قراءات سياسية » الفضاءات المفتوحة: التأثيرات السياسية للإنترنت في المنطقة العربية

محمد عز العرب ـ أحمد زكريا الباسوسي
لم يعد التأثير السياسي الذي أحدثته شبكة الإنترنت على الساحة العربية، في مرحلة ما بعد الثورات الشعبية والاحتجاجات الجماهيرية، افتراضيًّا، بل صار واقعيًّا، حيث امتد من المغرب إلى البحرين، ومن الأنظمة الجمهورية إلى الملكيات الخليجية، إلى درجة أن هناك من يعتبرها فاعلا أساسيًّا، ليس في نقل التحولات الداخلية فقط بل في صنعها أيضًا، إلا أن التحدي القادم يتمثل في مدى نجاح هذه الشبكة في التعامل مع القضايا النوعية الجديدة، وتحديدًا قضايا المرأة والأقليات والشباب، وخلق رأي عام داعم لها، في ظل 'فضاء مفتوح' متسع وآخذ في التزايد، بما يكشف عن نزعة نحو مجتمعات عربية أكثر ديمقراطية، في ظل تعثر التحولات التي تقودها الأنظمة السياسية، وخاصة في المراحل الانتقالية من الثورة إلى الدولة.
ووفقًا للتقرير الذي أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في 25 فبراير 2013، فقد تزايد عدد مستخدمي الإنترنت في الدول العربية إلى 103 ملايين نسمة، وبلغ عدد مستخدمي 'فيس بوك' 43 مليونًا مقابل 1.5 مليون يستخدمون 'تويتر'، وذلك مقارنة بـ72 مليون مستخدم للإنترنت و45.2 مليون مستخدم لـ'فيس بوك' في منتصف عام 2012.

إجراءات مقيدة
يبدو أن النظم العربية قد أدركت أن الإنترنت قد أصبح أحد الأدوات الفاعلة التي تستخدمها قوى المعارضة، سواء للحشد أو لتعبئة الرأي العام ضدها، وهو ما دفعها إلى السعي لتحجيم آثاره، عبر أدوات عديدة يأتي في مقدمها:
1- المواجهة الأمنية، حيث سعت بعض الدول إلى إغلاق مواقع هامة على شبكة الإنترنت، لا سيما 'يوتيوب'، باعتبارها أداة لتوثيق وتسجيل الانتهاكات التي ترتكبها النظم الحاكمة. وتأتي المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول العربية التي تحجب المواقع الإلكترونية، في حين تأتي العراق وتونس ولبنان في المراتب الأخيرة، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
2- الملاحقة القضائية، وهي إحدى الآليات التي انتشرت في الآونة الأخيرة، لمواجهة الحراك الشعبي الناتج عن مواقع التواصل الاجتماعي، فقد شهدت معظم الدول العربية، خصوصًا مصر والكويت والبحرين وسلطنة عمان والمغرب، ملاحقات قضائية للنشطاء وصلت إلى حد الحبس والغرامة في محاولة لتحجيم آثارها، وقد حلت الكويت في المرتبة الأولى في مجال ملاحقة النشطاء في قضايا النشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
3- المعالجة التكنولوجية، إذ بذلت بعض الحكومات العربية جهودًا لاستخدام التكنولوجيا ذاتها بهدف مواجهة 'المد المعارض' الذي نجح في توظيف الإنترنت خلال العامين الماضيين وأسهم في جذب الأنظار لعدد من القضايا التي أثارت الرأي العام، وأرغمت حكومات على اتخاذ قرارات ضد رغبتها. وفي هذا الإطار، تم تعليق حسابات العديد من المواقع، التي ترى فيها بعض الدول خطرًا على استقرارها السياسي والاجتماعي، كما تم تعليق بعض قنوات الاتصال، جملة وتفصيلا، لضمان عدم التنسيق بين أفراد الجماعات التي تهدد أمن البلاد من وجهة نظر تلك الحكومات، التي يقوم عدد منها بإظهار حضوره على شبكة الإنترنت من أجل التواصل مع الأعداد المتزايدة من المواطنين الذين يستخدمون الإنترنت، ومع الجمهور العالمي المهتم بشئون المنطقة العربية.

قضايا جديدة
أضفى الاستخدام الواسع للإنترنت في الدول العربية أهمية وزخمًا خاصًّا على قضايا نوعية جديدة على الساحة، تتمثل في:
1- الدفاع عن حقوق المرأة، وهي إحدى أبرز القضايا الجديدة التي بدأت تُستخدم فيها تطبيقات الإنترنت، حيث تم تكوين صفحة تحت مسمى 'انتفاضة المرأة في العالم العربي'، بلغ عدد مشتركيها 80 ألف مشترك من شتى أنحاء المنطقة العربية حتى نهاية عام 2012، وقد تكونت تلك المجموعة بمشاركة أربع ناشطات من دول عربية مختلفة، واهتمت بفكرة 'إسقاط الذكورية' من المجتمعات العربية، وذلك حتى تشارك المرأة في السلطة التنفيذية والمجالس التشريعية، والمطالبة بالمزيد من الحقوق الاجتماعية للمرأة العربية.
2- تبني قضايا الأقليات، لا سيما مع قدرة مواقع الإنترنت على تجميع وتبادل الأفكار، وتوحيد المطالب بين الأقليات المنتشرة في المنطقة، خصوصًا الأقليات الأمازيغية، التي أنشأت عددًا كبيرًا من الصفحات على موقع 'فيس بوك' أبرزها ما يسمى 'باتحاد الصفحات الأمازيغية التونسية'، و'أمازيغ ليبيا الأحرار'، و'الشبكة المصرية من أجل الأمازيغ'، والصفحات التي تدعم تعليم اللغة الأمازيغية في الإقليم ككل، فضلا عن المواقع الإلكترونية التي تهتم بقضايا الأمازيغ الخاصة مثل 'عالم الأمازيغ'. وتمثل الأقليات الكردية مثالا آخر لاستخدام الإنترنت في نشر قضيتها وذلك عبر تأسيس العديد من الصفحات التي تهتم بتغطية أوضاع هذه الأقليات.
3- الاهتمام بمشكلات الشباب، إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة حقيقية لمناقشة أبرز مشكلات الشباب في دول المنطقة، ومن أهم الصفحات التي يدشنها الشباب من دول عربية مختلفة على الإنترنت تلك التي تخص آليات الإدماج الشبابي في هياكل النظم القائمة، والإحلال الجيلي، ومواجهة المذهبية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية مثل البطالة وتأخر سن الزواج، على نحو ما أبرزته صفحات 'كيف نقضي على البطالة؟' و'الشعب يريد توظيف الخريجين' في مصر.
وخلاصة القول، إن شبكة الإنترنت، بتطبيقاتها المختلفة، لا تمثل العامل الأساسي في التحولات الداخلية التي شهدتها العديد من الدول العربية في العامين الماضيين، إلا أنها صارت إحدى الأدوات المساهمة في تهيئة متطلبات هذا التحول أو ذاك، بعد أن أصبحت الوسيلة الأساسية لكثير من القوى السياسية والاجتماعية في توصيل رؤاها ومواقفها المختلفة.
المصدر: المركز الاقليمية للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية