قراءات سياسية » تبرير العنف: لماذا تستفيد القاعدة من مطاردة إخوان مصر؟

مارا ريفكين
تكشف تصريحات الرئيس 'عبد الفتاح السيسي' التي أعلنها قبل خوض الانتخابات وأثناء حملته الانتخابية وبعد فوزه، عن نهج متشدد مع جماعة الإخوان المسلمين، لا سيما من تبنوا العنف من قيادات الجماعة. وهو الأمر الذي دفع 'مارا ريكفين'، الباحثة بالعلوم السياسية في جامعة يال الأمريكية، في مقالة نشرتها مجلة 'فورين أفيرز' الأمريكية، إلى بحث النتائج التي قد تترتب على فوز 'السيسي' ومنهجه الصارم مع جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي، وهو ما يصب من وجهة نظر الكاتبة في مصلحة تنظيم القاعدة الذي اجتذب منهجه العنيف الكثير من أنصار الإخوان المعتدلين، بعد إغلاق العملية السياسية أمامهم. على حد قول الكاتبة.

ورجحت الكاتبة أن تستفيد الجماعات الإسلامية المتطرفة من انتخاب السيسي، فكتبت أنه من وجهة نظر تنظيم القاعدة، فإن نتائج الانتخابات أكدت مزاعمه (تنظيم القاعدة) الأيديولوجية الرئيسية بأن العنف، وليس المشاركة السلمية في العملية السياسية، هو الطريقة الوحيدة لبناء دولة إسلامية.

وأوضحت الكاتبة أن الفشل الواضح للاستراتيجية السياسية لجماعة الإخوان المسلمين يُعطي تنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة المشابهة فرصة للاستفادة من الانتكاسات التي مُنيتْ بها نتيجة ثورات الربيع العربي في عام 2011. فمع بداية تلك الثورات بدا أن نجاح تلك الاحتجاجات، التي أخذت طابعًا سلميًّا إلى حد كبير، يدحض ادعاء الجهاديين بأن التغيير لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال العنف. ولكن عزل رئيس إسلامي، وتجريم الإخوان المسلمين، واعتقال الآلاف من أعضائها؛ صبّ مباشرة في مصلحة المتطرفين، بحسب الكاتبة.

من هنا، ترجح ريكفين أن يستغل تنظيم القاعدة فوز السيسي بالانتخابات كوسيلة لتشويه سمعة الإسلاميين المعتدلين، وتجنيد أتباع جدد من بين صفوف أنصار الإخوان. وفي ظل غياب أي توجيه من قادة الإخوان المختبئين أو القابعين في السجون؛ ترى الباحثة أنه قد يتعاطف أعضاء جماعة الإخوان بشكل متزايد مع الجماعات المسلحة التي تقدم لهم السبيل الوحيد المتبقي لمقاومة النظام الجديد ومؤيديه في الأوساط السياسة والاقتصادية والإعلامية.

التوعية والاتصال
تُلمح ريكفين إلى أن تنظيم القاعدة قد يُكثف من جهوده في مجالَيْ التوعية والاتصال بالجماهير في مصر، مشيرةً إلى خطاب نادر من زعيم تنظيم القاعدة 'أيمن الظواهري' للتضامن مع الإخوان المسلمين قبل أسابيع قليلة من الانتخابات. وفي مقابلة صوتية نُشرت على المنتديات الجهادية في 26 أبريل؛ دَانَ 'الظواهري' المواجهات ضد الإخوان، مؤكدًا أن أعضاءها 'لهم الحق في استخدام القوة ضد الظلم الذي يواجهونه'. وفي رسالة فيديو منفصلة يوم 3 مايو، صرح الظواهري بأن 'عودة الحكم العسكري في مصر جريمة كاملة الأركان تتطلب المقاومة'.

وقد أعرب 'الظواهري' بشكل روتيني دعمه للجماعات الجهادية في مصر، كما فعل في رسالة صوتية في 24 يناير أشار فيها إلى 'أهلنا في سيناء'، ولكنه نادرًا ما يختص جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من أن تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان يشتركان في الهدف نفسه -وهو بناء دولة إسلامية- فإنهما يختلفان كلية من حيث الوسيلة؛ إذ تدعو القاعدة إلى الجهاد المُسلَّح، بينما ينتهج الإخوان المشاركة السياسية السلمية في العمليات الديمقراطية التي تشمل الأحزاب الإسلامية، فضلا عن العلمانية. وقد كان 'الظواهري' نفسه عضوًا بجماعة الإخوان ذات يوم، ولكنه هجرها في وقت لاحق لإنكارها التغيير بالعنف.

في السنوات التي تلت خروج 'الظواهري' من جماعة الإخوان، وجّه تنظيم القاعدة انتقادات متواصلة لتوجهات الإخوان الديمقراطية، واستعدادها للتعاون والتفاوض مع القوى السياسية غير الإسلامية، بما في ذلك الحزب الحاكم السابق لحسني مبارك. وبعد فوز الأحزاب الإسلامية بمكاسب كبيرة في الانتخابات التشريعية في مصر في عام 2005، وفي فلسطين في عام 2006؛ انتاب السخط تنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى. وشجب الظواهري بنفسه جماعة الإخوان في مصر على '[إغوائها] لآلاف من الشبان المسلمين في طوابير الانتخابات.. بدلا من صفهم في طوابير الجهاد'.

وقد استمرت هذه الانتقادات بعد عام 2011. وبعد انتخاب مرسي، تساءل الظواهري مرارًا عن التزام الرئيس بالشريعة الإسلامية، وانتقد دستور عام 2013 الذي صاغته لجنة يُهيمن عليها الإخوان، لعدم تطبيقه للشريعة بشكل كافٍ.

الغضب يصل إلى القاهرة
تتابع مارا ريكفين تحليلها بالقول إن القاعدة ترى أن صعود 'السيسي' إلى السلطة يُمثّل فشل الإسلام السياسي المعتدل أكثر منه انتصار 'التسلّط العلماني'، وهو ما يُصيب الآلاف من أنصار الإخوان بخيبة أمل، ويجعلهم عُرضةً للاستغلال والتجنيد من قِبَل الجماعات الأكثر راديكالية.

وتعتقد الباحثة المختصة بشئون الجماعات المتشددة، أنه في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية الشاملة؛ يحل العنف بسرعة محل السياسة، باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحدي الوضع الراهن.

وتُشير الكاتبة إلى أن مصر شهدت في الآونة الأخيرة زيادةً كبيرةً في الإرهاب الداخلي، مع ما يزيد على 300 هجوم موثق، وظهور اثنين على الأقل من المنظمات الجهادية الجديدة منذ يوليو 2013. ففي 23 مايو ـ على سبيل المثال ـ قصف مسلحون مجهولون خط أنابيب الغاز الطبيعي في شمال سيناء للمرة 23 منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير2011. ويُعزَى الغالبية العظمى من هذا العنف إلى جماعات جهادية محلية، مثل (أنصار بيت المقدس) وهي جماعة تتخذ من سيناء مقرًّا لها، وظهرت لأول مرة في عام 2011، ويُقدر عدد أعضائها الآن بين 700 و1000 عضو حسبما جاء في المقالة. قد تستلهم هذه الشبكات الجهادية الناشئة أيديولوجيتها من تنظيم القاعدة، ولكن لا يبدو أنها ترتبط بها بعلاقات رسمية.

وتؤكد ريكفين أنه على الرغم من أن مصر لديها تاريخ طويل مع الإرهاب، لكن الأحداث الإرهابية الأخيرة التي تشهدها مصر فريدة منها لعدة أسباب، هي: النطاق الجغرافي، والتطور العملياتي للهجمات، والطبيعة العابرة للحدود للعنف والتطرف الإسلامي، وكذلك الجماعات غير الإسلامية.

أولا: كانت الجماعات الجهادية المصرية تقتصر على شبه جزيرة سيناء، ولكنها اليوم تنتشر على نطاق جغرافي غير مسبوق، وتقوم بتنفيذ هجمات مسلحة في المناطق المكتظة بالسكان في دلتا النيل والقاهرة ذاتها، بما في ذلك محاولة اغتيال وزير الداخلية في سبتمبر الماضي، وأعقبها استهداف مقرات الشرطة في عدد من المدن المصرية.

وبالإضافة إلى اتساع النطاق الجغرافي للعمليات الإرهابية، تتميز الهجمات الإرهابية الأخيرة بتطور لم يسبق له مثيل من حيث كل من الأسلحة والتكتيك. على سبيل المثال، في أوائل سبتمبر عام 2013، استهدف المتطرفون سفن الشحن التي تمر بقناة السويس مستخدمين قذائف صاروخية. وفي أواخر يناير، قام الإسلاميون المتطرفون في سيناء بإسقاط طائرة هليكوبتر عسكرية بنجاح، مستخدمين صاروخًا يُطلق من على الكتف، وهذه أول مرة على ما يبدو لنشر مثل هذه الأسلحة المتطورة في المنطقة. وشاع استخدام السيارات المفخخة التي لم تكن تُستخدم في مصر حتى الآونة الأخيرة، وهو ما يدعو إلى مقارنة الأمر بما يحدث في العراق. وسيزيد انتشار الأسلحة المتقدمة في مصر حيث تتدفق إليها الأسلحة المهربة بشكل غير قانوني عبر الحدود من ليبيا التي يتنامى فيها عدم الاستقرار بشكل متزايد.

ثانيًا: تعتبر الموجة الحالية من العنف 'عابرة الحدود' أكثر بكثير من الإرهاب الداخلي الذي شهدته البلاد في التسعينيات. وتقول الحكومة المصرية إنها قد اعتقلت عددًا من المقاتلين الأجانب في سيناء، ومنهم سوريون وفلسطينيون.

وفي الوقت نفسه، يُشير تدفق مئات الجهاديين المصريين في سوريا إلى أن مصر ليست مجرد مستورِد للإرهاب العالمي، ولكنها مصدِّر أيضًا. وتشير الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في شمال إفريقيا إلى مصر في دعايتها. على سبيل المثال، وجّهت حركة الشباب في الصومال اللوم للإخوان على ما فعله السيسي، وبدأت تستخدم هاشتاج #MBWakeascii117p(أي يا إخوان استيقظوا) في 4 يوليو لحثّ أنصار الإخوان على 'التخلص من نظاراتهم الملونة، ورؤية العالم بصورة أوضح وأكثر دقّة' مؤكدين لهم أن 'التغيير لا يأتي إلا عبر الرصاص، وليس الاقتراع'.

ثالثًا: الإسلاميون ليسوا وحدهم الجناة؛ فالمجموعات الشبابية المناهضة للحكومة التي لديها نزعات فوضوية وليست لها أي هوية دينية واضحة مثل 'ولّع' (وتعني: احرق) قد أعلنت مسئوليتها عن الهجمات الأخيرة ضد الشرطة والأهداف العسكرية.

على أهبة الاستعداد
وتذهب مارا ريكفين إلى القول بعدم وجود الكثير من الأدلة الملموسة التي تشير إلى تورط مباشر لتنظيم القاعدة في موجة العنف الحالية. ولكن سواء كان التنظيم له وجود مادي في مصر أم لا، فمن الواضح أن قادته يراقبون الوضع في البلاد باهتمام كبير؛ حيث يريد تنظيم القاعدة أن يرى فشل الإخوان في السياسة بما يؤكد صحة مزاعم 'الظواهري' الاستراتيجية والأيديولوجية الأساسية.

وكمصري وشقيق لزعيم الجماعة السلفية المتشددة المصرية المعروفة باسم 'الجهاد الإسلامي'، يُبدي الظواهري اهتمامًا شخصيًّا بالبلاد، وكثيرًا ما علّق على شئونها السياسية وسياستها الخارجية. فخلال ثورة 2011، ندَّد بنظام مبارك مع تشديده على أن الجهاد، وليس الديمقراطية، هو السبيل الوحيد لتنفيذ الشريعة.

وفي الآونة الأخيرة، وصف الظواهري ما حدث في الثالث من يونيو والإطاحة بـ'مرسي' بأنه 'أكبر دليل على فشل اتخاذ المسار الديمقراطي للوصول إلى السلطة في الإسلام'، وعزا سقوط الإخوان المسلمين إلى نبذها الجهاد بشكل مضلِّل و'إرضائها' القوى العلمانية.

وبحسب الكاتبة، فإن مزاعم تنظيم القاعدة هذه تجد قبولا متناميًا في مصر، ليس فقط من جانب الجماعات الجهادية التي تشارك بالفعل في أعمال العنف، ولكن أيضًا لدى الإسلاميين وأنصار الإخوان المعتدلين سابقًا الذين يتحولون إلى تبني وجهات النظر المتطرفة ردًّا على إغلاق منافذ العمل السلمي. حسبما تشير الكاتبة. ومع عجز الإخوان بسبب الاعتقالات وتجميد الأصول وتجريمها بالقانون، يرى أعضاؤها عدم وجود حافز قوي لإعادة الدخول في العملية السياسية التي لن يُسمح لهم فيها بالمشاركة بحرية على حد قول الكاتبة.

ورجحت مارا ريكفين، في ختام تحليلها، أن يؤدي فوز السيسي إلى استمرار الحلقة المفرغة من العنف، مشيرةً إلى أن قرار الحكومة المصرية بوصم جماعة الإخوان المسلمين، وانسداد أفق العمل السياسي أمام أعضائها المعتدلين، قد يدفع المزيد من أعضائها إلى تبني العنف باعتباره المنفذ الوحيد المتبقي لمعارضة النظام الجديد.
عرض: طارق راشد عليان، باحث في العلوم السياسية.
المصدر: المرحكز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية