن بإمكان هذا التطور أن يشكل إضافة هائلة إلى موقف إيران الإقليمي ولهيبة الثورة الإسلامية. وقد وصفت مختلف المصادر الصحفية الضرر الذي لحق بالبنية التحتية النووية التي تسببت بها دودة/ فيروس الكومبيوتر " ستاكسنت" بأنه خطير، لكن من غير الواضح كيف يمكن لهكذا هجمات ( فيروسية) أن تؤخر الحصول على سلاح نووي إيراني. كما من غير الواضح أيضاً ما إذا كان الاكتشاف الثاني لفيروس هجومي ثاني كبير للكومبيوتر بعد ضربة " ستاكسنت" هو حدث حقيقي، وما إذا كان الفيروس هجوماً خطيراً ومضعفاً محتملاً للبرنامج، هذا إذا صح الخبر. علاوة على ذلك، غالباً ما يُنظر إلى إيران المسلحة نووياً بأنها تمتلك قدرة أكثر قوة بكثير للتهديد أو القيام بعمليات عسكرية إما تقليدية أو غير تقليدية بما أن دولاً أخرى قد تكون أكثر تردداً بالتصعيد في أية مواجهة مع قوة نووية. إضافة لذلك، قد تتخوف دول صديقة من أن يصبح أي دعم أميركي حول أي خلاف مع طهران أقل حماسة، إذا ما أصبحت إيران قوة نووية.
رؤية الرياض وطهران لمصر والربيع العربي
أدخلت موجة تظاهرات 2011 المؤيدة للديمقراطية والمعادية للأنظمة والمعروفة بالربيع العربي هواجس جديدة لكل من السعودية وإيران إلى إطار أولوياتهما الإقليمية. لم يكن أي من مصالح الحكومتين معنياً بنتيجة الصراع في تونس حيث بدأ الربيع العربي، لكن كلتا القياديتين أصبحتا مهتمتين بهذه الأحداث بشكل خاص ما إن انتشرت الإضطرابات ووصلت الى مصر. فقد لعب الرئيس المصري حسني مبارك دوراً هاماً في معارضة تمدد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، ولم يقم البلدان أبداً بإعادة ترسيخ للعلاقات الديبلوماسية بينهما على امتداد سنوات رئاسة مبارك. فقد عمل مبارك غالباً، وبالتحديد، ضد مصالح الجماعة الإسلامية الفلسطينية المتطرفة حماس، الحليف الهام والممول جيداً من طهران. بالنتيجة، يظل مستقبل العلاقات المصرية- الإيرانية غامضاً، في الوقت الذي يقرر فيه المصريون توجهات وأولويات سياساتهم الخارجية المستقبلية بعد الثورة. مع ذلك، هناك نزعة قوية لدى المصريين تحبذ وجود قيادة إقليمية ممتدة بشكل كبير لبلدهم بعد سنوات من السياسة الخارجية السلبية بظل حكم مبارك.
وكانت الحكومة العسكرية المؤقتة، في آن معاً، واقعة تحت ضغط شعبي لتحسين علاقاتها مع الفلسطينيين، بما في ذلك حماس. وفي أواخر أيار 2011، فتحت مصر حدودها مع قطاع غزة لتخفيف الحصار الإسرائيلي عن تلك المنطقة، الذي كان مفروضاً عليها بعد سيطرة حماس على غزة. إن إعلان القادة المصريين عن مصالحة فتح / حماس جعل مسألة الحصار أمراً غير ضروري. وقد صرح وزير الخارجية نبيل العربي بأن تورط بلاده السابق بالحصار كان عملاً " مخزياً".
في المدى القصير، قد تلعب قضية طرد رئيس مصري معادٍ بعد ثورة دامت 18 يوماً لصالح إيران، رغم أنه قد يكون هناك مشاكل بالنسبة لطهران على المدى الطويل. أما حالياً، فإن مسألة الحكم المستقبلي لمصر عرضة لغموض هام، ويدعو الإيرانيون إلى إنشاء حكومة إسلامية، التي لا يمكن أن يقودها في هذه المرحلة إلا الإخوان المسلمون، أهم حركة إسلامية معاصرة في مصر. وفي حين أن الأفضليات الإيرانية غير ذات صلة بالنسبة للأولويات المصرية، فإن من المتوقع أن يتيح تدمير نظام مبارك فرصة للإخوان المسلمين في مصر للتنافس على الحصول على حصة في السلطة. وإذا ما صعدت هذه المنظمة وهيمنت سياسياً في مصر، فقد تواجه الولايات المتحدة نكسة كبيرة محتملة. لكن هذا النوع من التطورات لن يكون مفيداً بالضرورة لطهران. فالأنظمة الإيديولوجية يمكن أن تبرز، غالب الأحيان، كمنافسة لدودة ومريرة، فيتهم ويدين بعضها بعضاً بشراسة بسبب الفشل في فهم الطريق الصحيح وتحقيقه. إن إمكانية حصول هكذا تطورات قد سبق وشوهدت في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، بما فيها الكويت، حيث غالباً ما يكون الإسلاميون السنة المتشددون من بين أشد المنتقدين لإيران. ففي البرلمان الكويتي على سبيل المثال، لا يخفي القادة الإسلاميون السنة كثيراً عدائيتهم العميقة تجاه الإيرانيين، عدائية متأثرة بشكل واضح بآفاقهم المذهبية القوية. وبهذه الروحية، انتقد بعض أعضاء المعارضة الكويتية في البرلمان، وبحدة، رئيس الوزراء لفشله بدعم السعودية بإيفاد جنود كويتيين إلى البحرين في آذار 2011 للمساعدة على سحق التظاهرات الشيعية هناك. إضافة لذلك، فإن قرار بلد كبير وهام كمصر بشأن لعب دور إقليمي أكثر أهمية قد يضعها في النهاية في خلاف مع إيران، التي تسعى الى موقع قيادي مشابه.
برغم هذه الصعوبات المحتملة بين القاهرة وطهران، لدى القيادة السعودية شعور بالهلع من التطورات المصرية. وتعتبر هذه القيادة الآن أن مملكتها قد أصبحت أكثر عزلة في جهودها لاحتواء النفوذ الإيراني من دون مصر في ظل مبارك. لقد نظرت قيادة الرياض الى الثورة المصرية برهبة كبيرة ما إن بدأت هذه الثورة باستجماع الزخم وبدأت، وبسرعة، بانتقاد المتظاهرين بشدة في الوقت الذي أعلنت فيه عن تكاتفها مع مبارك. ففي بداية الأزمة، أدان الملك عبد الله ما سماه تصرفات المحتجين في "الثورة الخبيثة" و" الفتنة"(خلق الشقاق والفوضى داخل المجتمع الإسلامي). لاحقاً، وما إن فهم السعوديون الأرجحية المتزايدة لجهة الإطاحة بنظام مبارك، لطفوا من خطابهم وركزوا على الدعوة إلى تسوية سلمية ما بين الحكومة ومعارضيها. أما في أعقاب سقوط مبارك فيبدو من المحتمل، وعلى نحو متزايد، أن الرياض ستصبح أكثر انخراطاً في الحياة السياسية الإقليمية بما أنها لم تعد متأكدة من أن بإمكانها الاعتماد على مصر للعب دور في دعم احتواء إيران.
 وبينما راقبت السعودية برعب الإطاحة بمبارك، رأت القيادة الإيرانية أيضاً بعض الفرص المحتملة في ذلك. ففي أوائل الأزمة، أدلى القائد الأعلى آية الله علي خامنئي بتصريحات حماسية يؤيد فيها المتظاهرينمحاولاً إبراز الأحداث في ذلك البلد على أنها ثورة على النموذج الإيراني والتي يُرجح أن تقود الى جمهورية إسلامية مصرية. وصرح أيضاً بأن ثورة تغيير النظام التي تعم أرجاء المنطقة والمطالبات بحكومة إسلامية هي امتدادات طبيعية لثورة إيران عام 1979. هذه المجموعة من التصريحات تمثل تحليلاً غير مرجح للأحداث بما أنه لم يكن هناك من عناصر إسلامية تقود الثورة التونسية أو المصرية، رغم أن هكذا جماعات تأمل فعلاً في الاستفادة من الآثار الثورية. أما تصريحات الخامنئي فتًفهم بموضوعية أكبر، على أنها تمثل سياسات جيدة، عارضاً الى أن الشعب في كلا البلدين قد سعى للإطاحة بقادته لزرع حكومة إسلامية مبنية على النموذج الإيراني. أما الإيرانيون، بالمقابل، فلديهم أساساً جمهورية إسلامية، وبظل هذا المنطق ليس هناك من حاجة إلى تحدي الحكومة الإيرانية والشكوى منها كالشكاوي الموجهة ضد نظام مبارك. كما عبَّر الخامنئي علناً عن قلقه من " مصادرة" الولايات المتحدة لثورات الربيع العربي.
عقب إزاحة مبارك عن السلطة، طلبت القيادة الإيرانية من مصر القيامبـ "خطوة شجاعة" لجهة إعادة تثبيت العلاقات الديبلوماسية مع إيران. وبدا وزير الخارجية المصري آنذاك نبيل العربي حسن النية وودياً إزاء هذا العمل وصرح في نيسان 2011 قائلاً، " يستحق الشعبان المصري والإيراني علاقات تعكس تاريخيهما وحضارتيهما، شريطة أن تكون مبنية على أساس الاحترام المتبادل لسيادة كل منهما وعدم التدخل بأي نوع من الشؤون الداخلية". وتفاعلت الرياض، بشكل متوقع، مع صدمة هذه المقترحات. وبعد وقت قصير من تصريح العربي ضغطت السعودية على مصر للحد من أي تقارب قد يحصل مع إيران، مع الإشارة الى زيادة مفاجئة في حالة العداء ما بين طهران ودول مجلس التعاون الخليجي عقب التدخل السعودي في البحرين في آذار 2011. وفي نيسان 2011، اجتمع رئيس الوزراء المصري عصام شرف مع الملك السعودي عبد الله في الرياض لإجراء مناقشات شاملة للقضايا الإقليمية الأساسية حيث شدد الملك، بوضوح، على هواجس مجلس التعاون الخليجي بشأن إيران.
حالياً، لا تزال كل من إيران والسعودية غير واثقتين من الكيفية التي قد تتطور بها أسس السياسة الخارجية المصرية، ويشجع كلاهما القاهرة على الاقتراب منها أكثر. ويعرض الربيع العربي أيضاً احتمالية الإطاحة بحكومات مختلفة أخرى تتخطى تلك التي كانت في تونس، مصر وليبيا، ما يخلق فجوات بالإمكان استغلالها من قبل دول مختلفة قد تحاول التكيف مع حكومات ما بعد الثورة أو الاستفادة من الفوضى الحاصلة. فالسعودية ودول خليجية صغيرة أخرى قلقة من الإطاحة بأية حكومة ملكية عربية. ولهذه الغاية، أظهر مجلس التعاون الخليجي اهتماماً بتقديم العضوية الكاملة لحكومتين ملكيتين عربيتين ليستا جزءاً من المنظمة هما الأردن والمغرب. ويمكن لعضوية كهذه أن تكون مربحة. كما أن الدعوات الواسعة للأردن والمغرب لتقديم طلب العضوية تعكس اهتماماً من قبل أعضاء مجلس التعاون الخليجي الحاليين لدعم وتعزيز الملكيات التي لا تمتلك الكثير من الثروات، رغم أنها، جغرافياً، ليست جزءاً من الخليج.
التنافس السعودي – الإيراني في منطقة الخليج
كان الخليج، تقليدياً، أهم ساحة للصراع السعودي – الإيراني، رغم أن هذه المنافسة امتدت مؤخراً لتشمل جهوداً للتأثير على عراق ما بعد صدام.ففي النزاع حول النفوذ في الخليج، حافظت السعودية، على الدوام، على مستوى من النفوذ السياسي لدى الدول الإقليمية أعلى من ذاك الذي لإيران. وعملت السعودية بجد على ترسيخ علاقات قوية مع حكومات ملكية خليجية أخرى إضافة الى اليمن لدعم الاستقرار الإقليمي.وقد تم تأسيس مجلس التعاون الخليجي ، الذي يضم ست ملكيات خليجية، في العام 1981 خلال الحرب العراقية - الإيرانية كجزء من إستراتيجة لدى هذه البلدان للدفع بمصالحها المشتركة قدماً في مواجهة الاضطرابات الإقليمية. ومنذ ذلك الحين، ومجلس التعاون الخليجي يتطور إلى أداة مفيدة لتطوير مقاربة أعضائه المحافظة إزاء الأمن الإقليمي. كما تعتبر السعودية بلداً ذا نفوذ في اليمن أكبر من أية قوة إقليمية أخرى أو خارج المنطقة بسبب استعدادها للالتزام بموارد مالية مؤثرة في الاقتصاد اليمني، حتى في زمن الثورات السياسية.
وبينما لا يمكن لإيران أن تأمل بمنافسة السعودية في نفوذها الإقليمي في الخليج، فإنها تسعى للتأثير على دول الخليج العربي، وهي مهتمة بشكل خاص بالضغط عليها للتقليل من علاقاتها العسكرية مع الغرب أو إلغائها. وتسعى إيران أيضاً إلى ترسيخ نوع من النفوذ لدى مجتمعات شيعية عربية إقليمية للضغط على الحكومات الخليجية العربية بشأن قضايا ذات أهمية محددة بالنسبة لطهران. ولا يوجد لدى مجلس التعاون الخليجي إستراتيجية موحدة للتعامل مع توسع القوة الإيرانية، رغم أن كل قيادة من القيادات العربية الخليجية قلقة من الإصرار والحزم الإيراني بدرجات مختلفة. فبعض الدول، تحديداً، يعتبر أن لدى إيران قوة تلهم المعارضة الداخلية لحكوماتهم وتدعمها. وغالباً ما تعتبر الدول ذات الأعداد السكانية الهامة من الشيعة أنها عرضة للتخريب والتآمر الإيراني، تحديداً، بما أن المجتمعات الشيعية تعتبر أكثر عرضة وحساسية إزاء البروباغندا الإيرانية من المسلمين السنة. وكانت القيادة البحرينية قلقة بشكل خاص، بما أنها تحافظ على ملكية سنية ولديها أكثرية شيعية في بلد اختبرت فيه العلاقات بين المجتمعين فصولاً خطيرة من العنف حتى قبيل أحداث الربيع العربي الدراماتيكية. فما بين عامي 1994 – 1999، على سبيل المثال، كانت هناك دورة خطيرة من العنف، والمواجهات، والقمع ما بين المعارضة الشيعية والملكية.
 بعض الهواجس المذكورة آنفاً يشي بها التاريخ في الآونة الأخيرة. فالتوتر السني – الشيعي الشرق أوسطي في الماضي القريب غالباً ما كان مرتبطاً، جزئياً على الأقل، بحالة العلاقات بين إيران والعالم العربي. أما أهم مثال على هذا التوجه فكان الثورة الإيرانية عام 1979، التي اعتبرت من قبل بعض الشيعة العرب حدثاً تمكينياً. وبحسب إسحق نقاش، باحث كبير في الحياة السياسية الشيعية، فإن شيعة السعودية يعتبرون الحقبة التي جاءت بعد الثورة الإيرانية هي الأصعب في تاريخهم بسبب شكوك الحكومة السعودية المتزايدة وقمعها، بالإضافة الى تصاعد الخطاب العدائي لرجال الدين السنة المدعومين من الحكومة السعودية. علاوة على ذلك، ساعد قمع الحكومة المتزايد على تسليم الشيعة السعوديين بالبروباغندا الإيرانية وتقبلها أكثر. أما المصالحة الرسمية ما بين الحكومة السعودية وقادة المجتمع الشيعي فحدثت في العام 1993، إلا أن التمييز المستمر ضد الشيعة لا يزال موجوداً، رغم أنه بمستويات أدنى من قبل. وقد تزايدت التوترات أيضاً في بعض البلدان العربية الخليجية خلال الحرب العراقية - الإيرانية، عندما تم اعتبار عدد من الشيعة بأنهم متعاطفون محتملون مع جهود إيران لتشجيع المعارضة المسلحة ضد حكومات ملكية سنية معادية لإيران.
كانت التوترات السنية ـ الشيعية مقلقة في الكويت بشكل خاص. إذ لدى الكويت ما بين 30- 40 بالمئة من السكان الشيعة، وقد زعمت بعض القيادات الشيعية أن مجتمعهم يواجه مشاكل تمييز مستمرة. وحدث في فترة مؤسفة خاصة خلال الحرب العراقية- الإيرانية من العام 1980-1988 أن كانت هناك حملة إرهابية شيعية صغيرة إنما خطيرة موجهة ضد الحكومة بسبب دعمها للعراق في نزاعه ضد إيران، قرار ندمت عليه الحكومة الكويتية لاحقاً. وفي الآونة الأخيرة، عبَّر الإعلام والقادة الكويتيون عن هواجس عرضية متباعدة بخصوص خلايا عميلة نائمة، يمكن للإيرانيين تفعيلها وتنشيطها لأداء أعمال تخريبية في أي صراع مستقبلي يشمل الكويت أو القواعد العسكرية الأميركية الموجودة هناك. وقد اعتقلت السلطات، في مناسبة واحدة على الأقل، أفراداً وصفتهم بأعضاء شبكة تجسس إيرانية وأفراد في حلقة نشاطات سرية. وفي آذار 2011، أدين إيرانيان وكويتي واحد في محكمة كويتية بتهمة التجسس لصالح إيران وحكم عليهم بالإعدام. وتركزت الاتهامات على حصول المشتبه بهم على معلومات حول الجيش الكويتي ووحدات الجيش الأميركي في الكويت، ومن ثم تمريرها إلى الحرس الثوري الإيراني. وفي تفسيره لمعنى المحاكمة، صرح أحد المحررين الكويتيين قائلاً، " تبدو إيران كأنها تعمل على تجنيد الناس بشكل منهجي للتجسس لصالحها". وطردت الكويت ديبلوماسيين إيرانيين بسبب نشاطات تجسسية واستدعت السفير الكويتي من طهران كجزء من تداعيات الأزمة. أما الإيرانيون من جانبهم، فقد أنكروا وجود حلقات تجسس في الكويت واتهموا الولايات المتحدة بالضغط على دول مجلس التعاون الخليجي لاتهام طهران بالتدخل في شؤونهم الداخلية.
كما استمرت السعودية وإيران أيضاً بالإبقاء على وجود خلافات جدية بشأن الصراع الأخير بين الحكومة اليمنية والأقلية الحوثية في اليمن، حيث يعيش الحوثيون في محافظة صعدة في الجزء الشمالي من تلك البلاد. واتهم كل من القادة اليمنيين والسعوديين، مراراً وتكراراً، إيران بدعم المتمردين الحوثيين، وتقديم التمويل، والتدريب، إضافة إلى المساعدات المادية. ويدعي اليمن أيضاً أن هذا الدعم مقدم إما مباشرة من قبل إيران أو من خلال بدلائها الناطقين بالعربية كحزب الله، المجموعة اللبنانية المتطرفة. ولم يتم إثبات التهم اليمنية بتورط إيران بالدعم المادي والتدريب. وربما تكون هذه التهم مبنية، في الحد الأدنى، على واقع أن المتمردين هم من الشيعة، رغم أنهم شيعة زيديون وليسوا اثني عشرية كالموجودين في إيران. وتضيف القيادة الإيرانية إلى هذا الفهم دعمها الكلامي للحوثيين في سياسة التضامن الديني، لكن من الصعب تخيل إمكان بقائهم صامتين حول قضية بهذا القدر من الأهمية بالنسبة للمجتمع الشيعي. وقد اتهم مسؤولون حكوميون سعوديون ويمنيون القيادة الحوثية، أحياناً، بالسعي الى حرف أتباعها بعيدا ًعن مبادئ وممارسات الإسلام الشيعي المعتدل واتباع شكل من أشكال النموذج الإسلامي الشيعي الاثني عشري المتشدد النضالي بعد المقاربة الإيرانية للدين الإسلامي.
إتخذ صراع الحكومة اليمنية مع الحوثيين بعدا ًجديداً مع التدخل العسكري السعودي المباشر في شمال اليمن في تشرين الثاني 2009. في ذاك الحين، عبر بعض المتمردين إلى داخل الأراضي السعودية، وقتلوا اثنين على الأقل من حرس الحدود ليسيطروا، بحسب الظاهر، على قريتين سعوديتين، أو أكثر. هذه الأعمال الجريئة استدعت رداً سعودياً قوياً بسبب غضب قيادة الرياض على خلفية الانتهاك العدواني لسيادتها وبسبب الهواجس الخاصة لديها بشأن وجود قوات معادية في اليمن. ولليمن حدود مشتركة مع السعودية بطول 700 ميل تتخللها ثغرات في أماكن عديدة يمكن استخدامها من قبل المجرمين، والمهربين، والإرهابيين والمتمردين. كما أن سهولة توفر الأسلحة في اليمن هو تعقيد آخر، فمعظم الأسلحة والمتفجرات غير القانونية والمهربة الى داخل السعودية يأتي من اليمن. وراقب السعوديون بالمقابل صراع صعدة بحذر واهتمام، وأصبحوا مهتمين بشكل خاص بالموضوع عندما عبرت قوات الحوثيين إلى داخل الأراضي السعودية. وصرح الناطق الرسمي باسم الحوثيين بأنهم عبروا الحدود إلى داخل السعودية لأن الرياض سمحت للجيش اليمني باستخدام أراضيهالشن حرب ضدهم. رداً على ذلك، أطلق الجيش السعودي العنان لضربات عسكرية ضد المتمردين الحوثيين بإذن من حكومة صنعاء. برز هذا الا

موقع الخدمات البحثية