قراءات سياسية » تحجيم مصر: أي دور تريده قطر في الحرب على غزة ؟

د.طارق فهمي(*)
دخلت قطر على خط التحركات العربية الإقليمية الدولية، وترجمت دخولها -بعد سلسلة من الاتصالات المكثفة من قبل قيادات حركَتَيْ حماس والجهاد من جانب والجانب التركي التونسي من جانب آخر- إلى طرح مبادرة جديدة في مواجهة المبادرة المصرية التي اعترضت على بنودها حركتا حماس والجهاد، واعتبرتاها لا تفي بالحد الأدنى من المطالب المطروحة، خاصةً في إشكاليات رفع الحصار، وتقديم تسهيلات في المعابر، وهو ما يشير إلى تطورات جديدة في مسار التوصل إلى هدنة جديدة.
qatareygpit_300ومن الواضح أن المبادرة القطرية جاءت في ظل مناكفة جانب قطر وتركيا وحماس للتحركات المصرية الدولية الداعمة للمبادرة المصرية، بالإضافة إلى وجود دور مباشر للقيادة الفلسطينية التي تحركت على أكثر من مسار، سواء تجاه مصر، أو القوى الإقليمية، وتحديدًا تجاه قطر وفي الأمم المتحدة، حيث طالبت القيادة الفلسطينية بوضع الأراضي المحتلة تحت الحماية الدولية لتحميل المجتمع الدولي تداعيات ما يجري في قطاع غزة.
البنود والالتزامات
وقد استندت المبادرة القطرية لوقف إطلاق النار على قيام إسرائيل بإطلاق سراح جميع السجناء التي قامت باعتقالهم عقب عملية قتل المستوطنين الثلاثة الشهر الماضي بالخليل، وسماح إسرائيل ببناء ميناء في غزة، وفتح إسرائيل جميع المعابر الحدودية بينها وبين قطاع غزة بشكل كامل، وفتح معبر 'رفح' على مدار 24 ساعة في اليوم، وسماح إسرائيل بالصيد في مياه غزة على بعد 12 ميلا (19 كم) من سواحل غزة.
كما تتضمن المبادرة تعهد إسرائيل بفك الحصار البري والبحري عن قطاع غزة بشكل كامل، وعلى أن تقوم إسرائيل بإتمام تنفيذ الاتفاق المبرم في القاهرة بين حركة 'حماس' والجانب الإسرائيلي بتاريخ 11 أكتوبر 2011 حول صفقة التبادل، ويشمل ذلك الأسرى الفلسطينيين الذين تم الإفراج عنهم، ثم اعتقلوا مرة أخرى، وإلغاء جميع الإجراءات والعقوبات الجماعية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية التي اتخذت بعد 12/06/2014، بما فيها الإفراج عن جميع المعتقلين، وخاصة رئيس وأعضاء المجلس التشريعي، وفتح المؤسسات وإعادة الممتلكات الخاصة والعامة التي تمت مصادرتها، ووقف سياسة الاعتقال الإداري المتكرر، ورفع العقوبات عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
ويُلاحظ على هذه البنود التي طرحتها المبادرة القطرية أنها تقر بضمان الولايات المتحدة تنفيذ هذا الاتفاق وفق جدول زمني محدد، والحفاظ على التهدئة، ومنع حدوث أي قصورٍ في تطبيق هذا الاتفاق، وفي حالة وجود أي ملاحظات من قبل أي طرف يَجرِي الرجوع إلى الولايات المتحدة الأمريكية راعية هذه التفاهمات لمتابعة ذلك، وهو ما يُغلق الباب أمام دور دولي للأمم المتحدة، ويلغي طرح القيادة الفلسطينية بشأن وضع الأراضي الإسرائيلية تحت الحماية الدولية، والتي اتخذت خطوات تنفيذية إزاء هذا المطلب، كما يلغي واقعيًّا المرجعيات الدولية الصادرة في حق القضية الفلسطينية منذ بدء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
ثغرات المبادرة القطرية
ومن المحتمل أن يبدأ طرح الطلب الفلسطيني حال التوصل إلى تهدئة مبدئية برغم رفض حركتي حماس والجهاد لهذا التوجه، وكذلك تعهد الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بوقف إطلاق النار خلال 6 ساعات من قبول الطرفين لهذا الاتفاق، وهو ما يتشابه مع الطرح المصري، وإن افتقد خطوات التنفيذ لذلك مرحليًّا، وهو ما سبق ورفضته حركتا حماس والجهاد لأنه افتقد الضمانات الكافية التي تلبي الحد الأدنى من التوافق بين تنظيمات المقاومة المختلفة وليس حماس أو الجهاد فقط.
على أن تشمل محادثات التهدئة ممثلين عربًا (بدون تحديد من الدول العربية المقصودة) والجانب الأمريكي، وأن تكون الإدارة الأمريكية وسيطًا بين إسرائيل وحماس، وذلك برغم عدم وجود اتصالات مباشرة بين الإدارة الأمريكية وحركة حماس التي يعتبرها الأمريكيون حركة إرهابية رسميًّا، إلى جانب قطر وتركيا، وهو ما يلغي واقعيًّا أي دور عربي آخر، لا لمصر فحسب، وإنما أيضًا للجامعة العربية، ومبعوث اللجنة الرباعية، ويضع الأمور في منظومة أمريكية وبدعم قطري وتركي، مع إغفال دور السلطة الفلسطينية ذاتها التي تعد فعليًّا الممثل المباشر والرسمي للشعب الفلسطيني، وهو ما لن تقبل به السلطة الفلسطينية، خاصةً مع تحركها النشط خلال الساعات الأخيرة في الأمم المتحدة لإحداث اختراق في الموقف الراهن برغم استمرار العدوان على القطاع.
دلالات توقيت المبادرة
من الواضح أن توقيت طرح المبادرة القطرية يستهدف بالأساس أن تكون الأفكار القطرية -بعد المداولات القطرية التركية مع حماس والجهاد ـ بديلا عن المبادرة المصرية التي رفضتها حركة حماس بضغوط من تركيا وقطر، ولتؤكد وجود طرح مقابل لا يزال يفتقد الدعم الدولي والإقليمي والعربي حتى الآن، من أجل إبعاد مصر من الوساطة بين الجانبين، وإحلال تركيا بدلا منها، وأن تكون تركيا شريكًا رئيسيًّا في جهود التهدئة، وذلك بدون أية مرجعيات عربية أو دولية تصب في صالح تهدئة الأوضاع حتى الآن، وإنما تركز على المناكفة السياسية مع الجانب المصري.
كما تستهدف المبادرة القطرية تنحية دور القيادة الفلسطينية من أي دور لاحق في الساحة الفلسطينية، وإظهار الرئيس محمود عباس على أنه عاجز عن اتخاذ قرارات حاسمة، وإفشال خطواته تجاه الأمم المتحدة بالحصول على عضوية 45 منظمة دولية ومعاهدة جديدة تتيح للقيادة الفلسطينية محاكمة قادة الحرب على قطاع غزة، ومحاولة تطويق الدعم الدولي الراهن حول التفاعل مع تطورات الأحداث في قطاع غزة، وخاصة مع بدء مسار جديد تتبناه الإدارة الأمريكية ووزير الخارجية جون كيري بدعم مباشر من الرئيس الأمريكي أوباما والأمين العام للأمم المتحدة، بالتأكيد على الدور القطري التركي (الداعم المالي الأكبر للقطاع بفصائله وتنظيماته)، ومن ثم طرح دوريهما لاحقًا في أي اتفاق تحت عنوان إعمار قطاع غزة، والمشاركة في تنمية القطاع جراء ما جرى في المواجهة الأخيرة.
المحاور العربية
يبدو من الطرح القطري الجديد أنه مرتبط بعدة تطورات متعلقة بسياسة توزيع الأدوار داخل حركتي حماس الجهاد إزاء مجمل الحركة المصرية، وما يقابلها من حركة إقليمية (قطرية-تركية) يدفع إلى التأكيد على أن حماس تريد تعديل وتجميد المبادرة المصرية، والسعي لصياغة مبادرة جديدة قطرية تركية بمشاركة إقليمية عربية داعمة للموقف الفلسطيني، لا ينصب على مصر فقط، والحاجة لضمانات دولية تسعى حركة حماس للتوصل إليها في الاتفاق ليتضمن عناصر محددة لرفع الحصار، والحصول على تسهيلات كاملة في ملف معبر رفح، وإدخال التحويلات المالية، وحل مشكلة القطاع الاقتصادية.
إجمالا فإن المبادرة القطرية في بنودها وعناصرها وما تستهدفه إنما تأتي في سياق ما أحاط بالنظام الإقليمي من انقسام واضح بعد سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر، واستمرار حالة التأزم في النطاق الإقليمي، وتجذر الخلافات العربية ـ العربية في توقيت يواجه فيه هذا النظام العربي تحديات ومخاطر جسيمة قد تعصف بأركانه.
إذ أن توافق تنظيمات المقاومة من حماس إلى قطر إلى حزب الله وتركيا في مقابل التقارب المصري السعودي الإماراتي الكويتي الأردني أدى إلى تداعيات سلبية واضحة في التعامل مع الأوضاع في قطاع غزة، وأدت الخلافات إلى استمرار حالة التأزم المرشحة للاستمرار بقوة، ولتكون القضايا العربية الأخرى المطروحة ساحة لخلافات مشابهة، ولن تقتصر على الشأن الفلسطيني، وإنما على تداعيات الملفات العراقية والسورية، وأمن الخليج، والعلاقات مع إيران.
وإن ظهرت تلك المحاور الإقليمية بوضوح في مراحل سابقة فإنها مرشحة بقوة لمواجهات أخرى في أزمات جديدة، ليصبح الحديث عن أي نظام عربي جديد يعاد بناؤه على توجهات وأسس جديدة مجرد أمنيات وطموحات في ظل إمعان بعض القوى العربية في تجاوز دور الجامعة، واستبعاده برغم تصديها العاجل في الحرب على قطاع غزة، ودعمها للمبادرة المصرية.
الخلاصة
ـ تريد قطر استثمار الأحداث في قطاع غزة لحساباتها وتقديراتها، ومناكفة الدور المصري، وإثبات قدرتها على المواجهة من خلال تنسيقها المعلن والمباشر مع تركيا. ولعل ذلك يأتي في إطار سياسات المحاور العربية ـ العربية القائمة في المنطقة والتي ستلقي بتداعياتها السلبية على مجمل القضايا العربية المفتوحة والتي تحتاج إلى حسم.
ـ لن تنجح أيه مبادرة إقليمية جديدة سواء من قطر أو غيرها بدون مراعاة نصوص المبادرة المصرية التي تحظى بدعم إقليمي وعربي ودولي، وهو ما لن يتوافر لأية مقترحات لمبادرات جديدة يطرحها أي طرف، ومن المحتمل أن تدخل الولايات المتحدة وتقوم بدمج الأفكار المطروحة خارج نطاق المبادرتين المصرية والقطرية لصياغة مبادرة جديدة وعلى أسس مختلفة.
ـ لن تدخل مصر في خط المبادرات الإقليمية المطروحة حتى الآن بكل أفكارها، خاصة أنها لم تتبلور في شكل مبادرة متكاملة الأركان بما في ذلك المبادرة القطرية، وسيظل التأكيد المصري على المبادرة الأصلية مع إفساح المجال لنقاشات حول إضافات لاحقة في خطوات ما بعد وقف إطلاق النار.
ـ ستعمل الإدارة الأمريكية على رفض أيه وساطات إقليمية من أي نوع لا تراعي ضوابط ومتطلبات الأمن القومي الإسرائيلي، خاصة مع الالتزامات الأمريكية المعلنة مؤخرًا بتوفير الأمن لإسرائيل، وهو ما سيتمثل فور إنهاء العدوان على القطاع في دعم النظام الدفاعي الصاروخي الجديد لإسرائيل، وهو ما يعرف باسم مقلاع داود.
ـ من المرجح حال استمرار التحركات العربية المصرية والإقليمية على وضعها خلال المدى المنظور بدون إنجاز، أن تدفع الإدارة الأمريكية بالأمين العام للأمم المتحدة للتدخل مباشرة، وبدء مسار جديد للتعامل مع الأزمة.
(*) نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية