قراءات سياسية » مأساة العدالة من نيويورك الى بيروت: فلسطين وحزب الله ضحايا الاهواء الغريزية

يونس عودة

مسألتان مهمتان حصلتا بالتزامن رغم بعد المسافة الجغرافية لمكاني حصولهما، والقتا بظلالهما السوداء على مسارات العدالة العوراء، او العدالة المريضة بالتدرن السرطاني المشوّه والمشوه، لكن القاسم المشترك بين المسألتين هو "الحقيقة السياسية" المجبولة بالاحقاد على الحقيقة، والحق ، والحرية بابعادها الوطنية والإنسانية ، والتي يراد لها ان تكون دوما ضحية الباطل باسم القانون، او الاستنساب في تحريف القوانين، بما يخدم خدام الباطل، وهو ما يجمع بين المسألين.

المسألة الأولى حدثت في الولايات المتحدة الأميركية، وفي كلية الحقوق بمدينة نيويورك الأمريكية (CUNY) ــ تأسست قبل 175 عاما ــ، حيث عوقبت الطالبة فاطمة محمد، لانها شهدت بالحق وهي من الألمع بين خريجي دفعة 2023، ولذلك اختيرت ان تكون المتحدثة باسمهم على منبر يفترض انه يعلم الحقوق، أي من على مدرجاته يتخرج القانونيون الذين سيحكمون بالعدل، ويحافظون على القوانين العادلة، ويطورون القوانين لتكون اكثر عدلا.

المسألتة الثانية وقعت في بلد اسمه لبنان، ارتفع اسمه بين الأمم، رغم صغر مساحته، وقلة حيلته، واقتصاده الممروض عن سابق تصور وتصميم، ارتفع اسمه عاليا، لان ثلة من المؤمنين خرجت لتحرير أرضه، ونجحت ايما نجاح، نجاح ادهش العالم والعدو قبل الصديق.

ان المسألة أيضا قضية قانون وعدالة، تعمد من اختير ليحكم بالعدل لممارسة الاهواء الغريزية، فسقط في اكثر من اختبار، لا بل ان النفس الامارة بالسؤ ،  أدت بالبعض ، الى استخدام الموقع ، كأنه ممسحة متسخة ، يمكن ان تبيض وجوههم المسودة.

ان السؤال الذي يطرح نفسه، في قضية مقتل الجندي الايرلندي شون روني (23 عاما) في العاقبية، اذا كان "المصدر القضائي "الذي تلطى وراء القانون والقضاء، لديه قناعة، او دلائل قانونية، بان ما اقدم عليه من اتهام لمن وصفهم بانهم عناصر من "حزب الله "القتل عمدا".، هو حقيقة واقعية، فهو سقوط في هاوية، لان الاتهام المبني على وقائع، يجب ان يكون جهارا، نهارا، وخلال الدوام الرسمي، لا بشكل تسريب، القصد منه التشويه، سيما مع اطلاع المسرب اليه على مضمون القرار الاتهامي، وحشو الجملة الاتهامية الخطيرة من خارج النص الاتهامي، غب طلب، لغاية سؤ في نفس امارة سيما ان قوات "اليونيفيل" اكدت وبعد تحقيقات اجراها محققوها وجاء بعضهم من الخارج، وبالتعاون مع الجيش اللبناني، عدم وقوف أي "جهة "وراء الحادث، وانما بفعل شخصي، ولذلك ، فان استقامة العدالة، لا يمكن ان يكون مرجعها من تتملكه جذوة الانتقام، لانه تنحى عن قضية، كان الاتهام الصلف فيها لحزب الله يحمل فجورا سياسيا عدوانيا بكل ما للكلمة من معنى، منذ اللحظة الأولى لانفجار مرفأ بيروت، وقبل ان يتبدد صدى صوت الانفجار بان العنبر رقم 12، عائد للحزب، ويخزن فيه صواريخ، ولا سيما من الاعلام المدار اميركيا، ومن السياسيين الذين يدورون في مدار الدوامة المعادية للمقاومة، لا بل تبث بان الحقيقة مغايرة، لكن احدا لا يجرؤ على وضع الاصبع على موضع الجرح، اكان خوفا، ام لغاية سياسية تلوث العدالة.  

اذا كان شخص واحد موقوف في القضية، وهو محمد عياد، الذي لم يقل في كل التخقيقات انه ينتمي الى حزب الله، بل هو اعلن انه لم ينتم الى الحزب الذي تعاون مع الجيش في تسليمه ليحال الى المحكمة حيث يجب ان يكون العدل عدلا، وان الأربعة المتوارين، لم يجر التحقيق معهم، ولا هناك من افاد بانهم منتمون الى الحزب، او حتى انهم من مشرب سياسي واحد، كيف يجوز في القانون بان يكون  القرار الاتهامي الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان بـ"تأليف جماعة من الأشرار، وتنفيذ مشروع جرمي واحد".، وهو يدرك ان الحادثة المؤلمة "بنت ساعتها"، ومع ادراكه الكامل أن حزب الله "في الأصل ليس طرفا في المشكلة بين الأهالي وبين الدورية الإيرلندية" سيما أن الحزب "لعب دورا كبيرا في تخفيف التوتر في تلك الحادثة وأجرى في حينها الاتصالات الضرورية بكل من قيادة الجيش واليونيفيل وكان له دور بارز في دفع الأهالي للتعاون مع الجيش والقضاء العسكري".

اذا لم يكن القاضي فادي صوان هو من يقف وراء الفبركة الاتهامية، فمن الواجب فتح تحقيق عاجل، للوقوف على حقيقة من هو المسرب، ومقاصده الخطيرة في بث الفتن، والاساءة الى القضاء، وإعلان ذلك جهارا، كي لا تسؤ العدالة اكثر، لان العدالة ليست استنسابية، والتشويه ليس نسبيا، فالفعل فعل، والقضاء يرفع ميزان العدالة، وليس من كفة اعلى من كفة، بل يستند الى ادلة واعترافات بينة.

هذا في لبنان الذي كان يفاخر بقضائه، اما القضية في الولايات المتحدة التي اتخمت العالم بمحاضراتها عن عفة القانون، والحرية، والعدالة، فلها شأن سياسي ، ولكن بحجم الأكاذيب الأميركية، ولا سيما في دور "القانون" حيث الاتهام جاهز، في سياق تبرير الارتكاب الاحمق، والحاقد على حد سواء.

الطالبة فاطمة محمد وهي محجبة ويمنية الأصل، اعتلت المنصة للتحدث باسم الخريجين وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية على اكتافها، وتحدثت في خطابها عن الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وأشارت موسى إلى كيفية انضمامها هي وطلاب آخرون إلى جامعة الحقوق في مدينة نيويورك لاكتساب المهارات القانونية اللازمة لمواجهة أنظمة القهر وتطبيق مبادئ القانون باستمرار، وقالت: "تواصل إسرائيل إطلاق الرصاص والقنابل بشكل عشوائي على المصلين، وقتل كبار السن والشباب، ومهاجمة الجنازات والمقابر، كما تشجع الحشود على استهداف المنازل والشركات الفلسطينية، كما تسجن الأطفال، وتواصل مشروعها الاستيطاني".

وأضافت: "النكبة لا تزال مستمرة، والصمت لم يعد مقبولا.. لم يعد بإمكان فلسطين أن تكون الاستثناء في سعينا لتحقيق العدالة".

لمجرد الحديث عن واقع يراه العالم كله كل يوم ، تعرضت فاطمة لاشنع حملة ووصف خطابها القانوني بإنه "معاد للسامية"، وحذف كلامها من منصات الجامعة، وعلق النائب الجمهوري تيد قائلا: "المتحدثة باسم خريجي دفعة جامعة مدينة نيويورك تهاجم إسرائيل وتحتفل بحماس ومعاداة السامية".، ولكن لم يقدم ملاحظة على مضمون ما فالته، وانما توزيع اتهامات على الطريقة الأميركيةالتي تجتذب ساسة واعلاميين وقضاة من لبنان، من دون براهين لا نهم ليسوا صادقين.

اما التبرير الأخطر فجاء مما يسمى جامعة الحقوق اذ اعتبرت ان: "الملاحظات التي أدلت بها المتحدثة باسم الطلاب في حفل تخرج كلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك، لسوء الحظ، تندرج ضمن فئة خطاب الكراهية لأنها كانت تعبيرا عاما عن الكراهية تجاه الأشخاص والمجتمعات على أساس دينهم أو عرقهم أو انتمائهم السياسي. ومجلس أمناء جامعة مدينة نيويورك يدين خطاب الكراهية هذا".

وشددت الجامعة على أن "هذا الخطاب غير مقبول بشكل خاص في حفل الاحتفال بإنجازات مجموعة واسعة من الخريجين، وهو مؤذ لمجتمع جامعة مدينة نيويورك بأكمله، والذي تأسس على مبدأ المساواة في الوصول والفرص، ولا يمكننا ولن نتغاضى عن الخطاب البغيض في حرم جامعتنا".

وتعليقا على حذف خطابها، قالت محمد إنها لم تتفاجأ بذلك، معتبرة أن "اختيار إزالته يظهر الانفصال الصارخ بين إدارة المدرسة وأعضاء هيئة التدريس والطلاب". وأشارت إلى أن الهيئة الطلابية وأعضاء هيئة التدريس "يدعمون بأغلبية ساحقة التحرير الفلسطيني"، مضيفة: "قرار الإدارة بإزالة الفيديو هو استسلام للضغط الصهيوني الخارجي وصفعة على وجه أعضائها الذين يساهمون في جعل قانون مدينة نيويورك المؤسسة الراديكالية والتحويلية التي هي عليه اليوم"

أنموذجان من القانون والعدالة المنكوبان بحراسهما، لكن الحياة تسير وسيكون للباطل جولة، وفي الختام لن يعلو على الحق والحقيقة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية