قراءات سياسية » التداعيات الجيوسياسية لطفرة الطاقة في الولايات المتحدة

يسرا الشرقاوي(*)
ارتبط النقاش حول تداعيات الزيادة الكبيرة في إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية من البترول والغاز الطبيعي الصخري، بتأثير قدرتها على تحقيق قدر كبير من الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة على علاقاتها بالقوى البترولية التقليدية، خاصةً في منطقة الخليج العربي، وعلى الانخراط الأمريكي على الساحة الدولية بشكل عام. لكن الأزمة الأوكرانية الأخيرة أبرزت إلى السطح إمكانية استغلال الثروات الأمريكية في التأثير على توازنات القوى في النظام الدولي بشكل جديد، وذلك من خلال 'تحرير' أوروبا من اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية، وبالتالي تقليص النفوذ الروسي، خاصةً فيما يتعلق بدول شرق أوروبا.

دراسة هذه الفرضية تستدعي بحث القدرات الواقعية لقطاع الطاقة الأمريكي، وما إذا كان تطويرها المحتمل يكفل حقًّا النيل من النفوذ الروسي في سوق الغاز الطبيعي أوروبيًّا, وهل ينال الدعم اللازم على الصعيد الأمريكي، خاصةً بما يثيره من احتجاج عدة فئات أبرزها القطاع الصناعي، والجهات المعنية بالقضايا البيئية، وجانب من قوى الحزب الديمقراطي وأنصاره؟ وهل يمكن أن ينال الصراع الحزبي الداخلي بين الكتلة الديمقراطية والجمهورية من فرص ذلك التطور، خاصةً مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر 2014، والتصعيد الجمهوري الواضح في الأسابيع الأخيرة باستخدام ملف موارد الطاقة الأوروبية، كإحدى بطاقات الضغط لإحراج إدارة الديمقراطي باراك أوباما؟.

يستعرض التقرير أحدث المستويات الإنتاجية لقطاع الطاقة الأمريكية إثر طفرة 'الطاقة غير التقليدية' مع تعريف طبيعة هذه الطفرة، وإمكانيات التطوير الفعلية لدور قطاع البترول الأمريكي، والذي ظل مقتصرًا إلى حد بعيد على تلبية الطلب محليًّا، والصعوبات التي قد تعوق أو تؤجل تطوير وظائف قطاع الطاقة الأمريكي.

قراءة في مشهد الطاقة الأمريكي:

منذ بداية العقد الجاري، توالت التقارير والدراسات التي تؤكد تغيير موازين الطاقة دوليًّا لصالح نصف الكرة الغربي، وسحب البساط من تحت قوى توريد الطاقة التقليدية بمنطقة الخليج العربي، وروسيا. وأكد ذلك تقرير صدر عن وكالة الطاقة الدولية نهاية 2012، تناول طفرة استخراج المواد الهيدروكربونية في الولايات المتحدة، اعتمادًا على تقنيات ووسائط غير تقليدية، مثل 'التكسير الهيدروليكي' و'الحفر الأفقي'، بحقول نورث ديكوتا، وجنوب وشرق تكساس.

إعادة اكتشاف وتوظيف تلك التقنيات ساهم في الاستفادة من احتياطيات الطاقة الأمريكية التي استعصت فيما مضى على التقنيات التقليدية، بالإضافة إلى توظيف تلك التقنيات في الحقول التقليدية، ما ساهم في رفع المستويات الإنتاجية للأخيرة. ورجحت التقديرات حينها أن يتجاوز إجمالي الناتج البترولي للولايات المتحدة بحلول عام 2020 حاجز 11 مليون برميل يوميًّا، وأن تتفوق على روسيا لتصبح أكبر منتج للغاز الطبيعي بحلول عام 2015، وأن يتحقق اكتفاؤها الذاتي الكامل بحلول عام 2035.

المعطيات على الأرض في الوقت الحالي تدعم هذه الرؤية؛ حيث ساهمت قطاعات الطاقة 'غير التقليدية'، وفقًا لآخر التقديرات، في القفز بمعدلات الإنتاج البترولي الأمريكي بحوالي 45% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لتسجل 7.4 ملايين برميل يوميًّا خلال العام المنصرم 2013. كما أن التوقعات تدور حول ارتفاع تلك المعدلات إلى 8.3 ملايين برميل يوميًّا للعام الجاري 2014. وفيما يخص قطاع الغاز الذي بدأت فيه أصلا هذه الطفرة؛ فإن معدلات إنتاجه خلال السنوات الثماني الأخيرة زادت بنسبة 36%، ليصل حجم الإنتاج إلى 26 تريليون قدم مكعب سنويًّا، وينتظر أن يرتفع إلى حوالي 70 مليار قدم مكعب يوميًّا خلال العام الجاري، على أن يقفز هذا الرقم إلى 100 مليار قدم مكعب يوميًّا بحلول عام 2040.
 
الثورة التي أحدثها قطاع 'الطاقة غير التقليدية'، ساهمت في توفير نحو مليون فرصة عمل، وساهمت بنسبة 0,3% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي لعام 2013. ووفقًا لهذه المعطيات، فإن الولايات المتحدة مرشحة لخلافة المنتجين الكبار على الساحة الدولية، مثل المملكة العربية السعودية وروسيا خلال سنوات قليلة. ويعزز من الريادة الأمريكية في هذا المجال تفوقها في مجال تطوير تكنولوجيا وخبرات تنقيب واستخراج موارد الطاقة غير التقليدية، وبالتالي فالشركات الأمريكية سوف يكون لها النصيب الأكبر عندما تسعى دول أخرى للاستفادة من مخزوناتها الصخرية.

لكن توظيف طفرة الطاقة الجديدة يظل مقصورًا حتى الآن على دعم الاقتصاد الأمريكي بتوفير إمدادات الغاز الطبيعي بأسعار زهيدة، مما يحقق هامش منافسة أعلى بالنسبة للاقتصاد المحلي، ولم تأخذ الإدارة الأمريكية تحركات جدية لتوظيف هذه الطفرة لدعم نفوذ الولايات المتحدة على المستوى الدولي. ولم ترفع الإدارة على سبيل المثال من الحظر المفروض منذ سبعينيات القرن الماضي على تصدير البترول الأمريكي إلى الخارج، أو تغيير التشريعات التي تعيق بيع شحنات الغاز الطبيعي للدول التي لا تربطها اتفاقيات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. لكن الأزمة الأوكرانية أعادت طرح هذا البعد، وبقوة، على الساحة السياسية الأمريكية.

العوامل الداعمة لانفتاح قطاع الطاقة الأمريكي:

ساهمت عدة عوامل في الطرح القوي لفكرة انفتاح قطاع الطاقة الأمريكية، بعضها يتعلق بالضغوط الممارسة من قبل الحلفاء الأوروبيين، استشعارًا لبوادر أزمة طاقة جديدة على خلفية الأزمة الأوكرانية، وتنامي الرغبة في إنهاء الاعتماد على واردات الغاز الروسي. ويتعلق جانب آخر من هذه القضية بالصراع السياسي الدائر بين المعسكرين الجمهوري والديمقراطي، والذي ينتظر أن يلعب فيه ملف توظيف الطاقة الجديدة دورًا رئيسيًّا، خاصةً مع الاستعداد لمواسم الانتخابات.

أولا: العوامل الخارجية: أبرز العوامل الخارجية تتمثل في الضغوط الأوروبية لإدخال عنصر الطاقة الأمريكي في المواجهة القائمة مع روسيا. وقد أسرعت الأخيرة بتفعيل بطاقة إمدادات الغاز، بإعلان شركة Gaz Prom، عملاق الغاز التابع لحكومة موسكو، استعدادها لوقف الإمدادات عن أوكرانيا بدعوى ثقل فاتورة متأخراتها التي وصلت إلى 1.89 مليار دولار. أثار ذلك تخوفات في عدة عواصم أوروبية. فرغم تأمين مخزون إيجابي من الغاز، بعد مرور فصل شتاء معتدل؛ فإن أسعار الغاز الطبيعي في ألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا شهدت قفزة بنسبة تراوحت ما بين 8 و10% نتيجة لهذه المخاوف، ثم انخفضت مرة أخرى. لكن هناك توقعات بأن تعاود الأسعار الارتفاع في المستقبل القريب؛ حيث إن روسيا ترتبط مع أغلب الدول الأوروبية بعقود توريد طويلة الأجل مرهونة بالسقف الأعلى لأسعار البترول وقت التسليم، كما يخشى من وقوع اضطراب في أسواق الطاقة العالمية نتيجة عدم استقرار الأوضاع في الدول الموردة الكبرى مثل نيجيريا وفنزويلا، وانهيار الأمن في ليبيا.

جدير بالذكر أن إجمالي صادرات روسيا من الغاز الطبيعي إلى أوكرانيا تمثل حوالي 60% إلى 70% من إجمالي احتياجات الأخيرة، كما أن جزءًا كبيرًا من إمدادات أوروبا من الغاز الروسي تمر عبر الأراضي الأوكرانية. ووفقًا لوكالة رويترز للأنباء، فإن إجمالي واردات الغاز الروسي إلى القارة الأوروبية وتركيا، سجلت مستوى قياسيًّا العام الماضي بلغ حوالي 162 مليار متر مكعب، من بينها نحو 86 مليار وصلت الأراضي الأوروبية عبر أوكرانيا. وتعد دول وسط أوروبا الأكثر اعتمادًا على الواردات الروسية بنسبة تتراوح بين 50 إلى 100 % من إجمالي استهلاكها، مقابل 17% من استهلاك دول غرب أوروبا.

وأدت هذه الأجواء إلى إعادة فتح قضية تنويع مصادر أوروبا للغاز الطبيعي والتي أخذت أكثر من اتجاه:

1) عملت الدول الأوروبية للضغط على الولايات المتحدة، لفتح باب تصدير الغاز الطبيعي، وحل العقبات التشريعية والإجرائية التي تحول دون ذلك. وكشفت وزارة الخارجية التشيكية عن أن أربعة من دول وسط أوروبا (جمهورية التشيك، وبولندا، وسلوفاكيا، والمجر) وجهت رسالة مفتوحة إلى الكونجرس الأمريكي، طلبًا لدعمه مساعي شركات البترول والغاز الأمريكية فتح أسواق جديدة في أوروبا لمنتج طفرة الغاز الصخري، وتجاوز اشتراطات وجود اتفاقية لتحرير التجارة مع الأسواق المتلقية. كما ركزت المفاوضات الخاصة باتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي TTIPبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في آخر جولاتها؛ على الفصول المتعلقة بالطاقة والمواد الخام، مع تركيز الجانب الأوروبي، وفقًا لكبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، أيجناكيو جارسيا، على تحصيل ضمانات واضحة بفتح باب الصادرات الأمريكية من الغاز.

2) تمت إعادة طرح قضية تحديث قطاعات البنية التحتية الأوروبية لتدعيم قدراتها على استكشاف مصادر الطاقة غير التقليدية على غرار التجربة الأمريكية. لكن النتائج فيما يتعلق بالموارد الأوروبية ليست مؤكدة؛ حيث إن هناك خلافًا حول الطبيعة الجيولوجية في الدول الأوروبية وقابليتها للاستغلال، كما أن أوروبا تنقصها البنية التحتية المطلوبة والخبرات المتخصصة في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، فهناك مقاومة شعبية وسياسية أقوى وأكثر تنظيمًا من الولايات المتحدة، لاستخدام التقنيات الجديدة في استخراج الموارد الصخرية نظرًا لتداعياتها المدمرة للبيئة. ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية؛ فإن أوكرانيا تملك ثالث أكبر احتياطي من الغاز الصخري في أوروبا (42 تريليون قدم مكعب)، بعد فرنسا وبولندا. وهناك تفعيل محدود لمشروعات استخراج البترول بالتقنيات غير التقليدية كما في حالة الحقول الغربية والشرقية بأوكرانيا.

وشملت الجهود الأوروبية تطوير البنية التحتية الأوروبية فيما يتعلق باستقبال الغاز المسال عبر موانئ مجهزة لهذا الغرض. وتسرع بولندا مثلا بإنهاء العمل في ميناء معد لاستقبال واردات الغاز السائل على ساحل بحر البلطيق؛ حيث ينتظر أن ينتهي العمل به في النصف الثاني من 2014. في المقابل، وفي إشارة إلى أن أوروبا تبدو عازمة على مواجهة مع روسيا؛ قرر الاتحاد وقف مشروعين لمد أنابيب غاز من الأراضي الروسية لا تمر عبر المحطة الأوكرانية. المشروع لم يكن لصالح أوروبا وحدها، بل كان مستهدفًا من جانب موسكو لزيادة حجم إمداداتها إلى دول الاتحاد.

ثانيًا: عوامل سياسية داخلية: تتبنى الكتلة الجمهورية دعاوى رفع الحظر عن صادرات الغاز الأمريكي كإحدى أدوات الضغط على الإدارة الديمقراطية، وبحثًا عن دعم الناخبين في انتخابات التجديد النصفي نوفمبر 2014، والانتخابات الرئاسية الفاصلة عقب ولايتين ديمقراطيتين عام 2016. خلال الأسابيع الأخيرة، تقدم أعضاء الكونجرس الجمهوريون بعدة مشاريع بقوانين لرفع الحظر على تصدير الطاقة كوسيلة لوقف الهيمنة الروسية على منطقة شرق ووسط أوروبا.

كما أشار جون بوهنير، رئيس مجلس النواب الأمريكي، إلى أن الإدارة الأمريكية يمكنها استغلال السلطات التنفيذية الممنوحة للرئيس في إقرار رفع الحظر، وتجاوز حتمية الشراكة في اتفاقيات تحرير التجارة لنصرة الحليف الأوروبي.
 
ليست هذه الفكرة وليدة اللحظة الراهنة، ففي عام 2011، أثناء عهد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، تم إنشاء مكتب موارد الطاقة، بفريق عمل يبلغ 85 عنصرًا وخبيرًا، وبهدف توجيه طفرة الطاقة المحلية لدعم النفوذ الجيوسياسي للولايات المتحدة دوليًّا. ترأس هذا المكتب كارلوس بسكال، سفير أمريكا السابق لدى أوكرانيا في اختيارٍ له دلالته. وقد نقلت عنه صحيفة 'نيويورك تايمز' أن المكتب عمل خلال العامين الأخيرين على توظيف الخبرات الأمريكية لتحقيق قدرٍ أكبر من استقلال الطاقة للحليف الأوروبي. وأشار بسكال إلى مساعي تنويع مصادر التوريد بإضافة خيارات جديدة نسبيًّا مثل إفريقيا، وبناء مخزون طاقة استراتيجي، فضلا عن دفع شراكات بين شركات الطاقة الأمريكية مثل 'شل' و'هاليبرتون' لإدخال التقنيات الجديدة في التنقيب واستخراج موارد النفط والغاز غير التقليدية إلى قطاعات الطاقة في بولندا وأوكرانيا.

ومع أن إنشاء هذا المكتب يعكس إدراكًا في الأوساط الديمقراطية بأهمية تفعيل أدوات الطاقة؛ فإن فتح أبواب تصدير الطاقة الأمريكية، سوف يقابل بمعارضة من داخل القاعدة الانتخابية الديمقراطية نفسها، بالإضافة إلى القوى المؤيدة للقضايا البيئية. وإذا ما اتجهت إدارة أوباما لاتخاذ إجراءات فعلية في هذا الاتجاه؛ فقد يعني ذلك صدامًا داخل الكتلة الديمقراطية هي في غنًى عنه مع اقتراب الانتخابات. من ناحية أخرى، هناك قطاعات صناعية أمريكية استفادت عهدًا طويلا من توفر موارد الطاقة المنتجة محليًّا بأسعار زهيدة، والذي حقق لها هامش ربح أكبر، وقدرة تنافسية أعلى، وسوف تقاوم أية إجراءات تهدد هذه الوفرة والأسعار الرخيصة.

في المقابل، سوف يصعب على الديمقراطيين تجاهل ضغوط شركات الطاقة التي تسعى لدخول الأسواق الدولية بثقلها. كما أن تفعيل القدرات الأمريكية فيما يتعلق بـ'دبلوماسية الطاقة' يُعطي الإدارة الأمريكية سلاحًا جديدًا على الساحة الدولية، يدعم من مصداقية دورها الريادي، ويخفف من وطأة الانتقادات الجمهورية بشأن ضعف سياسة أوباما الخارجية.

طفرة الطاقة الأمريكية.. سلاح محتمل على المدى الطويل وليس القصير:
 
تُبدي الإدارة الأمريكية الحالية تجاوبًا مع مطالب فتح الباب أمام تصدير الطاقة، وقد بدأت وزارة الطاقة الأمريكية بالفعل في إصدار تصريحات لعدد من الشركات المحلية تُجيز تصدير الغاز الطبيعي اعتبارًا من عام 2015. كما أن الوزارة أقرت 6 من أصل 21 طلبًا لإنشاء الموانئ والبنية التحتية اللازمة لبدء أنشطة تصدير الغاز الطبيعي المسال. ومن المتوقع أن تتجاهل الإدارة المجموعات المعارضة للتوسع في استخراج الغاز الصخري، وتصديره إلى الأسواق العالمية من منظور بيئي. ويُعد قرار الاتحاد الأوروبي الأخير، باستثناء مجال الغاز الصخري من القواعد الأكثر تشددًا للتعامل مع التداعيات البيئية لنشاط الاستكشاف والتنقيب؛ مؤشرًا على توجهات صناع القرار في المشهد الغربي حاليًّا.

من ناحية أخرى، أجرت الولايات المتحدة خلال شهر مارس 2014، أول 'اختبار بيع' من مخزونها البترولي الاستراتيجي منذ عدة عقود، شمل الإفراج عن كمية 5 ملايين برميل بترول، بنسبة أقل من 1% من إجمالي حجم الاحتياطي الذي يبلغ 696 مليون برميل. وكان الاختبار يهدف إلى تقييم قدرات الجهات الأمريكية المعنية والبنية التحتية المتاحة على سرعة نقل الكمية المستهدفة من المخازن وإلى معامل التكرير في حالة وقوع أزمةٍ ما. توقيت هذه الخطوة جعل منها رسالةً تحذيرية إلى روسيا، مفادها أن الولايات المتحدة على استعداد للتدخل إذا ما دعت الحاجة لذلك. ولكن لا يبدو حتى الآن أن هناك توجهًا من الإدارة لإزالة عقبة حظر التصدير للدول غير الواقعة ضمن نطاق اتفاقيات تحرير التجارة مع الولايات المتحدة. ورغم أن الاتفاقية الأمريكية-الأوروبية قيد مناقشة اتفاقيتهما المنتظرة بهذا الشأن؛ فإن إتمام الاتفاقية وتجاوز ما قد يظهر من عقبات على الطريق، سوف يستغرق وقتًا، وبالتالي لن يسهم في حل الأزمة الحالية.

لكن حتى وإن اتخذت الإدارة الأمريكية قرارًا بالسماح بتصدير النفط والغاز، فلن يكون لهذا القرار تأثير مباشر على الأرض. فتصريحات التصدير التي تم إقراراها لن تصبح فاعلةً قبل عام، كما أن قطاع الطاقة بالولايات المتحدة تنقصه البنية التحتية اللازمة للتصدير، وتشييدها سوف يستغرق وقتًا. فأغلب موانئ تصدير الغاز الطبيعي الأمريكي ما زالت في مرحلة التشييد الأولية، ولا يتوقع إنهاء عمليات التشييد وبدء العمل في أولاها قبل نهاية 2015، والموانئ الأخرى لن تصبح جاهزة للعمل قبل عام 2017 وما بعده. وربما تظل العقبة الأكبر أمام استغلال طفرة الطاقة الأمريكية على مستوى التفاعلات الجيوسياسية هي التحالف المحتمل بين الرأي العام الرافض لدور أمريكي نشط على الساحة الدولية، والقطاعات الاقتصادية التي ترى أن تصدير الغاز قد يرفع أسعاره محليًّا، وبالتالي يحرم الصناعات الأمريكية من ميزة تنافسية شديدة الأهمية في وقت يحاول فيه الاقتصاد التعافي من أزمته، وبشكل خاص، توفير فرص عمل جديدة.

وفي إطار التجاذبات السياسية والانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، سيظل للعوامل الداخلية التأثير الأكبر على القرارات المتعلقة باستغلال الموارد الأمريكية من الطاقة.

(*) باحث في الشئون الدولية ـ مؤسسة الأهرام / نشرت في حالة العالم

موقع الخدمات البحثية