قراءات سياسية » لماذا تخفق الحكومة الأمريكية في مواجهة الأزمات؟(*)

محمد بسيوني عبد الحليم
ظلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لعقود تستند إلى فرضية أن النظام الديمقراطي يشكل ضمانة لكفاءة الحكومة، ويحول دون إخفاقها، بيد أن هذه الفرضية فقدت الكثير من تماسكها في خضم الأزمات التي مرت بها واشنطن خلال السنوات الماضية، وظهرت العديد من الأطروحات التي تقوض مسلمات الاستثناء الأمريكي، وتتعاطى مع الولايات المتحدة كدولة لديها قابلية للإخفاق.
ريتشارد هاس في كتابه 'السياسة الخارجية تبدأ في الداخل: قضية إعادة ترتيب البيت الأمريكي' ذكر أن الولايات المتحدة تعاني من تنامي الإخفاقات في الداخل والخارج، وربط بين تراجع النفوذ الخارجي لواشنطن وتزايد الإخفاقات الداخلية، والتي أدت إلى التآكل التدريجي لمقومات النفوذ الأمريكي. 
وفي هذا الإطار، قدم الخبير بمعهد بروكنجز، بول لايت Paascii117l C. Light رؤية تحليلية لتردي أداء الإدارات الأمريكية المتعاقبة في مواجهة الأزمات في دراسته المعنونة 'سلسلة الإخفاقات: لماذا تخفق الحكومة الأمريكية وكيف يمكن وقف الإخفاق؟'، المنشورة من جانب معهد بروكينجز في يوليو الفائت؛ حيث تطابقت استنتاجات لايت مع ما طرحه ريتشارد هاس من خلال تحليل ومراجعة نماذج لإخفاقات الحكومة الأمريكية، محاولا التوصل لأسباب الإخفاقات، وكيفية التعاطي معها ومعالجتها. 
نماذج إخفاقات الحكومات الأمريكية:
شهدت حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية عددًا من الأزمات التي كان يتعين على الحكومة الاتحادية الأمريكية التعامل معها، وبمرور الوقت حققت الحكومةُ الأمريكية إنجازات حقيقية في عدة ملفات، منها: أمراض السرطان، وشلل الأطفال، والسكتة الدماغية، وتخفيض حدة الفقر، وتطوير البنية التحتية، بيد أن هذه الإنجازات لا يمكن أن توفر رؤية متكاملة لواقع الأداء الحكومي، لا سيما مع تراجع قدرات الإدارات الأمريكية المتتالية على التعامل مع عدة قضايا شكلت في حد ذاتها سلسلة من الإخفاقات.
وفي هذا السياق، يطرح لايت حالات يتضح خلالها إخفاق الحكومة الأمريكية، وذلك استنادًا إلى تحليل للمحتوى الإخباري الوارد في مؤشر الاهتمام بالأخبار 'news interest index' المُعد من جانب مركز بيو، وهو مؤشر تم إطلاقه في منتصف عام 1986 لقياس نسبة متابعة واهتمام المشاهدين (وتصنيف درجة هذا الاهتمام) بقضايا إخبارية معينة (تتسم بدرجة ملحوظة من الأهمية) تحظى بتغطية المؤسسات الإعلامية، وبمرور الوقت استقر المؤشر، وتمكن المركز من ترسيخ أدواته التحليلية.
وتأسيسًا على هذا المؤشر، توصل لايت إلى أنّ الحكومة الاتحادية الأمريكية تعرضت لـ41 حالة إخفاق خلال الفترة من 2001 إلى منتصف 2014، وهي حالات تختلف من حيث مدى اهتمام الرأي العام بها، ومدى مسئولية الإدارة الأمريكية عن وقوعها، وبوجه عام يمكن إدراج تلك الحالات في خمسة نماذج عامة رئيسية، أولها نماذج الأزمات الخارجية، وتتصل تلك الأزمات بالإخفاقات الخارجية التي تعرضت لها واشنطن، ومن أبرز الحالات في هذا النموذج غزو الولايات المتحدة للعراق اعتمادًا على ذريعة أسلحة الدمار الشامل بالرغم من عدم إثبات الإدارة الأمريكية آنذاك أن العراق يمتلك تلك الأسلحة، وانتهاكات سجن أبو غريب في العراق ومعتقل جوانتانامو التي أُثيرت إعلاميًّا على نطاق واسع بداية من عام 2004، وقتل المدنيين العراقيين في مدينة الحديثة عام 2005 على أيدي قوات أمريكية، وهي أحداث قوضت أركان الصورة الأخلاقية لواشنطن، كما تضمن هذا النموذج الهجوم على السفارة الأمريكية في بنغازي عام 2012 والذي تسبب في مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز.
الفئة الثانية من النماذج ارتبطت بتعثر الأداء الحكومي في ملف الإرهاب والأمن الداخلي، ويتصدر تلك النماذج أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وإخفاق الإدارة الأمريكية في التعامل مع تهديدات تنظيم القاعدة. كما يشمل هذا النموذج حالات أخرى، منها محاولة تفجير طائرة متوجهة لديترويت في عام 2009، وقيام الميجور نضال حسن بإطلاق النار بقاعدة فورت هود في 2009 ليودي بحياة 13 شخصًا، وتفجيرات ماراثون بوسطن الإرهابية في 2013.
بينما تضمنت الفئة الثالثة الأزمات الاقتصادية التي أخفقت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في احتواء تأثيراتها، وهو ما يُستدل عليه بأزمة الانهيار المالي الذي تعرضت له الولايات المتحدة في 2008 ليعكس في أحد تجلياته عجز الإدارات الأمريكية المتتالية عن تنظيم التفاعلات الاقتصادية بصورة أدت إلى تراكم الأزمات وصولا للانهيار المالي 2008، أما الفئة الرابعة من إخفاقات الحكومة الأمريكية فتمثلت في العجز في احتواء آثار الكوارث الطبيعية والأحداث المفاجئة على غرار عدم تمكن إدارة جورج دبليو بوش من التعامل مع التداعيات الكارثية لإعصار كاترينا في 2005، وحادث تسرب النفط في خليج المكسيك في 2010، والذي لم تتمكن السلطات الفيدرالية من احتواء آثاره لنحو 87 يومًا، بالإضافة إلى انفجار مصنع تكساس للأسمدة في 2013. 
وترتبط الفئة الرابعة من الإخفاقات بعدد من الأزمات ذات الطابع الاجتماعي في المجمل، سواء نتيجة لعدم قدرة الحكومة الأمريكية على توفير الرعاية الصحية المناسبة، كما في حالة عدم توافر أمصال الإنفلونزا في 2004 في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية، أو في تراجع الخدمات الصحية المقدمة للمحاربين القدامى والجنود الجرحى، أو تراجع القدرات الرقابية للحكومة على الأسواق، وهو ما أفضى إلى تدفق بعض المنتجات (غذائية وغيرها) والتي تؤثر سلبًا على المستهلكين. 

أبعاد تصاعد الفشل الحكومي:
على الرغم من التفاوت بين نماذج الإخفاق الحكومي سالفة الذكر من حيث طبيعتها ونطاقها وتداعياتها، فإنها تنطوي على جملة دلالات يمكن إجمالها فيما يلي:
1-أن نسبةً لا يُستهان بها من تلك الإخفاقات ناتجة عن قصور في الرؤية، والقدرة على الاستشراف، والتنبؤ بما يمكن أن تصل إليه الأحداث، فواشنطن لم تكن لديها القدرة على التنبؤ بما يمكن أن يحدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومن ثمَّ إمكانية منع وقوعه، كما أنها لم تمتلك الإمكانات التخطيطية اللازمة لمواجهة كارثة إعصار كاترينا، وهو ما يتكرر في غيرها من الأزمات. 
2-يمثل الإعلام دورًا محوريًّا في تعظيم بعض الإخفاقات، فمن خلال التوجهات الحاكمة يتم إفراد مساحات تغطية إعلامية متباينة بحسب طبيعة القضية، ومن هذا المنطلق اختلفت درجةُ الاهتمام بحالات الإخفاق الحكومية، وهكذا كانت قضايا مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وإعصار كاترينا والإنهيار المالي والتسرب النفطي في خليج المكسيك تحتل أولوية كبيرة في التغطية الإعلامية بصورة لم تحدث في حالات أخرى. 
3-تحليل البيانات الواردة في مؤشر الاهتمام بالأخبار 'news interest index' يُشير إلى عددٍ من الدلالات، أولها أن منحنى الإخفاقات الحكومية آخذ في التصاعد المتصل، فخلال الفترة من منتصف 1986 وصولا إلى مشارف عام 2001 شهدت الولايات المتحدة 23 حالة إخفاق بمعدل 1.6 إخفاق سنويًّا، بيد أن الفترة الممتدة من 2001 إلى منتصف 2014 شهدت وقوع 41 حالة إخفاق بمعدل 3 إخفاقات سنويًّا، وإجمالا مر منحنى الإخفاقات الحكومية بثلاث مراحل خلال الثلاثين عامًا الماضية، بدأت في العقد الأول بمعدل منخفض من الإخفاقات، ثم تزايدت خلال العقد الثاني وتسارعت وتيرتها بشكل كبير خلال العقد الأخير.
من ناحيةٍ أخرى، واتساقًا مع تزايد منحى الإخفاقات تباينت إدارات آخر خمس رؤساء أمريكيين من حيث عدد الإخفاقات؛ إذ إن إدارة ريجان كانت الأقل بعدد أربعة إخفاقات خلال آخر عامين ونصف في الحكم بمعدل 1.6 إخفاق سنويًّا، وتصدرت إدارة بوش الابن المرتبة الأولى، حيث وقع خلال سنوات الإدارة الثمانية 25 إخفاقًا بمعدل 3.1 إخفاقات سنويًّا، وبالرغم من أن إدارة أوباما شهدت حتى الوقت الراهن 16 إخفاقًا، فهي لم تصل إلى نهاية مدتها، غير أنه يُرجح أن تتزايد هذه الإخفاقات. 
4-تشهد فترتا رئاسة أي إدارة أمريكية اختلافًا في معدلات الإخفاق، وغالبًا ما تتزايد احتمالات الإخفاق في الفترة الثانية مقارنة بالفترة الأولى، ومن النماذج الرئيسية على ذلك إدارتا بوش الابن وأوباما فخلال الفترة الرئاسية الأولى لبوش وقعت 10 حالات إخفاق بمعدل 2.5 إخفاق سنويًّا، ووصلت إلى 15 حالة في الفترة الثانية بمعدل 3.8 إخفاقات سنويًّا، بينما شهدت الفترة الرئاسية الأولى لأوباما 8 حالات إخفاق بمعدل 2 إخفاق سنويًّا، وهو نفس المعدل الذي شهدته ثمانية عشر شهرًا فقط من الفترة الرئاسية الثانية بمعدل 5.3 إخفاقات سنويًّا، وهو معدل أكبر من الفترة الأولى، وذلك اعتمادًا على عامل الوقت.

أسباب تصاعد الفشل الحكومي:
يفترض لايت أن الإخفاقات التي مرت بها منظومة الحكم الأمريكية خلال السنوات الماضية ارتهنت بخمسة أبعاد جوهرية، كل منها يتضمن ثلاثة متغيرات فرعية كمقاييس معيارية، شكلت عوامل دافعة للإخفاق. فمن ناحية كانت هناك ثمة إشكالية في صياغة بعض السياسات، والكيفية التي يُمكن من خلالها لهذه السياسات مواجهة القضايا المطروحة، ومدى مواءمتها للاحتياجات الفعلية، فضلا عن صعوبة نقل تلك السياسات من المستوى الأعلى المختص بالتخطيط إلى المستويات الأخرى المسئولة عن التنفيذ، بحيث تكون الرؤية الخاصة بهذه السياسات مستقرة وواضحة لدى الأجهزة التنفيذية. 
وكانت بعض الإخفاقات مرتهنة بعامل الموارد حينما افتقدت الحكومة الموارد المادية والبشرية المطلوبة لتنفيذ سياسات متسقة متماسكة تقلل من القابلية للإخفاق، ويرتبط البعد الثالث بهيكلية وهيراركية الأجهزة الحكومية، ومن سمات التأزم في هذا الصدد عدم الوضوح في تسلسل القيادة بين المستويات المختلفة، وتأزم عملية نقل المعلومات والسياسات داخل الجهاز الإداري، بالإضافة إلى إشكاليات في الإشراف والرقابة والتداخل والازدواجية في المهام بين أجهزة مختلفة.
ويتبلور البعدُ الرابع في متغير القيادة التي تُعاني هي الأخرى من سمات قد تُرجح احتمالات الإخفاق، فالقيادات الحكومية في بعض الأجهزة لا تمتلك المؤهلات الكافية لإدارة القضايا المستهدفة، فهي تفتقر إلى القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في أوقات الأزمات والقضايا الطارئة، ناهيك عن ارتباط وصول القيادات إلى مناصبها بالتغيرات السياسية التي تحدث على إثر الانتخابات الرئاسية، ومن ثم قد تتأخر عملية تعيين القيادات.
وتذكر الدراسة الثقافة كعامل أخير من عوامل الإخفاق، فقد تمتلك الحكومة سياسات ما، ولكنها تفشل في تحويلها إلى مهام محددة، علاوة على إمكانية قيام السلطة الإدارية بتأسيس سلسلة من المهام المتداخلة والمرتبكة التي يصعب تبنيها، والالتزام بها، وقد يُشكل الفساد والسلوكيات غير الأخلاقية في حال انتشارها داخل الهرم التنظيمي، عبئًا إضافيًّا على السلطة، ويقلل من احتمالية إنجاز المهام الموكلة إليها.
ويمضي لايت في تحليله لعوامل الإخفاق بالتطبيق على الحالات التي توصل إليها، ليستخلص أن الأبعاد الخمسة المرتبطة بالسياسات والموارد والهيكلية والقيادة والثقافة، كانت حاضرة في حالات الإخفاق المختلفة، وإن كانت بنسبة متفاوتة، ومن النماذج الرئيسية في هذا الإطار حالة إعصار كاترينا 2005، حيث إن تحليلَ الأزمة يكشف أن أسباب الإخفاق تتلخص في افتقاد الحكومة الاتحادية لخطة للاستجابة للأزمة، بالإضافة إلى ضعف قدرات الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ، وتراجع فاعلية وكفاءة القيادات، والارتباك والتضارب في تحديد الصلاحيات والمسئوليات.
وبوجهٍ عام يتصدر متغير السياسات ومستوياته الفرعية قائمة أسباب الإخفاق في حالات الدراسة المطروحة بمعدل 79 حالة، ويتبعه نقص الموارد بمعدل 65 حالة إخفاق، ثم الثقافة التي أدت إلى إخفاق الحكومة الأمريكية في حوالي 62 حالة، أما ضعف أبنية المؤسسات وتضارب الاختصاصات فقد تسبب في 56 حالة إخفاق، ويأتي متغير القيادة في المركز الأخير بمعدل 40 حالة، ويوضح الشكل البياني مدى التباين بين العوامل السابقة في تسببها في الفشل الحكومي في مواجهة الأزمات المختلفة.

تحديات استعادة الفاعلية:
يعتقد لايت أن النظام السياسي القائم على الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة يتحمل جزءًا كبيرًا من أسباب ضعف الأداء الحكومي، ومن ثمَّ حالات الإخفاق التي تعرضت لها الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية؛ إذ إن الاستقطاب والتنافس المستمر بين الحزبين تمتد تداعياته إلى عملية تطبيق السياسات والقوانين، وقد ساهم كلُّ طرف منهما في الإخفاقات الحكومية على طريقته الخاصة، فمن جانبهم ظل الديمقراطيون لسنوات يتجاهلون التهالك المستمر في قدرات الحكومة الاتحادية، ويُحجمون عن تبني مبادرات حقيقية، ورؤية مغايرة لإصلاح الأداء الحكومي.
ولم يُمَثِّل الرئيس الأمريكي الحالي أوباما حالة استثنائية في هذا المضمار، ففي خطابه حول حالة الاتحاد في عام 2011 وعد أوباما بتشكيل حكومة للقرن الحادى والعشرين تتجاوز أزماتها التقليدية، وتتجاوب مع الواقع بصورة مغايرة، ولكن بمرور الوقت اتضح أن هذا الأمر لم يكن سوى تصريح ووعد لم يمتد إلى المشهد العملي، وسرعان ما تشتتت أفكار إدارة أوباما في خضم الأزمات المتتابعة ليتم إغفال مساوئ الإدارة الحكومية، ويستمر الوضع كما هو لم يراوح مكانه.
من جانبهم، استغل الجمهوريون التباطؤ والحذر المسيطر على تحركات الحزب الديمقراطي لتقويض الأداء الحكومي بحثًا عن مكاسب سياسية، وهنا ارتكن الحزب الجمهوري إلى عددٍ من الآليات، منها عرقلة التغييرات السياسية المطلوبة، وجعل تنفيذ البرامج والسياسات الجديدة صعبة بقدر الإمكان عبر استقطاع الميزانيات والموارد المادية والبشرية المطلوبة، كما تداخلت اعتبارات الانتماء السياسي في شغل المناصب القيادية التنفيذية، وبعيدًا عن تداعيات التنافسية السياسية بين الحزبين، تطرح الدراسة عددًا من التوصيات الرئيسية للتعاطي مع الإخفاقات الحكومية تتمحور حول الأفكار التالية:
1- الكفاءة في صياغة السياسات وربطها بمعايير الفاعلية؛ حيث إن المحك الأساسي في تخفيض حدة الإخفاقات الحكومية يتمثل في ضمانة استدعاء الرؤية المستمدة من السياسات في كل مراحل العملية التنفيذية، والتأكد من سهولة توصيلها لكافة المستويات الإدارية، وفي هذا الإطار يمكن الارتكان إلى معطيات النظام السياسي الراهنة؛ حيث توجد لجان متخصصة بالكونجرس لتقدير التكاليف وكافة التداعيات الناتجة عن أي مشروع قانون يتم طرحه، وعطفًا على ما سبق فإن تحديد المهام من المشروطيات الضرورية لاستعادة الفاعلية في مواجهة الأزمات، وهو ما يعني أن يتم تحليل المهام وترجمتها في مجموعة واضحة ومفهومة من التوقعات والالتزامات القابلة للقياس والتقييم، بصورة تضمن أن المؤسسة لن تحيد عن الأهداف والرؤى المحددة مسبقًا.
2- توفير الاحتياجات المادية (الموارد المالية والتقنية) والبشرية التي تشكل ركيزة جوهرية في مجابهة الإخفاقات، لا سيما أن جزءًا لا بأس به من تلك الإخفاقات كان مرده إلى نقص الإمكانات، ويستلزم هذا الأمر من الكونجرس ومؤسسة الرئاسة مطالبة مكتب الميزانية بالكونجرس بتحديد الاحتياجات الخاصة بكل قانون يتم طرحه، والضغط لتوفير الموارد البشرية والمادية اللازمة لإنجاز السياسات الحكومية، ويتعين أن يُؤخذ في الاعتبار احتياج الحكومة الاتحادية لتكنولوجيا المعلومات المواكبة لأحدث التطورات والإدارة المالية الرشيدة التي تمنع الإهدار في الموارد، وتجمع الديون، وتحقق أعلى أداء بأقل تكلفة ممكنة، بالإضافة إلى نظام فعال للخدمة المدنية يضمن اختيار الأشخاص ذوي القدرات المناسبة للوظائف.
3- حتمية إحداث تعديلات في هيكلية المؤسسات وسلسلة القيادة وقنوات الاتصال الداخلية؛ حيث إن الاتصال يشكل مصدرًا هامًّا من مصادر الإخفاق، فالتعقيدات والمشكلات في نظام الاتصال داخل المؤسسة ستؤدي إلى القصور في نقل السياسات أو حتى تشويهها من مستوى إداري إلى آخر لتصبح المحصلة النهائية تزايد احتمالات الإخفاق، علاوةً على ذلك فإن هناك حاجة ملحة لمعالجة الازدواجية والتداخل في المهام والمسئوليات، وخاصة مع تواجد العديد من المؤسسات التي تغطي الفضاء الوظيفي ذاته.
4- التركيز على معايير الكفاءة في التعيينات الرئاسية ومن ثم تنحية فكرة الانتماء السياسي عند الاختيارات الوظيفية، وهذا الأمر يتطلب من الكونجرس ومؤسسة الرئاسة ضمان أن الأشخاص الذين يتم تعيينهم من قبل الرئيس يتلقون التدريب على اتخاذ القرارات الصحيحة والسريعة في الوقت ذاته، فضلا عن التأكد من استمراريتهم في مناصبهم الفترة الكافية التي تسمح لهم بإحداث فارق.
ويخلُصُ لايت إلى أن الشروع في إجراءات إصلاحية في هذا الشأن سيمنح الإدارة الأمريكية مزايا مالية، وسيوفر للكونجرس والرئيس نحو تريليون دولار على مدى السنوات العشر القادمة، وذلك من خلال منح الحكومة السلطة والقدرة الكافية لجمع الضرائب والقروض المتأخرة، وإعادة النظر في الوظائف التي تستقطع الكثيرَ من الأموال بدون إحداث إنعكاسات إيجابية ملحوظة على الأداء الحكومي. وفي السياق ذاته يمكن أن تشكل الإصلاحات في الوقت الراهن مدخلا لمكاسب سياسية سيجني ثمارها السياسيون من الحزبين في الانتخابات المقبلة.
(*) جانب من نتائج دراسة الخبير بول لايت حول تردي أداء الإدارات الأمريكية المتعاقبة. المصدر: الموقع الرسمي لمعهد بروكينجز.
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية